أخبار العالم

“الطقس البارد” يطلق دعوات تحرك المجتمع المدني لرعاية الأشخاص بدون مأوى


مع حلول “موسم البرْد” الذي يعرف تسجيل درجات حرارة منخفضة جداً، تلامس الصِّفر أحيانا في بعض المدن، مع تواتر موجات الصقيع التي أصبحت ملازِمة لصباحات وليالي أشهر الشتاء والخريف، يتجدد النقاش بخصوص “ظروف عيش الأشخاص في وضعية شارع أو بدون مأوى”، لاسيما مع اشتداد موجة البرد القارس التي تعيشها معظم أقاليم النصف الشمالي للمملكة بدون استثناء.

هذه الوضعية التي أثارها عدد من النواب والنائبات بالبرلمان خلال حصة أسئلة شفهية موجهة للوزيرة عواطف حيار، التي تفاعلت مع الموضوع باسطة معطيات حول مراكز الرعاية الاجتماعية ودورها، لا تسائل فقط دور الدولة والفاعل الرسمي، بل تتجاوزه أيضا لمساءلة دور المجتمع المدني ومبادراته في حماية الأشخاص في “وضعية شارع وبدون مأوى”، أو الذين يعيشون حالة تشرد، خاصة أن معاناتِهم تتفاقم في هذه الفترات من السنة بالتحديد.

في هذا الصدد طالعَتْ جريدة هسبريس الإلكترونية عدداً من المنشورات المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي التي يتم عبرها تعميم دعوات إلى المساهمة أو التطوع في إطار سلسلة حملات خيرية، تنهض بها جمعيات المجتمع المدني لفائدة هذه الفئة الاجتماعية الهشّة، القابعة على هامش المجتمع والسياسات العمومية.

“حملات موجودة لكن محدودة”

عبد العالي الرامي، فاعل جمعوي رئيس الرابطة الوطنية للتنمية الاجتماعية والثقافية بالرباط، قال إن “الفعاليات الجمعوية بدأت مجهوداتها فعلياً منذ أسابيع تحسباً لموجة البرد وخطرها على فئة الأشخاص بدون مأوى أو في وضعية الشارع”، مسجلا أن “أبرزهم من الأطر الجمعوية المنخرِطة محلياً في كل مدينة في إطار التطوع وخدمات خيرية، تحت مسمّيات مختلفة”.

وأضاف الرامي في تصريح لجريدة هسبريس: “هذه الإعانات التي رصدنا تزايدها وإقبال الفاعلين الجمعويين عليها تظل في إطار مؤقت محلي الطابع، وتُنجز حسب الإمكانيات والاستطاعة”، قبل أن يَستدرك: “نريد حلولا واقعية جذرية، على الصعيد الوطني، تقارب الإشكالية بكل أبعادها”.

ولوج “مراكز الرعاية الاجتماعية”

“مع تثمين الجهود الجمعوية فإن الفكرة التي يجب أن نشتغل عليها هي أن هذه المبادرات المدنية تصطدم برفض الأشخاص الذين بدون مأوى أو يعيشون حالة تشرد في الشارع البقاء في مراكز الرعاية الاجتماعية، التي تعدّها الوزارة الوصية على الإدماج الاجتماعي والتضامن”، يورد الفاعل المدني رئيس جمعية “منتدى الطفولة”، الذي زاد: “‘خاص هاد المراكز تْوْلّي وَلُوجة ويقبلوا هاد الفئات بالدخول إليها’، ما يَقِيهِم خطر التشرد والبرد معاً”.

كما أشار المتحدث إلى إشكالية “معاناة هذه المراكز الاجتماعية من الاكتظاظ (عين عتيق مثلا)، مع حالات مَرضية متشردة في وضعية شارع تحتاج المواكبة النفسية العاجلة”، مُشيداً بـ”جهود حملات للسلطات المحلية والمختصة” في هذا الإطار من أجل “توجيه المعنيين أو إرجاعهم إلى أُسَرِهم”.

ونادى الرامي بحلول من قبيل “نصب خِيام تأوي هذه الفئة، مع منحهم بطائق تضمن استفادتهم من خدمات المأكل والتطبيب والمأوى، لمنعهم من المبيت في الأزقة”، معتبرا أن “المغرب يجب أن يرسّخ التجربة، مع ترصيد الخبرات التي راكمها المجتمع المدني والسلطات المختصة خلال فترة كورونا والحجر الصحي، التي شهدت شبه انعدام للأشخاص بدون مأوى”، وداعياً إلى “استدامة مثل هذه الخدمات الاجتماعية حتى بمراكز إيواء مؤقتة بالنسبة للمهاجرين واللاجئين”.

