حرب غزة: هل يحكم غزة فلسطينيون في غياب مدني كامل لإسرائيل بعد الحرب؟ – في الفايننشال تايمز
نبدأ جولتنا في الصحف من صحيفة “ذي تايمز أوف إسرائيل” الإسرائيلية التي نشرت مقالا يتناول التصريحات التي أدلى بها وزير الدفاع الإسرائيلي عن خطط مستقبل غزة بعد انتهاء الحرب. لكن المقال تطرق إلى تلك التصريحات من منظور مختلف تماما؛ وهو إخفاقات الجيش الإسرائيلي في الحيلولة دون تعرض إسرائيل لهجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي الذي أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخصا.
وأشارت الصحيفة إلى أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي تعرض لانتقادات حادة من قبل أعضاء في حكومة نتنياهو بعد أن شكل فريقا من العسكريين السابقين للتحقيق في فشل الجيش في حماية الأراضي والرعايا الإسرائيليين في غلاف غزة من هجوم حماس، المعروف بـ “طوفان الأقصى” في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وهو ما يشير إلى أن فكرة التحقيق في هذه القضية ظهرت على السطح بعد حوالي 90 يوما من هجوم حركة حماس.
وأشار المقال إلى أن “القرار بإجراء هذا التحقيق جاء تزامنا مع اجتماع لكبار وزراء الحكومة الإسرائيلية لمناقشة خطط إدارة القطاع بعد انتهاء الحرب على غزة، وهو الاجتماع الذي انتهى بخلاف حاد بين عدد من الوزراء الإسرائيليين وقادة عسكريين، إذ عارض مشرعون إسرائيليون بشدة الخطط التي تتضمن إجراء الجيش تحقيقا في الأخطاء التي وقع فيها”.
وتعهد رئيس الأركان الإسرائيلي بألا يناقش التحقيق أي شأن سياسي على صلة بالحرب في غزة وأن التحقيق سيكون “احترافيا يستند إلى ملاحظات خارجية لاختبار سلوك الجيش أثناء الحرب بهدف تحسين الأداء المستقبلي”، وفقا لصحيفة “ذي تايمز أوف إسرائيل”.
ورغم ذلك، تعرض هاليفي لانتقادات واسعة النطاق على خلفية تشكيل هذا الفريق – الذي يضم بين أعضائه رئيس الأركان الإسرائيلي السابق شاؤول موفاز – من قبل أعضاء يمينيين وأعضاء من اليمين المتشدد في حزب الليكود الذي يرأسه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، أبرزهم وزيرة النقل ميري ريغيف، ووزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير التعاون الإقليمي دافيد أمسالم.
كما أشارت تقارير إلى أن هؤلاء الوزراء الإسرائيليين أعربوا عن غضبهم بسبب وجود موفاز في فريق التحقيق، إذ يرون أنه مسؤول عن الانسحاب من غزة عام 2005، بينما يصبو البعض في اليمين المتشدد إلى أن يتم العدول عن فكرة فك الارتباط عن القطاع في أعقاب الحرب ضد حماس، وإعادة بناء المستوطنات هناك من جديد.
وتسعى هذه المعارضة السياسية للتحقيق في أخطاء الجيش الإسرائيلي بمعرفة فريق من العسكريين الإسرائيليين إلى إلقاء الضوء على أن الإدارة الإسرائيلية ترفض أي صوت باستثناء صوت المعركة وخطط إدارة قطاع غزة ما بعد الحرب مع ميل البعض إلى سيطرة إسرائيل على غزة بالكامل.
وأدلى وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بتصريحات الخميس الماضي عرض خلالها الخطوط العريضة لخطته “لما بعد الحرب” في غزة والتي بموجبها لن تكون هناك في القطاع الفلسطيني بعد انتهاء القتال “لا حماس” ولا “إدارة مدنية إسرائيلية”، بحسب وصفه.
القتال في غزة
ننتقل إلى صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية التي ركزت على تفاصيل التصريحات التي أدلى بها وزير الدفاع الإسرائيلي وما ألقت به من ظلال على الخطط التي تدرسها إسرائيل لإدارة غزة ما بعد الحرب، وما سيكون عليه شكل الإدارة المدنية للقطاع والأوضاع الأمنية هناك.
وأشارت الصحيفة إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي قال إنه “لا ينبغي أن يكون هناك أي وجود إسرائيلي مدني في غزة بعد أن تنتهي الحرب مع حماس”، وذلك في معرض رؤيته للمراحل المقبلة من الصراع وتداعياته.
