السويني يسلط الضوء على دور “ولي العهد” في تعزيز الاستثناء المغربي
قال المنتصر السويني، باحث في العلوم السياسية والمالية، إن استقبال ولي العهد المغربي عضو مجلس الوزراء السعودي، بقصر الضيافة في الرباط، ليس حدثا عابرا في نهاية سنة 2023، بل كان عبارة عن رسائل قوية أرسلتها المؤسسة الملكية إلى الآخر لتذكره من جديد بدور نظام ولاية العهد في تعزيز الاستثناء المغربي.
وأضاف السويني، في مقال بعنوان “دور نظام ولاية العهد في تعزيز الاستثناء المغربي” توصلت به هسبريس، أن الرسالة التي حرصت الملكية على التأكيد عليها، كانت مرتبطة بكون ثنائية “الملك-ولي العهد” تعمل على التأكيد على أن قوة الدول في الزمن الحالي والزمن المستقبلي تتجسد من خلال وجود القادة التقريرين النوعيين، مشيرا إلى أن “الملكية تمنح للمغرب ميزة المؤسسات التقريرية القوية، وبالتالي مؤسسات الفعل القادرة على قيادة مرحلة الاستيقاظ الجيو-سياسي والجيو-اقتصادي بحنكة ونجاح”.
الرسالة الثانية التي أراد العقل السياسي المغربي إرسالها إلى من يهمه الأمر، حسب الباحث ذاته، تتلخص في “التأكيد على أن فرز القادة التقريريين يحتاج إلى تكوين وتهيئة وصقل قبلي قبل تنصيبهم في قمة هرم السلطة. لهذا، فإن الأنظمة التي تشتغل من خلال ثنائية “ولي العهد-الملك” هي أنظمة تملك حظوظا وافرة من أجل فرز القادة النوعيين والقادة الحكماء والقادة الفاعليين من خلال ميزة التكوين القبلي للقادة”.
وأوضح السويني أن الرسالة الثالثة التي أراد العقل الرسمي إرسالها من خلال صورة ولي العهد في مهمة رسمية تتمثل في أن وحدها المؤسسة الملكية بإمكانها أن تلعب دور حارسة الزمن الطويل أو حارسة المعبد، وبالتالي تضمن الاستمرارية والاستقرار من خلال ميزة “الملك-ولي العهد”. وبالتالي، فإذا كانت الديمقراطيات الغربية تشتغل من خلال ثنائية “الرئيس الحالي المنتخب-الرئيس المجهول الذي ينتظر الانتخابات القادمة”، فإن الملكية تقدم لنا ثنائية “الملك-ولي العهد أو الملك القادم في مرحلة التكوين والتعلم”.
نص المقال:
استقبال ولي العهد المغربي عضو مجلس الوزراء السعودي بقصر الضيافة بالرباط، لم يكن حدثا عابرا في نهاية سنة 2023، بل كان عبارة عن رسائل قوية أرسلتها المؤسسة الملكية إلى الآخر لتذكره من جديد بدور نظام ولاية العهد في تعزيز الاستثناء المغربي.
الرسالة الأولى التي حرصت الملكية على التأكيد عليها، كانت مرتبطة بكون ثنائية “الملك-ولي العهد”، تعمل على التأكيد على أن قوة الدول في الزمن الحالي والزمن المستقبلي تتجسد من خلال وجود القادة التقريرين النوعيين، وأن عصر مؤسسات النقاش والجدال قد تراجع وفقد بريقه (القرن التاسع عشر 19 والقرن 20)، وأن القرن الواحد والعشرين ينتقل بنا من عالم النقاش إلى عالم الفعل (كما أكد على ذلك الباحث اكيلينو موريل)، وكان تأكيدا كذلك أن التاريخ في القرن الواحد والعشرين سيصنعه بالأساس الأشخاص النوعيون وليس الجماهير والحشود (كما نظر لذلك مفكرو النظرية الماركسية)، وكان تأكيدا فعليا أن الهندسة المؤسساتية ومبدأ فصل السلطة كما تصوره مونتسكيو، لم يصنع للعالم في حقيقة الأمر إلا القادة المكبلين بمبدأ توازن السلط ومبدأ السلطة توقف السلطة والقادة الضعفاء والقادة العاديين، مما سيدفع الباحث كارل كوبر إلى القول إن “الأنظمة السياسية كما تم تصورها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أنتجت لنا القادة الضعفاء والقادة العاجزين والقادة العاديين”، وبالتالي أراد العقل الرسمي المغربي التأكيد أن الملكية تمنح للمغرب ميزة “المؤسسات التقريرية القوية”، وبالتالي مؤسسات الفعل القادرة على قيادة مرحلة الاستيقاظ الجيو-سياسي والجيو-اقتصادي بحنكة ونجاح.