“حملة دفء”.. تجربة رائدة في سلا

من جهته بسَط عبد الرحيم اليوبي، فاعل مدني عضو في جمعية “دفء” التي بدأت تعمل على تنظيم “حملة دفء” منذ دجنبر 2014 كمجموعة أفراد فقط، قبل الانتظام في إطار جمعوي منظَّم، تفاصيل هذه الحملة التي بلغت موسمها العاشر.

وقال اليوبي، في إفادات خلال تواصل مع هسبريس، إنه “تم في مدينة سلا لوحدها إحصاء ورصد 214 حالة لأشخاص في وضعية شارع أو يعيشون مأساة التشرد وهُمْ من الفئات التي تتقبّل مساعدات الجمعية”، مشيرا أنها “فئات عمرية متنوعة، تستفيد من توفير خدمات الاستحمام والحلاقة، فضلا عن وجبات منتظمة للأكل، مع تقديم الملابس، من خلال جولات في نهاية كل أسبوع”، وزاد: “كما نحاول توفير الإسعافات والعلاجات الأولية قدر المستطاع، ثم في حالات معينة ربط الاتصال مع عائلاتهم وإرجاعهم من مناطق قدومهم (تارودانت وطنجة أو الشرق…)”.

ولفت الفاعل الجمعوي ذاته إلى رصد حملتهم “تنوّع الفئات العمرية والاجتماعية المتشردة أو في وضعية بدون مأوى”، شارحا أن الجمعية “تحاول عبر 6 فرُق متساوية العدد تغطية كل حي من أحياء مدينة سلا”، ومردفا: “فيما نختار كل عام مدينة لمحاولة غرس المبادرة وتعميمها بجهات أخرى”، خاصا بالذكر مناطق الفقيه بنصالح، وزان، بني ملال والمحمدية…

وعن التنسيق مع السلطات قال المسؤول عن “حملة دفء” لهسبريس إنه خلال العامين الأخيرين لاحت “ضرورة إشعار السلطات المحلية قبل تنظيم الحملة ميدانياً”، مشتكياً من “غياب وضُعف التنسيق إلا في حالات أشخاص حديثي عهدٍ بالتشرّد”، وموصياً بـ”العمل على محاولة تغيير طريقة التعامل مع هذه الفئة الاجتماعية، وتضافر الجهود الرسمية والمدنية لبلوغ تحسين التعامل ونوعية الخدمات الاجتماعية المقدّمة، لاسيما خلال ظرفية الطقس القاسي”.

تفاعل من الوزارة الوصية

تفاعلاً مع سؤال عن “وضع برامج خاصة بالأطفال في وضعية الشارع والتسول والأطفال المغادرين لمنظومة الحماية بعد بلوغهم 18 سنة”، طرحه فريق “البام” بمجلس النواب، كانت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة عواطف حيار أكدت في جوابها (الإثنين الماضي) أن “تقييم البرنامج التنفيذي الأول للسياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة وقف على عدد من جوانب القصور، خاصة قضايا الأطفال في وضعية الشارع والأطفال المستغَلّين في التسول”، وأضافت: “قمنا ببلورة برنامج ثانٍ بدأ تنزيله ليُثمر مبادرة نموذجية في آنفا بالدار البيضاء، وكان هناك طلب مشاريع لتمويل 217 جمعية (جمعيات وحدات حماية الطفولة، وحدات جسر الأسرة) بغلاف مالي قدره 58 مليون درهم”.

في سياق متصل، لم يخلُ حديث الوزيرة عن “أهمية مؤسسات الرعاية الاجتماعية” التي قالت عنها: “إننا واعُون بها، ونُخصص مع التعاون الوطني 150 مليون درهم لهذه المؤسسات”. هذه الأخيرة هدفها حسب حيار “خروج المستفيدين منها بمشروع مهني واجتماعي يجعلهم قادرين على الاندماج السوسيو-اقتصادي”، مؤكدة أن “ما يفوق 80% من هذه المؤسسات توصلت فعلياً بميزانيات تمكّنها من العمل على تحسين ظروف عيش هذه الفئات الهشة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى