لماذا كان عام 2023 غير مريح لمصالح الدول الغربية؟
- Author, فرانك غاردنر
- Role, مراسل الشؤون الأمنية – بي بي سي
شهدت الأشهر الاثني عشر الماضية عددا من الانتكاسات للولايات المتحدة وأوروبا وغيرها من الديمقراطيات الكبرى على مسرح السياسة الدولية. لكن لم تكن أي منها كارثية بالنسبة لهم في الوقت الحالي، ومع هذا فهي تشير إلى تحول في ميزان القوى بعيدا عن القيم الغربية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة، وسادت لسنوات.
وعلى العديد من الجبهات، تهب الرياح بما لا تشتهي المصالح الغربية. نوضح أسباب هذه الانتكاسات، وما هي الفوائد التي يمكن أن تتحقق من التغييرات الجارية:
على الرغم من بعض النجاحات الأخيرة التي حققتها أوكرانيا في البحر الأسود، فإن الحرب مع روسيا لا تسير على ما يرام بالنسبة لها. ويعني هذا أن الأمور تسير بشكل سيئ بالنسبة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، وكلاهما مولا أوكرانيا عسكريا واقتصاديا بعشرات المليارات من الدولارات.
وفي مثل هذا الوقت من العام الماضي، كانت آمال الناتو كبيرة في أن يتمكن الجيش الأوكراني، المزود بالمعدات العسكرية الغربية الحديثة وتلقى التدريب المكثف في الدول الغربية، من استعادة الزخم الذي حققه الخريف الماضي، وينجح في طرد الروس من جزء كبير من الأراضي التي استولوا عليها، لكن هذا لم يحدث.
كانت مشكلة هذه الحرب في التوقيت، فقد استغرقت دول الناتو وقتا طويلا للتفكير في ما إذا كانت ستجرؤ على إرسال دبابات قتال رئيسية حديثة مثل تشالنجر 2 البريطانية، وليوبارد 2 الألمانية إلى أوكرانيا، وما إذا كان ذلك سيستفز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويدفعه إلى نوع من الانتقام المتهور.
وفي النهاية جاء قرار تسليم الدبابات إلى أوكرانيا، ولم يفعل بوتين شيئا، لكن عندما أصبحت الدبابات جاهزة للمشاركة بحلول يونيو/حزيران، كان القادة الروس قد خمنوا أين سيكون الجهد الحربي الرئيسي لأوكرانيا.
توصل الروس إلى أن الأوكرانيين يريدون التقدم جنوبا عبر إقليم زابوريجيا باتجاه بحر آزوف، أملا في قطع خطوط الإمداد الروسية، وتقسيمها إلى قسمين وعزل شبه جزيرة القرم.
والمعروف أن الجيش الروسي يتفوق في الخطط الدفاعية، رغم الأداء السيء أثناء محاولاته للاستيلاء على العاصمة الأوكرانية كييف في عام 2022.
كانت الألوية الأوكرانية تتدرب في بريطانيا وأماكن أخرى خلال النصف الأول من عام 2023، وبينما كان يتم شحن الدبابات شرقا إلى الجبهة، كانت روسيا تبني أكبر وأوسع خطوط الحصون الدفاعية في التاريخ الحديث.
استخدمت موسكو الألغام المضادة للدبابات، والألغام المضادة للأفراد، والمخابئ، والخنادق، وفخاخ الدبابات، والطائرات بدون طيار والمدفعية لإحباط خطط أوكرانيا، وقد فشل هجومها المضاد الذي روجت له كثيرا.
بالنسبة لأوكرانيا والغرب، فإن المقاييس كلها تقريبا تسير في الاتجاه الخاطئ. تعاني أوكرانيا من نقص حاد في الذخيرة والجنود، ويعرقل الكونغرس الأمريكي محاولات البيت الأبيض تمرير حزمة دعم عسكري بقيمة 60 مليار دولار،والمجر تعطل حزمة مساعدات الاتحاد الأوروبي بقيمة 50 مليار يورو.
في النهاية قد يتم تمرير حزم المساعدات أو واحدة منها على الأقل، لكن قد يكون ذلك متأخرا جدا، عندها سوف يتعين على القوات الأوكرانية بالفعل التحول إلى الدفاع.
من ناحية أخرى، وضعت موسكو اقتصادها على أساس الحرب، فخصصت ثلث ميزانيتها الوطنية للدفاع، في حين دفعت بآلاف الرجال وآلاف قذائف المدفعية إلى الخطوط الأمامية في أوكرانيا.
ومن الواضح أن هذا الوضع مخيب للآمال بشدة بالنسبة لأوكرانيا، التي كانت تأمل، حتى الآن، في تحول دفة الحرب لصالحها، ولكن لماذا يهتم الغرب؟
بالتأكيد إنه أمر مهم لأن الرئيس بوتين، الذي أمر شخصيا بهذا الغزو قبل ما يقرب من عامين، يحتاج فقط للتمسك بالأراضي التي استولى عليها (حوالي 18 في المئة من أوكرانيا) لإعلان النصر.
