حرب غزة: ماذا يعني إعادة حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس جيرالد آر فورد” إلى مينائها؟
- Author, منار حافظ
- Role, بي بي سي عربي – عمّان
أثار القرار الأمريكي بسحب حاملة الطائرات “يو إس إس جيرالد آر فورد”، المخصصة لـ”حماية إسرائيل وردع إيران وحلفائها”، من البحر الأبيض المتوسط، جدلاً حول مؤشرات هذه الخطوة في ظل عدم إعلان الإدارة الأمريكية عن أسبابها.
يجد محللون سياسيون قابلتهم بي بي سي أن إعادة حاملة الطائرات فورد (CVN 78)، إلى مينائها الأساسي في فرجينيا، مؤشر إيجابي ترسله الولايات المتحدة لإيران بأنها لا تريد مزيداً من التصعيد في المنطقة، ورسالة أخرى لإسرائيل بضرورة عدم توسيع دائرة الصراع.
تأتي هذه الخطوة في وقت يضغط فيه الشارع الأمريكي على حكومة بلاده لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، وسط استقالة عدد من المسؤولين احتجاجاً على الدعم الأمريكي لإسرائيل.
وحاملة الطائرات فورد هي أكبر حاملة طائرات في العالم إذ تضم أكثر من 4000 فرد وثمانية أسراب من الطائرات، وتحمل اسم الرئيس الأمريكي الأسبق جيرالد فورد الذي توفي عام 2006، وحصل خلال الحرب العالمية الثانية على رتبة ملازم أول في بحرية الولايات المتحدة ( USN )، كما شغل منصب الرئيس الثامن والثلاثين للولايات المتحدة.
وصفت البحرية الأمريكية الحاملة فورد بأنها “أعجوبة تكنولوجية”، وقالت إن بناءها احتاج 12 عاماً من التخطيط والبناء، بنيت في 2009، وسلمت للخدمة في البحرية الأمريكية عام 2017.
وتختلف عن غيرها من حاملات الطائرات باحتوائها على محطة نووية جديدة، وقدرة على توليد ما يقرب من ثلاثة أضعاف كمية الطاقة الكهربائية، إضافة لنظام إطلاق الطائرات الكهرومغناطيسي ليحل محل النظام القديم “المنجنيق البخاري”، بحسب البحرية الأمريكية.
رفضت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” التصريح لـ بي بي سي بأي تفاصيل عن أسباب سحب الحاملة من البحر الأبيض المتوسط، وقررت الاكتفاء ببيان غير مفصل صدر عنها، تعلن فيه إعادة فورد إلى مينائها الأساسي.
وتقول الوزارة في بيانها إن الأوامر صدرت “لحاملة الطائرات الأمريكية يو إس إس جيرالد ر. فورد بالتوجه إلى شرق البحر الأبيض المتوسط للمساهمة في الردع الإقليمي ووضعنا الدفاعي، [لكن] في الأيام المقبلة ستعاد إلى مينائها الرئيسي للتحضير لعمليات نشر مستقبلية”.
وكانت واشنطن قررت إرسال حاملة الطائرات فورد بعد السابع من أكتوبر الماضي إثر هجوم شنته حركة حماس المسؤولة عن إدارة قطاع غزة، على إسرائيل.
وقال الجيش الإسرائيلي إن الهجوم أدى لمقتل نحو 1200 إسرائيلي. في حين تسببت الغارات الإسرائيلية بقتل نحو 22 ألف فلسطيني غالبيتهم من النساء والأطفال وغرق القطاع بكارثة إنسانية، وفق وزارة الصحة في غزة.
الرسائل وراء إعادة حاملة الطائرات إلى مينائها
من الواضح أن الولايات المتحدة تتبع سياسة الردع وفي ذات الوقت تعمل على خفض التصعيد، لأنها ليست مهتمة بصراع إقليمي مع إيران أو حزب الله أو الحوثيين، بحسب أليكس فاتانكا مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.
