إصدار بالإسبانية يقتفي جذور الصناعة الاستعمارية لقضية الصحراء المغربية
تقريبٌ لأصول الصناعة الاستعمارية لمشكل الانفصال بالصحراء المغربية صدر في كتاب للأكاديمي المغربي رحال بوبريك، رأى النور مطلع سنة 2024 باللغة الإسبانية، بعدما صدر سنة 2023 باللغة الفرنسية، بناء على وثائق الأرشيفَين الإسباني والفرنسي، مع الاستعانة بشهادات خاصة من قيادات جيش التحرير المغربي بالصحراء.
الترجمة الصادرة عن دار النشر “ديوان” بمدريد أعدها سوسان فكري، أستاذ اللغة الإسبانية بجامعة فاس، للكتاب الصادر سابقا باللغة الفرنسية، نظرا لكونه “موجها باللغتين إلى جمهور له مسؤولية تاريخية في هذا المشكل بسبب الاستعمار بشقَّيه الإسباني والفرنسي”، وفق تصريح خص به هسبريس الكاتب رحال بوبريك.
وأضاف الأكاديمي ذاته: “هذا الكتاب يعود إلى جذور مشكل الصحراء، ويقف عند المنعطفات الكبرى بين سنوات 1884 و1975، بالاعتماد على الأرشيفات الفرنسية والإسبانية، نظرا لقلة الكتب بالإسبانية التي تشرح وجهة نظر المغرب حول قضية الصحراء، علما أن الإسبان بحكم التاريخ والجوار الجغرافي جزء من المشكل، لكن الأدبيات الموجودة بهذه اللغة تدافع أغلبها عن أطروحة صيغت في إطار الأطروحة الاستعمارية الإسبانية أو لمساندة الأطروحة الانفصالية”.
وتطرق بوبريك لضرورة اطلاعِ الرأي العام الإسباني على تاريخ “جذور المشكل المصطنع” بالصحراء المغربية؛ لأن “سنة 1975 لم تكن البداية، بل نتيجة تداعيات كبرى عرفتها المنطقة أواخر القرن التاسع عشر، بعد تقسيم الإمبراطورية أو الإيالة الشريفة، أي الدولة المغربية ما قبل الاستعمار، حيث قام الاستعماران الفرنسي والإسباني بتجزئة هذا البلد باتفاقيات وقعت سنوات 1900 و1902 و1904، قبل إرساء الاستعمار رسميا سنة 1912”.
هذا التقسيم تم “رغم أن مؤتمر الخزيرات اعترفت فيه الدول الأوروبية بسيادة المغرب، وعدم تقسيم ترابه”، وهكذا “فصلت الصحراء عن جزء من امتدادها السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والتاريخي عموما”؛ ثم “وضع التقسيم الاستعماري حدودا مصطنعة صارت لها فاعلية ودور كبير مع الاستقلال، حيث وجَد المغرب نفسه مجزَّأ”، بعد معاناته من “وضع فريد” بسبب وجود ترابه في الشمال والصحراء تحت الاستعمار الإسباني، في ظل نظام استعماري متباين بالجنوب، والوضع الدولي لطنجة، والاستعمار الفرنسي للمناطق الأخرى.
إذن، بعد استقلال المغرب سنة 1956 لم يحصل إلا على جزء من ترابه، وبقيت المناطق الأخرى مستعمرة، ولهذا جاءت المطالبة بالأجزاء المستعمرة بالصحراء وتندوف وإفني، وطلب شيوخ وأعيان الصحراء من الملك محمد الخامس مواصلة تحرير الجنوب.
ثم أردف الكاتب قائلا: “لهذا انطلق جيش التحرير بالجنوب وقاتل لاستعادة الصحراء بداية سنة 1958، وبدأ انسحاب الإسبان إلى السواحل (…) لكن ستتحالف إسبانيا مع فرنسا في عملية عسكرية لم يُكتَب عنها الكثير للأسف هي ‘المكنسة’، ولمدة أسبوعين تم دك المنطقة بالطيران والقنابل، بعدما تبين لإسبانيا أن المغرب سيحرر الصحراء بقوة السلاح. ولا ننسى أن الجنرال فرانكو كان حليفا للنازية، ولكن مع ذلك تحالفت معه فرنسا، ونُكِّل بالرحل وقضِي على قطعان وجرت استنطاقات موسعة وقصف للمدن، ونقل كلّ من شُكَّ في انتمائه إلى جيش التحرير لسجنه في مراكز اعتقال كبرى بجزر الكناري، وهو ما نتج عنه نزوح للاجئين إلى منطقة كلميم، وسيكون ذلك منعطفا كبيرا بعد تحرير مجهض”.
هذه المرحلة تلاها “منعطف ثالث” للقضية، حيث سنت إسبانيا قانونا يعتبر الساقية الحمراء ووادي الذهب إقليما إسبانيا لا يتجزأ من التراب الإسباني وليس مستعمرة، وهكذا “بعد خلق حدود في بداية القرن العشرين ستخلق نواة شعب هو الشعب الصحراوي، مع رفض لمفاوضة المغرب”، وفق المصدر ذاته.
وذكّر بوبريك بأنه بعد تسجيل الصحراء كمنطقة غير مستقلة في اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار المغرب هو الذي فرض الاستفتاء سنة 1966 بشروط، لكن القضية دخلت متاهات في أروقة الأمم المتحدة، وتعددت مناورات إسبانيا، التي كانت تسعى إلى “تهيئة المجال لخلق كيان يكون تابعا لها مثل باقي الاستعمارات في إفريقيا، بخلق إقليم تعطيه الاستقلال، وتعد نخبته وهيئاته، لكن الملك الراحل الحسن الثاني كان يقظا دبلوماسيا وعسكريا، رغم أنه لم يوظف هذا الحل الأخير، فتم اللجوء إلى محكمة لاهاي، ثم نُظّمت المسيرة الخضراء”.
لكن رغم بداية استرجاع التراب المغربي سنة 1975 إلا أن الأمر تم “بعد غرس الاستعمار حدودا معينة، وفكرة معينة للانفصال”. ولذلك يسعى هذا الكتاب إلى مخاطبة الناطقين بالإسبانية والفرنسية، لتقديم أصول “الصناعة الاستعمارية لقضية الصحراء”، و”الغوص في جذور المشكل الاستعماري” باستعمال وثائق جديدة، من مصادر من بينها على سبيل المثال لا الحصر أرشيفات إكس أون بروفانس الفرنسية، والأرشيف العسكري بفانسان ضواحي باريس، وأرشيف لاكورنوف الدبلوماسي، وأرشيف نانت، والأرشيفات الإسبانية، وخاصة أرشيفات آخر كاتب عام إسباني بالصحراء؛ مع سبر أغوارها من طرف رحال بوبريك، المتخصص في دراسات المجتمع الصحراوي منذ ما يقرب من ثلاثين سنة.