قد أفرغ حلف الناتو ترساناته من الأسلحة والتزم بكل شيء، ما عدا الذهاب إلى الحرب من أجل دعم حليفته أوكرانيا. وقد ينتهي كل ما قدمه بفشل محرج في تحويل مسار الغزو الروسي.
كما أن دول البلطيق – إستونيا ولاتفيا وليتوانيا- جميعها أعضاء في الناتو، مقتنعة بأنه إذا تمكن بوتين من النجاح في أوكرانيا، فسوف يأتي لملاحقتها في غضون خمس سنوات.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
الرئيس الروسي رجل مطلوب للعدالة، لكن هذا أمرا نظريا فقط.
في مارس/آذار 2023، وجهت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي وكذلك مفوض حقوق الطفل، لائحة اتهام ضد بوتين بارتكاب جرائم حرب ضد الأطفال الأوكرانيين.
وكان الغرب يأمل أن يؤدي ذلك إلى جعله منبوذا دوليا واحتجازه في بلاده، وعدم قدرته على السفر خوفا من الاعتقال والترحيل إلى لاهاي، لكن هذا لم يحدث.
منذ صدور لائحة الاتهام هذه، زار بوتين قيرغيزستان والصين والإمارات والسعودية، حيث حظي بترحيب كبير في كل مرة. كما شارك افتراضيا في قمة البريكس في جنوب أفريقيا.
وكان من المفترض أن تؤدي جولات العقوبات المتلاحقة من الاتحاد الأوروبي إلى تركيع الاقتصاد الروسي، وإجبار بوتين على التراجع عن غزو أوكرانيا، ومع ذلك، أثبتت روسيا قدرتها على الصمود بشكل ملحوظ في مواجهة هذه العقوبات، حيث تحصل على العديد من المنتجات من خلال دول أخرى مثل الصين وكازاخستان.
صحيح أن الغرب نجح في الاستغناء إلى حد كبير عن النفط والغاز الروسي، لكن موسكو وجدت عملاء آخرين راغبين في ذلك، ولو بسعر منخفض.
والحقيقة هي أنه على الرغم من أن غزو بوتين واحتلاله الوحشي لأوكرانيا أمر مكروه في نظر الدول الغربية، إلا أنه ليس كذلك إلى حد كبير في نظر بقية العالم.
ترى العديد من الدول أن هذه مشكلة أوروبا، ويلقي البعض باللوم على حلف الناتو الأطلسي، قائلين إنه استفز روسيا من خلال توسعه إلى أقصى الشرق.
ومما يثير استياء الأوكرانيين أن هذه الدول تبدو غافلة عن التعذيب والانتهاكات واسعة النطاق التي ترتكبها القوات الغازية الروسية.
كما أخبرني الوزراء العرب مؤخرا في قمة عقدت في الرياض، فإن الغرب ينتهج معايير مزدوجة (في التعامل مع الحرب في غزة)، قيل لي: “حكوماتكم منافقة”.
سألوني لماذا تتوقع منا أن ندين روسيا لقتلها المدنيين في أوكرانيا عندما يرفض الغرب وقف إطلاق النار في غزة، حيث يُقتل آلاف المدنيين؟
من الواضح أن الحرب بين إسرائيل وحماس كانت كارثية لجميع سكان غزة وللإسرائيليين المتضررين من هجوم حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، كما أنها سيئة أيضا بالنسبة للغرب.
حولت حرب غزة الاهتمام العالمي بعيدا عن أوكرانيا، حليفة الناتو، في الوقت الذي تكافح فيه لصد التقدم الروسي هذا الشتاء. كما تحولت الذخائر الأمريكية إلى إسرائيل بدلا من كييف.
لكن الأهم من ذلك كله هو أن العديد من المسلمين وغيرهم حول العالم، يعتبرون الولايات المتحدة وبريطانيا متواطئتين في تدمير غزة؛ من خلال حماية إسرائيل في الأمم المتحدة. وشهدت روسيا، التي قصفت قواتها الجوية مدينة حلب في سوريا، ارتفاع التأييد لها في الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
كما امتدت الحرب بالفعل إلى جنوب البحر الأحمر، حيث يطلق الحوثيون المدعومون من إيران طائرات بدون طيار وصواريخ متفجرة على السفن، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، حيث اضطرت شركات الشحن الكبرى في العالم إلى تحويل مسارها إلى طريق رأس الرجاء الصالح الطويل عبر الطرف الجنوبي من أفريقيا.
إيران متهمة بالعمل على تطوير سلاح نووي سرا، وهو ما تنفيه طهران.
ورغم الجهود الغربية لعزلها، إلا أن طهران لم تتأثر، حيث مدت مخالبها العسكرية عبر العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة، من خلال المليشيات التي تمولها وتدربها وتسلحها وتعمل كوكلاء لها.
وشهد عام 2023 تشكيل تحالف أوثق بين إيران وروسيا، وحصلت موسكو على إمدادات لا تنضب على ما يبدو من طائرات “شاهد” الإيرانية بدون طيار، لإطلاقها على البلدات والمدن الأوكرانية.
وقد استفادت إيران، التي تعتبرها العديد من الدول الغربية تهديدا عدائيا، من حرب غزة من خلال وضع نفسها في الشرق الأوسط كمدافع عن القضية الفلسطينية.
منطقة الساحل الأفريقي
استسلمت دول منطقة الساحل في غرب أفريقيا واحدة تلو الأخرى لموجة انقلابات عسكرية، أدت إلى طرد القوات الأوروبية التي كانت تساعد في مكافحة التمرد الجهادي في المنطقة.
وكانت المستعمرات الفرنسية السابقة في مالي وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى، قد انقلبت بالفعل على الأوروبيين حتى جاء انقلاب جديد في يوليو/تموز أطاح برئيس آخر يوالي الغرب في النيجر، وغادرت آخر القوات الفرنسية البلاد الآن، على الرغم من بقاء 600 جندي أمريكي هناك داخل قاعدتين.
وخرجت القوات الفرنسية والدولية ليحل محلها مرتزقة روس من مجموعة فاغنر، التي حافظت على صفقاتها التجارية المربحة رغم الوفاة الغامضة لزعيمها يفغيني بريغوزين، في حادث تحطم طائرة في أغسطس/آب الماضي.
من ناحية أخرى فإن جنوب أفريقيا، التي كان يُنظر إليها ذات يوم كحليف للغرب، تقوم بمناورات بحرية مشتركة مع السفن الحربية الروسية والصينية.
كوريا الشمالية
من المفترض أن جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية (كوريا الشمالية) تخضع لعقوبات دولية صارمة بسبب برنامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية المحظورة.
لكن بيونغ يانغ أقامت هذا العام علاقات وثيقة مع روسيا، وزار زعيمها، كيم جونغ أون، قاعدة فضائية بالشرق الأقصى الروسي، وأعقب ذلك قيام كوريا الشمالية بإرسال مليون قذيفة مدفعية إلى القوات الروسية التي تقاتل في أوكرانيا.
وأجرت كوريا الشمالية عدة تجارب لإطلاق عدة صواريخ باليستية عابرة للقارات، والتي يعتقد الآن أنها قادرة على الوصول إلى معظم أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية.
شهد عام 2023 تراجعا في التوتر إلى حد ما بين بكين وواشنطن، مع انعقاد قمة ناجحة إلى حد كبير بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن، والصيني شي جين بينغ، في سان فرانسيسكو.
لكن الصين لم تُظهر أي علامة على التراجع عن مطالباتها بشأن السيطرة على معظم بحر الصين الجنوبي، وأصدرت خريطة “قياسية” جديدة توسع مطالباتها تقريبا حتى سواحل العديد من دول آسيا والمحيط الهادئ.
كما أنها تواصل مطالباتها بشأن تايوان، التي تعهدت “باستعادتها” بالقوة إذا لزم الأمر.
أسباب التفاؤل؟
في ظل هذه الخلفية القاتمة لما تواجهه الدول الغربية، ربما يكون من الصعب أن نرى بصيصاً من الأمل، لكن على الجانب الإيجابي بالنسبة للغرب، فقد أعاد حلف الناتو بوضوح اكتشاف هدفه الدفاعي، والذي حفزه الغزو الروسي لأوكرانيا.
لقد فاجأ الإجماع الغربي الذي ظهر حتى الآن الكثيرين، على الرغم من أن بعض التصدعات بدأت تظهر الآن في هذا الإجماع.
لكن في الشرق الأوسط توجد الإمكانية الأكبر لتحسين الوضع، ويعود ذلك جزئيا إلى الحجم المروع للأحداث التي وقعت على جانبي الحدود بين غزة وإسرائيل.
قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، كان هناك تراجع كبير في الاهتمام بالبحث عن حل لمسألة إقامة الدولة الفلسطينية، وكان هناك نوع من الرضا عن تعامل إسرائيل مع الفلسطينيين، حيث كانت هذه مشكلة يمكن إدارتها بطريقة أو بأخرى من خلال التدابير الأمنية، دون أن تضطر إسرائيل إلى القيام بأي تحركات جادة نحو منحهم دولة خاصة بهم.
وقد ثبت الآن أن هذه الصيغة “معيبة بشكل قاتل”. وقد أعلن زعماء العالم الواحد تلو الآخر أن الإسرائيليين لن يتمكنوا من العيش في السلام والأمن الذي يستحقونه، ما لم يتمكن الفلسطينيون من أن يفعلوا الشيء نفسه.
إن إيجاد حل عادل ودائم لمشكلة تاريخية سيكون أمرا صعبا للغاية وسيتطلب في النهاية تنازلات وتضحيات مؤلمة من كلا الجانبين، إذا كان هناك رغبة في النجاح، ولكن الآن وأخيرا، حظيت (القضية الفلسطينية) باهتمام العالم.