وأضاف فاتانكا أن “حاملتي الطائرات والوجود العسكري للولايات المتحدة، في أماكن مثل البحر الأحمر وشرق البحر الأبيض المتوسط، هو بمثابة القول لحزب الله، والحوثيين، وإيران، إن الولايات المتحدة موجودة هنا عسكرياً، وإذا لزم الأمر يمكنها أن تتدخل”.
لكن في المقابل فإن عدم تصعيد الجانب الإيراني أو حلفائها يعني عدم التصعيد الأمريكي، وهي الرسالة التي حاولت واشنطن إرسالها “وأعتقد أن أخذ حاملة الطائرات هذه بعيداً عن شرق البحر الأبيض المتوسط هو مثال على ذلك”، يوضح فاتانكا في حديثه لـ بي بي سي.
كما يرى أن إيران أيضاً ليست مهتمة بحرب مع إسرائيل، وليست مهتمة بحرب مع الولايات المتحدة، “إن السياسة الإيرانية تهدف إلى إضعاف إسرائيل على مدى سنوات عديدة…الاستراتيجية هي القتال في المنطقة، ولكن القتال بعيداً عن الأضواء، إنه القتال دون المخاطرة بحرب كبيرة يمكن أن تهدد بقاء الجمهورية الإسلامية”.
ورغم إعادة حاملة الطائرات فورد، إلا أن حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس دوايت دي أيزنهاور” ما زالت تتواجد في مياه الخليج العربي إثر هجمات جماعة أنصار الله الحوثي الموالية لإيران على السفن الإسرائيلية أو المتوجهة إليها.
محلل الشؤون العسكرية في صحيفة هآرتس الإسرائيلية عاموس هاريل قال تعليقاً على القرار إن خفض الوجود البحري الأمريكي في المنطقة “ليس خبراً جيداً لإسرائيل”، وربط القرار بتصريحات وزراء اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو الذين يرغبون بتهجير الفلسطينيين من غزة وإعادة الاستيطان -بحسب تصريحاتهم- مما يؤدي لزعزعة الثقة بين إسرائيل والولايات المتحدة. وقد يكون القرار إشارة لطهران لعدم تصعيد الوضع المتوتر، بحسبه.
ويتفق المحلل السياسي الإيراني عماد آبشناس مع الرأي القائل أن إعادة الحاملة لمينائها الرئيسي هدفه تهدئة الوضع بحسب ما أفاد لـ بي بي سي، لكنه يتصور أن “ظروف العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تغيرت، إذ كان هذا الدعم لمدة محدودة تجاوزتها إسرائيل، واليوم تسحب الولايات المتحدة الحاملة لتهدئة الوضع في المنطقة والقول لإسرائيل أن الدعم لن يكون محدودا”.
ويرى أبشناس أن إيران لا تشكل تهديداً لأي طرف، بينما يشكل “التطرف الإسرائيلي ورفض السلام العادل خطراً على دول وشعوب المنطقة”.
كبيرة الباحثين في معهد نيولاينز للسياسات والاستراتيجيات كارولين روز قالت “تمثل الضربة الأخيرة في بيروت [اغتيال القيادي في حماس صالح العاروري]، والضربة في إيران في ذكرى مقتل اللواء الإيراني قاسم سليماني، تهديداً متجدداً بتصعيد كبير في المنطقة، ويمكن أن يزداد بسبب الضربات الإسرائيلية. وليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تتوسع الاشتباكات عبر الحدود الإسرائيلية اللبنانية، لذلك فمن المحتمل أن الولايات المتحدة ترسل برسالة إلى إسرائيل، بأنها لن تتسامح مع أي توسع في حرب غزة”.
وتضيف روز أن رحيل “يو إس إس فورد” من البحر الأبيض المتوسط لا يعني بالضرورة “أن الولايات المتحدة ليست ملتزمة بجهود الردع الإقليمية في الشرق الأوسط، وسط الحرب في غزة وزيادة هجمات الجماعات المتحالفة مع إيران على المواقع الأمريكية. لا تزال حاملة الطائرات يو إس إس أيزنهاور في المنطقة إلى جانب سفن الهجوم والنقل البرمائية الأخرى”.
القوة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط وأهدافها؟
“ليس من مصلحة الولايات المتحدة التخلي فجأة عن الشرق الأوسط، لأن لها مصالح راسخة في الحفاظ على الاستقرار وتعزيز الأمن البشري…ودعم شركائها في تحقيق الاستقرار ومحاربة داعش [تنظيم الدولة الإسلامية]، إضافة لردع المنافسين مثل إيران”، تقول روز.
ومع ذلك “تسعى الولايات المتحدة بالفعل إلى التركيز على منافسة القوى العظمى في مسارح أوروبا الشرقية والمحيط الهادئ، ومع استمرار الحرب في غزة، سيتعين على الولايات المتحدة العمل على توازن دقيق في الحفاظ على قدرتها التشغيلية في الشرق الأوسط وردع إيران، مع الاستعداد لمواجهة طويلة الأمد مع منافسين مثل روسيا والصين”، تضيف روز لـ بي بي سي.
لكن يجد آبشناس أن “الأمريكيين يعتبرون أن إسرائيل بمثابة حاملة طائرات ثابتة تستطيع الولايات المتحدة الاعتماد عليها في كل مشاريعها في المنطقة وإثارة الفوضى في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا، لأنه إذا استتب الأمن والسلام في المنطقة فإن دول المنطقة لن تحتاج إلى الوجود الأمريكي أو شراء السلاح الأمريكي”.
ويتحدث فاتانكا عن حجم التواجد الأمريكي الكبير في المنطقة في قواعدها العسكرية الممتدة من العراق إلى سوريا، وفي دول الخليج إذ تمتلك أكبر قاعدة عسكرية في الدوحة.
وقدر تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في عام 2020 بعد مقتل سليماني، عدد العسكريين في القواعد والسفن الأمريكية المنتشرة في الشرق الأوسط بالآلاف، إذ بلغ العدد التقريبي لهذه القوات في تلك السنة نحو 41 ألفاً في دول الخليج العربي، وتجاوز عدد القوات الأمريكية في العراق والأردن وسوريا وتركيا الـ 12 ألفاً، بحسب الصحيفة.
يشار إلى أن الولايات المتحدة سحبت غالبية قواتها العسكرية من العراق، كما انسحبت من أفغانستان بالكامل في 2021.
البنتاغون صرح في بيانه أنه مستمر في التعاون “مع الحلفاء والشركاء لتعزيز الأمن البحري في المنطقة… والاستفادة من موقف قوتها الجماعية في المنطقة لردع أي دولة أو جهة غير حكومية تسعى لتصعيد هذه الأزمة خارج غزة”.
وفي ذات البيان قالت وزارة الدفاع الأمريكية إنها مستمرة بتقييم وضع القوة على مستوى العالم، وتحتفظ بقدرات عسكرية واسعة في البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، ويشمل ذلك حاملة الطائرات أيزنهاور، ومدمرات، وسفينة إنزال، والمجموعة البرمائية الجاهزة ARG، وتتألف من ثلاث سفن ونحو ألفين من مشاة البحرية.
يقول المحلل السياسي فاتانكا إن سحب حاملة الطائرات فورد لا يعني أن الولايات المتحدة قللت من تواجدها العسكري، إذ لا يزال لديها نحو 40 ألف جندي في المنطقة وبإمكانها شن الهجمات، واصفا هذا الانسحاب بالـ “رمزي لتحذير إيران وحزب الله، وفي الوقت نفسه إذا تراجعت إيران وتوقفت عن التصعيد فستتوقف أمريكا عن التصعيد أيضاً، وهو ما أراه يحدث”.