ورأت الصحيفة البريطانية أن “المسؤولين الإسرائيليين لم يفصحوا عن أي تفاصيل عن كيفية دراستهم للترتيبات اللازمة لحكم غزة بمجرد انتهاء القتال وسط انقسامات في أروقة الحكومة الإسرائيلية حول مستقبل القطاع”.
وشدد غالانت على ضرورة منح قواته “حرية اتخاذ الإجراءات الخاصة بالعمليات” في قطاع غزة، مطالبا بأن تكون السيطرة الأمنية على القطاع لإسرائيل بعد هزيمة حماس مع قيام جهاز إداري فلسطيني بتسيير الأعمال، وفقا للرؤية الإسرائيلية.
وأوضح غالانت أن “حماس لن تحكم غزة ولن تعود من جديد لتشكل تهديد للمدنيين الإسرائيليين”، مرجحا أن مؤسسات فلسطينية – لم يحددها في تصريحاته ويبدو أنها قد تتمثل في موظفين مدنيين وقيادات اجتماعية – هي التي قد تكون مسؤولة عن تسيير الأعمال المدنية في القطاع.
وأضاف غالانت: “سكان غزة فلسطينيون، لذلك سوف تتولى المسؤولية في القطاع مؤسسات فلسطينية، شريطة ألا تكون هناك إجراءات عدائية أو تهديد لدولة إسرائيل”.
لكن الصحيفة البريطانية رأت أن الأمر بهذا الشكل يكتنفه الكثير من الغموض، مستشهدة بتقارير عن موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرافض لاقتراحات من مسؤولين في الإدارة الأمريكية بأن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة شؤون غزة، وهو الاقتراح الذي دعمته إدارة بايدن بأن السلطة الفلسطينية تحكم بالفعل جزءاً من الضفة الغربية المحتلة، وأنها كانت تحكم غزة قبل أن تطيح بها حماس من السلطة هناك في 2007.
كما ذكرت أنه “من المخاوف الأخرى لإدارة بايدن تلك المطالبات من قبل أعضاء اليمين المتشدد في حكومة نتنياهو بتشجيع الفلسطينيين على مغادرة قطاع غزة بشكل جماعي”.
“الإبادة الممنهجة كفاتحة للتهجير”
في صحيفة القدس العربية، نطالع مقالا للكاتبة ندى حطيط، يركز على ما أطلقت عليه “العقل الصهيوني” في محاولة للتعرف على ملامح خطة محتملة لإدارة شؤون، أو بالأحرى حكم غزة، بعد انتهاء الحرب الدائرة في الوقت الراهن، وهو ما يُعد استعراضا للخطة المحتملة لإدارة غزة بعد انتهاء الحرب من منظور مؤيد للجانب الفلسطيني.
وتناولت الكاتبة هذه القضية من منظور أوسع نطاقا أطلقت عليه “المشروع الصهيوني” الذي ترى أنه “قائم – حتى من قبل الاتفاق – على فلسطين كموضع لتأسيس دولة (قوميّة) لليهود على مبدأ ’أرض بلا شعب لشعب بلا أرض‘”. وفي الحالة الفلسطينية، فإن تحقيق هذه المعادلة يتطلب العمل على تفريغ الأرض من سكانها، وهو ما عملت عليه العصابات الصهيونية إبان حرب تأسيس الدولة العبرية في 1948″.
وأضافت أن إسرائيل “نفذت عمليات تطهير عرقيّ وإبادة ممنهجة ضد السكان الفلسطينيين وتم دفعهم لمغادرة بيوتهم وأراضيهم، قبل تنفيذ برنامج شامل لتدمير القرى وأحياء المدن العربيّة، وإسقاط كافة مؤسسات المجتمع المدني، وتخريب الحيازات الزراعية بموازاة تغييرات على الوضع القانوني لملكية الأراضي على نحو يجعل من المستحيل عمليّاً تحقيق عودة اللاجئين إلى بلادهم”.
وترى الكاتبة أن بقاء الفلسطينيين وأراضيهم على مدار عشرات السنوات، وزيادة أعدادهم، من العوامل التي شكلت خطرا على مشروع إسرائيل بمرور الوقت، مرجحة أن “الكيان كان سيصل حتماً إلى ضرورة حل نهائيّ لعمل اللازم نحو التخلص من الفلسطينيين المنزرعين في وطنهم، سواء بمبرر هجوم المقاومة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول أو غيره، وهو استغل بكل الخبث المعهود عنه تعاطف الغرب العنصريّ مع الأسرى لدى المقاومة لإطلاق هذا الحل النهائي: إبادة، وتدمير ممنهج يؤديان إلى التهجير” كما تقول الكاتبة.