الرسالة الثانية التي أراد العقل السياسي المغربي إرسالها إلى من يهمه الأمر، تتلخص في التأكيد على أن فرز القادة التقريريين يحتاج إلى تكوين وتهيئة وصقل قبلي قبل تنصيبهم في قمة هرم السلطة. لهذا، فإن الأنظمة التي تشتغل من خلال ثنائية “ولي العهد-الملك” هي أنظمة تملك حظوظا وافرة من أجل فرز القادة النوعيين والقادة الحكماء والقادة الفاعليين من خلال ميزة التكوين القبلي للقادة (بدل تركهم يتعلمون في زمن ممارسة الحكم)، وبالتالي لا يحتاجون لمن يعلمهم في مرحلة الحكم كيف يتكلمون وكيف يفعلون وكيف يتصرفون (الصحافيان الفرنسيان اللذان أصدرا كتابا يحمل عنوان “الرئيس عليه أن لا يقول ذلك” بخصوص حقبة حكم فرانسوا هولاند).
الرسالة الأخيرة التي أراد العقل الرسمي إرسالها من خلال صورة ولي العهد في مهمة رسمية تتمثل في أن وحدها المؤسسة الملكية بإمكانها أن تلعب دور حارسة الزمن الطويل أو “حارسة المعبد”، وبالتالي تضمن الاستمرارية والاستقرار من خلال ميزة “الملك-ولي العهد”. وبالتالي، فإذا كانت الديمقراطيات الغربية تشتغل من خلال ثنائية “الرئيس الحالي المنتخب-الرئيس المجهول الذي ينتظر الانتخابات القادمة”، فإن الملكية تقدم لنا ثنائية “الملك-ولي العهد أو الملك القادم في مرحلة التكوين والتعلم”.
من خلال هذه الرسائل كان العقل الرسمي المغربي يؤكد أن المغرب يتوفر على ما يطلق عليه “الاستثناء المغربي” (وهي التسمية التي أطلقها مجموعة من الباحثين، منهم الباحث الفرنسي جون كلود مارتنيز)، وأن العقل الرسمي المغربي اليوم مهتم بشكل كبير بتطوير سلاحه الاستراتيجي المتمثل فيما يطلق عليه “الاستثناء المغربي” بضلعيه الأساسين المعتمدين على ثنائية “ولي العهد-الملك”، وتعني وجود ملك قوي مر بمرحلة ولاية العهد، وثنائية “الملك-ولي العهد” وتعني وجود ملك وكذلك ولي العهد، وبالتالي تعمل على ترسيخ الاستقرار والاستمرارية.
الاستثناء المغربي وثنائية “ولي العهد-الملك”
ثنائية “ولي العهد-الملك” كانت الضلع الأساسي للاستثناء المغربي التي أراد العقل السياسي المغربي التأكيد عليها من خلال صورة ولي العهد في مهمة رسمية، هذه الرسالة كانت تأكيدا على أن هذا الأخير لا يعتمد على مواجهة صعوبات الحكم وأزمات اللايقين والمجهول من خلال الشعار المعتمد على الثلاثية “الأشخاص الذين لم يسبق لهم أن تدربوا على ممارسة الحكم-الانتخابات-ممارسة مهام الرئاسة”، بل إن الملكية من خلال ثنائية “ولي العهد-الملك” تمنح ميزة أساسية للنظام السياسي المغربي تتمثل في قدرة هذا الأخير على فرز القادة الذين تدربوا على ممارسة المهام المرتبطة بمناصب الحكم من خلال التعلم والتدريب والممارسة القبلية، مما يمنح للملكية ميزة القدرة على منح البلد القادة النوعيين والقادة الحكماء، بدل القادة العاديين والقادة دون تجربة (كما هو سائد في بعض التجارب الدولية). وفي هذا السياق، ستؤكد الجريدة الإسبانية “الموندو” سنة 2015، في سياق تعليقها على أنشطة ولي العهد المغربي، أنه من النادر أن نرى طفلا صغيرا يتعامل مع الملوك والرؤساء بهذه السهولة والعفوية والشجاعة.
