كيف يمكن تحييد صوت الجزائر؟
قبل بضعة شهور، شَرّفتني بعض الجرائد الوطنية بنشر مقالتين عنوان أولاها “حديث المرآة عن الدبلوماسية المغربية” وعنوان الثانية “يا باغي الإصلاح… سر فلا كبا بك الفرس“، ولعلّ أهم قاسم مشترك لهاتين الخاطرتين هو الدعوة إلى تليين الخطاب تجاه الجارة الشقيقة الجزائر بُغية إذابة الجليد ونسف جدار المجافاة الجاثم بيننا كأنّما سدٌّ من زُبر الحديد قد أفرَغوا عليه قطرا.
كنت وما زلت أومن بحلم تاريخي إسمه المغرب الكبير. ولكي نحقق الحلم، يجب عاجلاً أم آجلا أن نستيقظ من النوم.
ما أزَّني إلى ترقين هذه الحروف هو انتخاب الشقيقة الجزائر لعضوية مجلس الأمن لمدة سنتين رفقة غويانا وسيراليون وسلوفينيا وكوريا الجنوبية.
كنت أودُّ تدبيج رسالة مفتوحة إلى القيادة والشعب الجزائريين لتهنئتهما بهذا الإنجاز الدبلوماسي الجميل. وكنت سأتمنى للجارة الشقيقة أن تستغل تواجدها في أهم هيئة أممية لخدمة الإنسانية ونشر السلام في العالم كافة، وفي المنطقة التي تنتمي إليها خاصة.
نعم كنت، وما زلت، أحلم… وكان عليَّ وربما على كل الحالمين أمثالي أن يستيقظوا.
ثم أما بعد،
كاد يوم الجمعة21 أكتوبر 2021 أن يشبه باقي أيام الله. قلة من المهتمين كانوا ينتظرون المصادقة على القرار الأممي 2602 القاضي بتمديد مهمة المينورسو في الصحراء المغربية والدّاعي إلى استئناف المفاوضات تحت رعاية المبعوث الأممي الجديد الإيطالي ستافان دي ميستورا بهدف الوصول إلى حل سياسي عادل ودائم و…
في المجمل كان القرار يتماهى والموقف المغربي، حيث لم تُوَسّع مهمة المينورسو إلى الشأن الداخلي في الصحراء المغربية. كما تم التلميح إلى مسؤولية الجارة الشقيقة الجزائر في حل هذه المشكلة المُفتعلة. بيْد أن ما عكّر الإرتياح المغربي هو امتناع تونس الشقيقة عن التصويت، وهو ما اعتبر حينها نوعا من التحيز غير المعتاد إلى الأطروحة الجزائرية. طبعا لن نبرر ولن نفسر، إنما هي معطيات وأحداث نستحضرها لنبسط على مهادها وجهة نظرنا في كيفية التعاطي مع سنتين من التواجد الجزائري في أهم وأخطر مؤسسة أممية.
لست أدري ما مدى المفاجأة التي ولَّدها الموقف التونسي أثناء التصويت على القرار الأممي رقم 2027، لكنا حتما شبه متأكدين، ولن نتفاجأ استقبالاً من سلوك الجارة الجزائر. وبالتالي، فخلال السنتين القادمتين، وأثناء كل تصويت لمجلس الأمن فيما يخص وحدتنا الترابية، ستبتدئ حساباتنا من “ناقص واحد”.
في رأيي المتواضع، أظن أن المغرب يمكنه مواجهة هذا المعطى بالاشتغال على محورين مترابطين. الأول يغلب عليه الطابع القانوني ويتعلق بتفعيل المادة 27، الفقرة الثالثة من ميثاق الأمم المتحدة، التي يمكن تسميتها بالامتناع الإجباري عن التصويت. حيت يمنع على أحد أطراف النزاع التصويت في المسائل غير الإجرائية المتعلقة بهذا النزاع.
وطبعا قبل إثارة هذا الفصل، يجب على الدبلوماسية المغربية أن تُسوِّق باحترافية أن الجزائر الشقيقة هي طرف، وربما أصل هذا النزاع. ومن هنا تأتي أهمية القرار 2027 الذي ذكر فيه اسم الجزائر.
نشير إلى أن إثارة المادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة ليست ممارسة دارجة في المنتدى الأممي، بيد أنها بعيدة عن أن تكون بدعة قانونية أو دبلوماسية. فقد سبق أن استعملتها دول مثل المملكة المتحدة، مصر، الهند وباكستان. على أن المثال الذي يحضر بقوة في هذا الشأن هو قضية أدولف إيخمان بين الأرجنتين وإسرائيل، حيث امتنعت الأرجنتين عن التصويت (قرار 138 ـــ 1960(.
من السذاجة أن نعتقدها مهمة سهلة هينة تصاغ على شاكلة: أيها الحضور الكرام إن الجزائر بتبنيها للبوليساريو وبدعمها المادي والمعنوي لهذه المنظمة الإنفصالية قد رضيتْ لنفسها أن تكون طرفاً أصليا في النزاع، وعليه ووفق الماد 27 فقرة 3 من ميثاق الأمم المتحدة وجب على المندوب الجزائري أن يُبقِي يده تحت الطاولة.
لا جرم أن عملاً شاقاً ينتظرنا، لكنا حتماً لا ننشد المستحيل.
من جهة أخرى، نقترح على الدبلوماسية المغربية أن تُنزّل مقاربة “المنظار” الواردة في الخطاب الملكي بطريقة إيجابية. فاختلافنا مع الجزائر ليس عداوة استراتيجية، إنما هي أختٌ لنا بغَتْ علينا. وما استنْفارنا الآن إلّا محاولة لتحييد اللَّاحياد الجزائري في مجلس الأمن فيما يخص وحدتنا الترابية. حتى إذا تعدت الأمور حمانا فلا ضير ولا عيب في تشجيع وتأييد أي مبادرة جزائرية لا تتعارض ومصالحنا.
ومن يدري فلربما احتكاك الجزائر عن قرب بمجريات الأمور في كواليس مجلس الأمن سيقنعها أن مناكفتها للمغرب إنّما هي هدر للوقت والجهد.
يبدو أني عدت إلى أحلامي… وما أضيق الحياة لولا فسحة الحلم.