دعوات ترتفع بتغيير تسمية “المغرب العربي” احتكاما للجغرافيا واحتراما للتاريخ
بعد بيان الاتحاد المغاربي الذي كان جوابا لما جاء على لسان أحمد عطاف، وزير الخارجية الجزائري، الذي قال إن “حلم بناء المغرب العربي لا يمكن أن يُقضى عليه، وأنا أنتظر اليوم الذي نعيد فيه بناءه”، علقت فعاليات أكاديمية وبحثية مغربية على مسألة استمرار تسمية “المغرب العربي” رسميا، على الرغم من أنها ظلت طيلة ثلاثين سنة تثير حفيظة العديد من المكونات الهوياتية في المنطقة التي تجد أن “هذا الوسم يتضمن إقصاء لمكونات أخرى، ولو رمزيا”.
وكانت الدعوات مرتفعة بضرورة تغيير التسمية لكونها “لا تحتكم لأسس موضوعية متينة، خصوصا عنصر الجغرافيا الذي كان محددا أساسيا في تكتلات إقليمية في أوروبا أو أمريكا الشمالية”؛ وهو ما جعل تصريحات عطاف لشبكة تابعة لقناة الجزيرة، وترديد بيان الطيب البكوش، الأمين العام للاتحاد المغاربي، للتسمية بمثابة الفتيل الذي أشعل النقاش مجددا حول الخصوصية والهوية الوطنية والوحدة في إطار التنوع، كعناصر ودلائل تحتم إعادة النظر في تسمية “المغرب العربي”.
الاحتكام للجغرافيا
مصطفى القادري، أستاذ تاريخ المغرب المعاصر بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال إن “الحاجة إلى تغيير تسمية “المغرب العربي” يعود إلى حمولتها الإيديولوجية التي جاءت في أربعينيات القرن الماضي حين وردت في أدبيات ساطع الحصري، الذي كان يعد منظرا للقومية العربية، وكان السعي حينها هو إلحاق شمال إفريقيا بالفكر القومي العربي”، موضحا أن “زوال الفكر القومي يحتم زوال التسميات المرتبطة به، والتي لا معنى لها ولا تحتكم لأي أساس جغرافي أو علمي”.
وأوضح القادري، ضمن توضيحات قدمها لهسبريس، أن سياق حضور هذا التسمية في المغرب يعود إلى اختراق إيديولوجيا العروبة للوطنيين المغاربة حينها؛ وأخذوا عن الحصري وشكيب أرسلان هذا المفهوم: “المغرب العربي”، وروجوا له واحتضنوه”، منبها إلى أنهم “قاموا بذلك للرد أيضا على التسميات الجغرافية التي كانت تستعملها فرنسا لتحديد المنطقة: غرب إفريقيا الفرنسية، إفريقيا الاستوائية الفرنسية، وشمال إفريقيا الفرنسية؛ فالوطنيون كانوا يعتبرون هذه التسميات استعمارية وبالتالي لجأوا لتسميات القوميين”.
وأضاف الجامعي: “حين تأسست جامعة الدول العربية بمبادرة من بريطانيا سنة 1945، تبنت رسميا هذا الاسم، وأحدثت لاحقا لجنة “تحرير المغرب العربي”، التي ترأسها محمد بن عبد الكريم الخطابي، قبل أن يتخلى عنها”، مشيرا إلى أن “العقيد معمر القذافي بذل جهوده لأجل هذه التسمية؛ لكنها تسمية تبرز أن الاتحاد المذكور “خرج من الخيمة مائلا”، لكونه اتحادا لم ينجح في فتح الحدود بين هذه الدول ولم يتمكن من خلق عملة مغاربية ولم يسطر اتفاقيات تجارية تفضيلية بين الدول الخمس”.
وأجمل صاحب كتاب “وطنية باحتقار الذات” قائلا: “مقترحات تعديل التسمية كثيرة، وهي من شأن الزعماء السياسيين؛ ولكن الجغرافيا دائما تحكم في هذه السجالات، فالاتحاد الأوروبي سمي على قارة وليس على عرق أو دين أو شخص”، خاتما أن “الأجدر أن نفرغه من الحمولات السياسية، ونسميه “شمال إفريقيا”، ونعمل على انضمام مصر إليه، إذا كانت كلمة “المغرب” لوحدها تزعج البعض؛ وأما كلمة “المغرب العربي”، فلا معنى لها، لكونها أصلا تأسست في مراكش، مدينة يوسف ابن تاشفين”.
الحياد مخرج
الحسن أموزاي، باحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، قال إن “الحاجة إلى تغيير هذه التسمية نابعة من ضرورة تاريخية بسبب الحساسية التي صارت تخلقها لدى العديد من المكونات الهوياتية الحيوية داخل بلدان الاتحاد المغاربي”، مبرزا أن المغرب في دستوره حسم مع هذه التسمية حين تضمنت ديباجة الدستور أن “المملكة المغربية، الدولة الموحدة، ذات السيادة الكاملة، المنتمية إلى المغرب الكبير”.
وأورد أموزاي، في حديثه لهسبريس أن “تسمية “اتحاد المغرب الكبير” تبدو أكثر مصداقية نظرا لكونها تأخذ مسافة مع كل الحساسيات الموجودة في المنطقة دون إضفاء أي توقيع يخلق رفضا معينا”، مشيرا إلى أن “تسمية “المغرب العربي” تضمنت نوعا من الإقصاء لباقي المكونات الأخرى، ليس بالضرورة العرقية؛ ولكن مكونات مجتمعية موجودة وتشكل مزيجا غنيا لهويات هذه البلدان، ومن ثم الاقتصار على “العنصر العربي” حصرا صار يستدعي إعادة النظر”.
وأكد الباحث عينه أن “المغرب فاعل أساسي ضمن الاتحاد، وكان سباقا في مجال حماية التنوع الثقافي وتثمين الاختلاف والوحدة في إطار التنوع؛ وهو ما حاولت العديد من البلدان المغاربية أن تحذو حذوه، لاسيما ليبيا في ما يخص المسألة الأمازيغية”، موضحا أن “هذه المصداقية التي يحظى بها المغرب في تدبير ملف التنوع تجعله مخولا ليقدم مقترح تعديل التسمية بشكل رسمي لهذا الاتحاد بوصفها صارت الآن متجاوزة بحكم التراكمات التاريخية”.
وخلص المتحدث ذاته إلى أن “قبول هذه التسمية في مرحلة معينة، بحكم أبعادها الجهوية والسياسية وسياقها التاريخي، لم يعد مطروحا اليوم بحكم نهضة المكونات المجتمعية الأخرى التي أصبحت تدافع عن حقها في الظهور والاعتراف ولو رمزيا”، خاتما أن “المراد من المطالبة بتعديل تسمية الاتحاد هو تجريدها من جميع التأويلات، وأن تكون تسمية محايدة تعطي لجميع مكونات بلدان الاتحاد المغاربي حقها في الظهور.. وهذا له قيمة مضافة كبيرة”.