العقل الرسمي المغربي أراد التأكيد على أن الملكية الدستورية بالمغرب تملك ميزة أساسية غير متوفرة في غالبية دول العالم، هي أن الملكية في المغرب محكومة بثنائية “ولي العهد-الملك”، وبالتالي تعمل على شرعنة زمن سياسي قبلي للتعلم والتكوين يطلق عليه زمن “ولاية العهد” يخصص لتكوين الملوك قبل جلوسهم على العرش.
العقل السياسي المغربي كان يريد التأكيد كذلك على أن الاستثناء المغربي المعتمد على ثنائية “ولي العهد-الملك” هو مختلف عن غالبية دول العالم التي تفتح أنظمتها السياسية المجال لمن لم يسبق له أن تدرب على حكم البلد للوصول إلى قمة هرم السلطة، مما يطرح احتمال فتح مرحلة الحكم على المجهول.
التجارب الدولية في أعرق الديمقراطيات أثبتت لنا أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية فتحت الباب على مصراعيه أمام بائع القمصان وربطات العنق هاري ترومان للوصول إلى سدة الحكم، وفتحت الباب كذلك أمام منتج الفول السوداني جيمي كارتر، وفتحت الباب كذلك للمنعش والمضارب العقاري دونالد ترامب للوصول إلى سدة الحكم دون المرور بأية مرحلة قبلية للتدريب والتعلم والاستئناس بمهام الحكم، أما في فرنسا فحملت الانتخابات الرئاسية البنكي ايمانويل ماكرون إلى الحكم، مما دفع مجموعة من الباحثين إلى التأكيد أن الانتخابات في فرنسا لم تمنح للبلد في أقصى الحالات الإيجابية إلا نموذج الرئيس العادي، أما الانتخابات الأرجنتينية الأخيرة فقد حملت إلى سدة الرئاسة رئيسا يعقد جلسات استشارية مع كلابه ورئيسا يصنف كلابه بأنهم أحسن الاستراتيجيين في العالم، وبالتالي حرس العقل الرسمي المغربي على التأكيد أن الملوك بالمغرب يخضعون للتكوين والصقل والتمرين في مرحلة “ولاية العهد” قبل التربع على عرش المغرب.
الاستثناء المغربي وثنائية “الملك-ولي العهد”
إذا كان الضلع الأول للاستثناء المغربي يعتمد على ثنائية “ولي العهد-الملك”، مما مكن المغرب من التوفر على ملوك مروا بمرحلة ولاية العهد وسبق لهم أن خضعوا للاستعداد والتكوين القبلي، فإن الضلع الثاني للاستثناء المغربي يتمثل في الاعتماد على ثنائية “الملك-ولي العهد”. من خلال هذه الثنائية كان العقل الرسمي المغربي يؤكد أنه إذا كانت غالبية شعوب العالم في مواجهة الأزمات ومواجهة المجهول ترفع شعار “إن هناك ربانا في الطائرة”، فإن المغاربة في مواجهة المجهول واللايقين والأزمات يرفعون الشعار المعتمد على ثنائية “للطائرة ربان فعلي هو الملك-وهناك كذلك ربان في مرحلة التعلم والصقل والتدريب-ولي العهد)، وبالتالي كان العقل الرسمي المغربي يؤكد أن الاستثناء المغربي يعتمد على خاصية أساسية تتمثل في كون المؤسسة الملكية من خلال ثنائية “الملك-ولي العهد” تمثل حارسة الزمن الطويل، وأن وحدها الملكيات الدستورية بإمكانها أن تربط الزمن السياسي الحالي والمستقبلي من خلال ثنائية “الملك-ولي العهد”، وأن باقي دول العالم أقصى ما يمكن أن تقدمه هو ثنائية “رئيس الدولة المنتخب-المجهول في انتظار الانتخابات القادمة). وبالتالي، فإن المؤسسة الملكية بالمغرب كانت ترسل إشارات إلى عالم السياسة وعالم الاقتصاد وعالم المال أنها الوحيدة القادرة على تقديم بوصلة التأمين السياسي والاقتصادي والمالي المفتوحة لمن يريد أن يستثمر بأمان داخل دولة تقودها مؤسسة ملكية تملك ميزة ربط الحاضر بالمستقبل.
وفي هذا السياق سيؤكد الأستاذ الجامعي الفرنسي جون كلود مارتينز أن الطفل الأمريكي والطفل الفرنسي لا يستطيعان توقع اسم الرئيس الذي سيحكمهما في المستقبل، وحده الطفل المغربي بإمكانه أن يعرف أن الحسن الثالث سيكون ملكا للبلاد في الزمن المستقبلي.
من خلال ثنائية “الملك-ولي العهد”، أراد العقل الرسمي المغربي التأكيد أن الاستثناء المغربي يمنح للمؤسسة الملكية ميزة حارسة الزمن الطويل، مما يمكنها من تقديم صورة واضحة عن الجالس على عرش المغرب في الحاضر ومن سيجلس على عرش المغرب في المستقبل دون الحاجة إلى قراءات الأبراج ولا إلى زيارات العرافات ولا إلى الاطلاع على تحاليل الباحثين المهتمين بعلم المستقبل، بل يكفي متابعة الأنشطة الرسمية لولي العهد المغربي من أجل التعرف صوتا وصورة على الملك المستقبلي.
الدراسة بجامعة خاصة ذات ولوج محدود
العقل السياسي المغربي كان مقتنعا بأن تطوير فن الحكم بالمغرب مرتبط ارتباطا وثيقا بتحديث ما يطلق عليه “الاستثناء المغربي” المعتمد على الثنائيتين “ولي العهد-الملك” والملك-ولي العهد”، حتى يتمكن هذا الاستثناء من بناء المغرب الجديد والمغرب المستقبلي.
تحديث الاستثناء المغربي كان مرتبطا كذلك بنوعية المؤسسة الجامعية التي سيستكمل بها ولي العهد تكوينه الجامعي، وهنا وجب التأكيد أن جامعة محمد السادس بابن جرير، وهي مؤسسة جامعية خاصة ونوعية، تم إنشاؤها من طرف المكتب الشريف للفوسفاط (المؤسسة الاستراتيجية التي تحتل المرتبة الأولى بالمغرب من حيث النتائج والإبداع والتطور) سنة 2017، تعمل من خلال شراكة مع دول متنوعة (الولايات المتحدة، النمسا، سويسرا، كندا، الصين، البرازيل، ماليزيا، ألمانيا، إسبانيا، أستراليا، المملكة المتحدة، هولندا، ساحل العاج)، مما يعني أن ولي العهد المغربي تقرر أن يستكمل تكوينه بجامعة خاصة أنشئت حديثا ولها تعاون دولي نوعي ومميز.
الاهتمام النوعي بتكوين ولي العهد لم يقتصر فقط على قرار تسجيله بجامعة مغربية خاصة لها تعاون دولي وتم إنشاؤها حديثا، بل تقرر كذلك أن يستكمل ولي العهد تكوينه الجامعي بجامعة خاصة ذات الولوج المحدود، بدل استكمال تكوينه الجامعي بالجامعات ذات الولوج المفتوح، مما يؤكد قناعة العقل الرسمي المغربي بأن مغرب المستقبل هو في حاجة إلى قادة استثنائيين. والقادة الاستثنائيون يصنعون من خلال التكوين الاستثنائي والنوعي.
اختيار العقل الرسمي المغربي ولوج ولي العهد جامعة خاصة ذات ولوج غير محدود (نظام مغلق يشترط للقبول دراسة الملف أو النجاح في مباراة الولوج)، يجب قراءته في سياقه التاريخي، فإذا كان القرن التاسع عشر والقرن العشرون شرعنا لنا “مجتمع المساواة”، وبالتالي جامعة المساواة (كل الحاصلين على شهادة البكالوريا دون تمييز) وجامعات الولوج المفتوح، فإن القرن الواحد والعشرين يتميز بعالم السوق والمنافسة، وأنتج لنا بالتالي مجتمع التميز ومجتمع الكفاءات والمجهود والاستحقاق، وفي هذا السياق يؤكد الباحث آلان بيور أن الانتقال من تكوين عام إلى تكوين نخبوي يبقى مرتبطا ارتباطا وثيقا بانتقال التعليم العالي من تعليم عام إلى تعليم مقسم ونوعي (المؤهلات الدراسية والمهنية، نوعية المشاريع الدراسية، شروط نوعية مرتبطة بالمواظبة، شروط الدراسة والآفاق المهنية).
والمعروف عن الجامعات ذات الولوج المحدود أنها تتميز بشرعنتها لشروط مرتبطة بالمؤهلات المطلوبة وشروط مرتبطة بالمؤهلات الاستثنائية حتى يتمكن الطلاب من تحصيل تكوين استثنائي من خلال نوعية التأطير والحضور الضروري والقدرة على ممارسة التحصيل والتكوين والبحث بشكل مستمر ومكثف، وبالتالي وجود تكوين نوعي يختلف عن التكوين بالجامعات ذات الولوج المفتوح.
الحكامة والعلوم الاقتصادية والاجتماعية
إذا كانت الأعراف السابقة داخل العائلة الملكية رسخت اللجوء إلى التكوين في الميدان الدستوري والقانوني (الملك الراحل الحسن الثاني-الملك محمد السادس)، فلأن هذا التكوين كان مرتبطا أكثر بالمؤسسات الدستورية والسياسية وبالحكامة السياسية بشكل أساسي، لكن العقل الرسمي المغربي كان مقتنعا بأن القرن الواحد والعشرين يتطلب الانتقال من التدبير تحت سقف المظلة السياسية المهتمة باستمرارية الدولة إلى سقف تجويد التدبير المؤسساتي من خلال التركيز على الفعالية والنتائج، وبالتالي دخول معطى التكوين المعتمد على “الحكامة السياسية-الاقتصاد-التدبير العمومي الجديد-المالية-العلوم الاجتماعية”، وهو اختصاص أقرب إلى التكوين بالجامعات الأمريكية منه إلى الجامعات الفرنسية (مما يمكننا من فهم لماذا جامعة مغربية خاصة حيث التكوين أقرب إلى النموذج الأمريكي والتجارب الدولية المتنوعة).
العقل الرسمي المغربي كان مقتنعا كذلك بأهمية التكوين الاقتصادي (لأن وحده الاقتصاد قادر على تمكين الدول من القيام بالقفزة الكبرى) بالنسبة لولي العهد المغربي، وهنا تجدر الإشارة إلى أن العقل الرسمي المغربي كان معجبا بالعبارة التي أطلقها السياسي الأمريكي جيمس كارفيل إبان الحملة الانتخابية لبيل كلينتون (ضدا على حملة جورج بوش الأب التي كانت تعتمد على المنجزات السياسية، حيث أكد على العبارة الشهيرة: إنه الاقتصاد يا غبي، وقد ألهمت هذه العبارة مجموعة من رؤساء الدول في العالم).
أهمية التكوين الاقتصادي بالنسبة لرؤساء الدول في العالم نستشفه كذلك مما سبق وأكد عليه رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل: “إنني أستطيع أن أفهم كل شيء ولكن الجهل بالاقتصاد يهزمني لأنه شيء أساسي في التدبير الحديث للدول” أما مارغريت تاتشر فلم تخف إعجابها بالاقتصادي الإنجليزي (التجنيس) فريدريك فون هايك، وكانت تزوره من أجل الاستشارة الاقتصادية من حين لآخر بمكتبه الجامعي (وعندما سأله أصدقاؤه عن سبب زيارة رئيسة الحكومة إليه، أجاب ضاحكا: إنها سيدة جميلة).
العقل السياسي المغربي كان مقتنعا كذلك بأن الاقتصاد هو علم الثروة، فهو يهتم بكيف تنتج وكيف تتطور وكيف تتوزع، وفي هذا السياق يؤكد الأستاذ الشرفي بجامعة هارفارد تيودور لوفيت أن عالما جديدا يولد، عالما لا يتميز فقط بانتقام الاقتصاد من السياسة بل بسيطرة الاقتصاد على السلطة وتحكمه في كل مناحي الحياة.
العقل السياسي الرسمي المغربي كان مقتنعا كذلك بأن التكوين المعتمد على الحكامة والاقتصاد والمالية يمكن المتلقي من الحكم والتدبير والكلام بشكل عقلاني ومقنع. وفي هذا السياق، يؤكد الأستاذ الفخري للاقتصاد بالجامعات البريطانية عضو مجلس اللوردات، روبير سكايدلسكي، أن التكوين البعيد عن لغة الخشب هو التكوين ذو الخلفية الاقتصادية والتكوين ذو الخلفية البنكية والتكوين ذو الخلفية السياسية، وأن وحده هذا التكوين يمنح التميز لمن يطلق عليهم “شخص-كامبريدج”، “شخص-أوكسفورد”، “شخص -هارفارد).
العقل الرسمي المغربي كان يؤكد كذلك أن تكوين ولي العهد هو تكوين يتم من خلال جامعة مغربية خاصة ونوعية وذات ولوج محدود، وتمكن من تقديم تجارب متنوعة، وتقدم بالتالي تكوينا نوعيا (يعتمد على الحكامة وعلم الاقتصاد وعلم الاجتماع والمالية) يضاهي وقد يتفوق على التكوين في أحسن الجامعات الأمريكية والبريطانية (ولي العهد خريج جامعات محمد السادس)، وبالتالي كان العقل الرسمي المغربي من خلال استراتيجية التكوين النوعي لولي العهد يؤكد أنه يعمل بشكل حثيث من أجل التحديث النوعي للاستثناء المغربي.
الخلاصة:
من خلال تمكين ولي العهد من تكوين نوعي مواكب لمتغيرات العصر ومشاكل العصر ومنفتح على الاقتصاد والمالية والسوق والسياسة، كان العقل الرسمي المغربي يبعث إشارات أساسية أن تكوين الملوك المستقبليين في المغرب يخضع لمنطق العصر ومنطق التخصصات التي تمكن المغرب من الاستمرار في طريق الاستيقاظ الجيو-استراتيجي والجيو-اقتصادي.
المؤسسة الملكية كانت مقتنعة كذلك بأن الاستثناء المغربي المعتمد على ثنائية “ولي العهد-الملك” هي ثنائية تمكن المغرب من التوفر على الملوك القادرين، وفي هذا السياق وجب التأكيد على ما سبق وأكد عليه الفيلسوف بول ريكور من أن تكوين الشخص القادر يتم من خلال إعطاء أهمية كبيرة للفعل وفلسفة الفعل وثقافة الفعل، ويتم كذلك من خلال العمل على تحقيق أقصى قدر من الإمكانيات الشخصية التي يتوفر عليها من خلال تمكينه من الاحتكاك اليومي بمشاكل الحكم والدولة والمجتمع.
الاستثناء المغربي المعتمد على ثنائية “ولي العهد-الملك” هو استثناء الهدف منه تكوين ولي العهد وجعله قادرا على شغل المهمة المستقبلية، خصوصا وأنها مهمة مرتبطة بممارسة المهام الاستثنائية والاستراتيجية، وبالتالي تحتاج إلى الرجال الاستثنائيين ذوي التكوين الاستثنائي.
الاهتمام بالتحديث النوعي للاستثناء المغربي المعتمد على ثنائية “ولي العهد-الملك” كان اقتناعا من العقل الرسمي المغربي بأهمية واستثنائية زمن ولاية العهد وأهمية هذا الشرط في تمكين المغرب حاليا ومستقبلا من التوفر على شرط الملكية الاستثنائية، وليس الملكية العادية.
وإذا كانت الملكية في نظر الدستوريين والقانونيين تبقى مرتبطة بضمان استمرارية الدولة والمؤسسات الدستورية (الاشتغال الدستوري والقانوني للمؤسسات)، فإن الملكية في نظر الاقتصاديين (من خلال الاشتغال عبر التدرج والسلم الصاعد) هي أكثر من ذلك بكثير، لأنها مرتبطة بالقدرة على تحسين الموقع الجيو-اقتصادي والموقع الجيو-سياسي، كما أن استمرارية الدولة في نظر الاقتصاديين هي الانتقال من زمن “الانغلاق الاستراتيجي” إلى زمن “الانفتاح الاستراتيجي” والانتقال من زمن “الانفتاح الاستراتيجي الثابت” إلى زمن التحسين المستمر للموقع الاستراتيجي.
العقل الرسمي المغربي كان حريصا على تحديث الاستثناء المغربي المعتمد على ثنائية “ولي العهد-الملك”، وذلك من أجل صنع المغرب الجديد ومغرب المستقبل، وكان مقتنعا كذلك بأن المغرب الجديد والمغرب المستقبلي في حاجة إلى ملوك الوزن الثقيل. وملوك الوزن الثقيل مرتبطون ارتباطا وثيقا بالتحديث النوعي للاستثناء المغربي المعتمد على ثنائية “ولي العهد-الملك”.