لماذا تنضم البحرين إلى عمليات التحالف الدولي في البحر الأحمر؟
تستمر الاحتجاجات في البحرين بعد قرار المملكة المشاركة في العملية البحرية متعددة الجنسيات في البحر الأحمر، والتي أعلنت الولايات المتحدة عن تشكيلها الأسبوع الماضي لصدّ هجمات جماعة أنصار الله الحوثية التي استهدفت سفناً تابعة لإسرائيل أو لدولٍ داعمة لها، إثر الحرب في غزة.
وتعتبر البحرين الدولة العربية الوحيدة التي أعلنت مشاركتها في التحالف المكوّن من أكثر من عشرين دولة بحسب ما أعلن البنتاغون.
وتواجه مشاركة البحرين انتقاداتٍ من قبل أفراد وجمعيات سياسية في المملكة، والتي أصدرت بيانات للتنديد بالمشاركة وطالبت الحكومة بأن تنسحب من التحالف، كما نفذت فعاليات احتجاجية في العاصمة المنامة في الأيام الماضية.
لماذا تشارك البحرين في التحالف؟
يقول النائب السابق عن جمعية الوفاق البحرينية المعارضة جلال فيروز إنّ مشاركة البحرين في التحالف يعد “خطأً جسيماً”، معتبراً أنّ التحالف يعمل لصالح حماية إسرائيل ومصالحها، بعد أن أعلنت جماعة أنصار الله الحوثية استهدافها السفن المتجهة أو التي تملكها إسرائيل نتيجة الحرب في غزة، ويضيف فيروز”من حق القوى الفاعلة أن تقارع هذا العدوان الدامي الجشع على الأهل في غزة والذي استنكرته الدول الغربية، والتحالف يعمل لحفظ حركة البضائع بين إسرائيل والعالم”.
وكانت الولايات المتحدة أعلنت أنّ إنشاء التحالف يأتي “لضمان حرية الملاحة لكل البلدان ولتعزيز الأمن والازدهار الاقليميين” بحسب ما جاء في بيانٍ صدر عن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن الأسبوع الماضي، معلناً أنّ الدول المشاركة تشمل بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل، وأضاف أنهم سيقومون بدورياتٍ مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، فيما أكد الحوثيون أنهم يستهدفون السفن التابعة لإسرائيل دعماً لغزة ورداً على الحصار ومنع إدخال الغذاء والدواء، بحسب ما قال الناطق باسمها عبر منصة إكس بعد تشكيل التحالف.
وفي تعليقٍ على أستفسارات بي بي سي عربي، أوضح متحدثٌ حكوميٌ بحرينيّ “أنّ مشاركة البحرين في التحالف تأتي بالنظر لتواجد الأسطول الخامس الأمريكي وقيادة القوات البحرية المشتركة (CMF) بالإضافة إلى قوة المهام المشتركة 153 في مملكة البحرين”، كذلك أشار المتحدث إلى الاتفاقيات الدولية المشتركة التي تحمي الممرات الاقتصادية، ومن شأنها أن تحمي ممر البحر الأحمر الذي يعدّ شرياناً حيوياً يمر من خلاله نحو 10 في المئة من إمدادات النفط المنقولة بحراً حول العالم و12 في المئة من إجمالي التجارة العالمية، وهي أسبابٌ دفعت البحرين للانضمام لعمليات تحالف “حارس الازدهار”، حسب قوله.
وأوضح المتحدث أنّ ضباطاً بحرينيين سيشاركون في القوات المتواجدة في المملكة من أجل دعم عمليات التحالف.
من جهته يرى المحلل المتخصص بالشأن الأمريكي إيهاب عباس أنّ البحرين ستكتسب الخبرات والمعرفة من انضمامها للتحالف، نظراً لاحتكاكها العسكري واللوجستي مع قوى عسكرية كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، ما يضيف لإمكانياتها العسكرية.
و يؤكد كذلك أنّ انضمام البحرين للتحالف يعبّرعن مستوى عالٍ من التنسيق بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية، ويعبّر عن “علاقات ممتازة واستراتيجية لأبعد مدى ولا يوجد ما يعكر صفوها”.
ويرفض النائب السابق عن كتلة الوفاق أن يكون تواجد الأسطول الأمريكي في البحرين مبرراً للمشاركة في التحالف، قائلاً إنّ الأسطول “كأيّ قاعدة أمريكيةٍ لا علاقة له بالشأن المحلي، وهي قواعد مستقلة بذاتها وليست لها تفاعلات مع الحكومة، وإذا أرادت القاعدة البحرية أن تشارك فلا حاجة لموافقة البحرين أو إذن الحكومة البحرينية”.
ويقول الكاتب والباحث السياسي البحريني عبدالله الجنيد أنّ جهود الولايات المتحدة في احتواء امتدادات الأزمة المحتملة في البحر الأحمر يعتبر” قراراً صائباً”، معتبراً أنّ ما يملكه الحوثيون لا يمثل تهديداً حقيقياً على إسرائيل، إلاّ أنهُ يشكّل تهديداً على حرية الملاحة على حدّ تعبيره، ومن الممكن أن تتخذ الدول المشاركة في التحالف قراراً لصالح تحييد هذا التهديد الذي يؤثر على أمن البحر الأحمر بحسبه.
ويضيف الجنيد أنّ مشاركة المنامة في التحالف يُعدّ أمرًا طبيعياً نظراً لامتلاكها الخبرات من عملياتٍ عسكريةٍ سابقة في اليمن، خلال عملية ” عاصفة الحزم” و “إعادة الأمل”، وهي عملياتٌ قام بها التحالف العسكري بقيادة السعودية على اليمن خلال السنوات الماضية.
وفي الشهرين الماضيين أعلن الحوثيون عن مصادرة سفينة جالاكسي ليدر، التي قالوا إنّ ملكيتها تعود لرجل أعمالٍ إسرائيلي، إلى جانب منع عدة سفنٍ من المرور إلى إسرائيل، فيما قال مدير عام ميناء “إيلات” جدعون جولبر ” إنّ نشاط الميناء انخفض بنسبة 85 في المئة منذ بدء هجمات جماعة الحوثي في البحر الأحمر، ضد السفن التابعة أو المتعاونة مع إسرائيل” بحسب ما نقلت عنه هيئة البث الإسرائيلية الرسمية الأسبوع الماضي.
ويعتبر مضيق باب المندب ممراً يسمح للتجارة بين الشرق والغرب – بما فيها تجارة النفط- بالعبور من قناة السويس لتوفير الوقت وتكلفة التشغيل بدلاً من الدوران حول القارة الأفريقية عبر مضيق رأس الرجاء الصالح، وكانت عدةُ شركات شحنٍ قد أعلنت سابقاً عن وقف مهامها في تلك المنطقة، ما أدى لارتفاع كُلف النقل البحري والشحن.
دول عربية تغيب عن التحالف، لماذا؟
يزيد عدد الدول المشاركة في التحالف عن 20 دولة، وفق ما أعلن البنتاغون الأسبوع الماضي، والذي أوضح أنّ العدد الإجمالي الجديد يشير إلى أنّ ثمانيةٍ على الأقل من الدول التي قررت الانضمام لتلك الجهود، ترفض الكشف عن مشاركتها علناً، نظراً للحساسيات السياسية للعملية مع تصاعد التوترات الإقليمية نتيجة الحرب بين إسرائيل وحماس.
وقال الميجور جنرال باتريك رايدر المتحدث باسم البنتاغون “لقد وافقت الآن أكثر من 20 دولة على المشاركة وسنسمح بمشاركة دول أخرى، الأمر متروك لها للحديث عن انضمامها”، مطلقاً على التحالف اسم ” تحالف الراغبين”.
وفي الوقت الذي لم تصدر فيه أي تصريحات رسمية عن واشنطن أو غيرها من الدول العربية فيما إذا كانت الولايات المتحدة قدّ خاطبت حكومات محددة للمشاركة، يقول المحلل السياسي المتخصص في الشأن الأمريكي إيهاب عبّاس إنّه من الوارد أن لا تكون هناك دعوات رسمية وّجهت لدول محددة، ويضيف ” قد يكون ما حصل هو حوار مشترك بين الولايات المتحدة وبعض الدول العربية التي أبدت رغبتها بعدم المشاركة في المرحلة الحالية”.
ويوضح عبّاس أنّ كلاً من السعودية ومصر تتضرران مما يحصل في البحر الأحمر، لكنهما قد لا ترغبان في المشاركة حالياً في العملية في البحر الأحمر، أو قد ترغبان في الانضمام في وقت ٍلاحق، ويضيف ” قد لا يوجد لدى مصر والسعودية الرغبة حالياً في التوّرط بصراعاتٍ أخرى”.
إلا أّن عدم انضمام هذه الدولة لا يؤثر على عمل التحالف ولا على العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة بحسب ما يرى عبّاس، والذي يؤكد أنّ واشنطن تعتبر العلاقات مع هذه الدول هامةً وأساسية، نظراً لأنها تشكل ركيزةً تعتمد عليها في حل الخلافات في منطقة الشرق الأوسط والخليج.
وفيما يؤكد كلا المحللين إيهاب عبّاس من واشنطن وعبدالله الجنيد من المنامة أنّ مشاركة البحرين في التحالف لم تأتِ بمعزلٍ عن التنسيق والتشاور مع باقي الدول الخليجية، ويضيف الجنيد “المشاركة البحرينية جاءت لتمثل رأي المجموعة الخليجية في التحالف، كُلّ القرارات ذات الانعكاسات الأمنية إقليمياً، وخصوصاً على دول مجلس التعاون، تخضع لمشاوراتٍ بينها وذلك امرٌ طبيعيٌ جداً”.
ولم تصدر عن مجلس التعاون الخليجي أيُّ تصريحاتٍ لغاية الآن حول إنشاء التحالف أو مشاركة البحرين فيه.
ويعتبر النائب السابق جلال فيروز أنّ الولايات المتحدة هي المستفيدةُ من مشاركة البحرين في العمليات في البحر الأحمر، ويقول “الولايات المتحدة تريد أن تقول إن هناك دولاً عربيةً مشاركة”، متهماً كذلك دولاً خليجية مجاورة بأنها دفعت المنامة للانضمام للتحالف.
ويوضح فيروز “للأسف هناك تحالفٌ ثلاثيٌ في الخليج، هو السعودية والبحرين والإمارات، وقد أراد أن يرسم التطبيع مع إسرائيل في الشرق، ونجد أنّ هذا التحالف هو الذي دفع البحرين نحو المشاركة في التحالف الملاحي الجديد، لكن على حساب سمعتها”.
ويرفض الباحث السعودي و المتخصص في العلاقات الدولية سعد الدوسري مثل هذه الاتهامات معتبراً أنها “معتادة” من قبل أقطاب المعارضة التي تسعى لتحقيق أجنداتها في البحرين، ويقول “البحرين دولةٌ مستقلةٌ ولها قرارها وسيادتها، وهي وجدت أنّ مشاركتها في التحالف أمرٌ مهمٌ وفق مصالحها”.
ويوضح الدوسري سبب عدم مشاركة السعودية في التحالف، قائلاً إنّ الرياض تبحث عن الاستقرار في منطقة البحر الأحمر والشرق الأوسط، ولا تريد الدخول في صداماتٍ وصراعاتٍ مع إيران، التي توصلت معها لاتفاقٍ مؤخراً برعايةٍ صينية، كذلك فإنّ المملكة تخوض عملية سلامٍ في اليمن مع جماعة أنصار الله الحوثية ولديها علاقات مستقرة حالية معهم، وهي أسباب تجعلها غير متحمسة للدخول في التحالف.
كما يرى الدوسري أنّ السعودية طالبت سابقاً الولايات المتحدة والمجتمع الغربي أن يتدخلا عندما كانت المملكة تواجه تهديداتٍ من الحوثيين، لكنّ الدول الغربية كانت متساهلةً وغير مبالية حيال تلك التهديدات ويضيف “لماذا الآن تتحرك الولايات المتحدة والغرب؟ عندما أصبحت العملية السلمية في اليمن قاب قوسين أن تنتهي؟ الآن بعد أن استشعرت القوى الغربية الخطر بدأت تفكر في حماية البحر الأحمر لأنها تريد حماية مصالحها، والسعودية أيضاً تتحرك وفق مصالحها” يقول الدوسري.
الاحتجاجات مستمرة في البحرين
مع إعلان انضمام البحرين للتحالف، أعلنت جمعيات ونشطاء سياسيون احتجاجهم على هذه المشاركة، ونفذوا مسيراتٍ ووقفاتٍ خلال أيام الجمعة والسبت نصرة للفلسطينيين ورفضاً للتحالف على حدّ تعبيرهم، بحسب ما جاء بمنشورات المبادرة الوطنية البحرينية لمناهضة التطبيع، والتي أصدرت بياناً باسم 26 جمعية ومنظمة مجتمع مدني في البحرين، قالت فيه إنّ هذه هذه الهيئات ترفض “رفضاً قاطعاً إشراك البلاد في أيّ تحالفاتٍ تدافع عن مصالح العدو الصهيوني” بحسب ما جاء في البيان، ووصفت المشاركة بمثابة ” الانحدار عن المبادئ الوطنية والدينية والأخلاقية لما تمثله من ضررٍ بالغ على الشعب الفلسطيني المظلوم”.
فيما اعتقلت السلطات البحرينية، الأمين العام السابق لجمعية “وعد” إبراهيم شريف بعد سلسلة تدويناتٍ كتبها على منصة إكس تنتقد مشاركة البحرين في التحالف الدولي، ودعا إبراهيم شريف قبيل اعتقاله المواطنين البحرينيين للتعبير عن موقفهم الرافض لمشاركة بلادهم في التحالف، وهو ما اعتبرته جمعيات سياسية في البحرين بمثابة التقييد لحرية إبداء الرأي في قضايا الشأن العام التي كفلها دستور البحرين، بحسب ما جاء في بيانٍ صدر السبت عن ست جمعيات سياسية في البلاد.
من جهته يعلق الكاتب البحريني عبدالله الجنيد أنّه من الطبيعي وجود انتقاداتٍ لبعض السياسيات التي تتخذها الحكومة، لكنه يصف بعض الآراء المعارضة بأنها تعبّر عن” قصورٍ في الوعي بالقضايا الأمنية اقليمياً”، ويضيف ” البعض يرى كافة الأمور من منظور أزمة غزة، لكنّ القرارات السيادية والاستراتيجية لا تنقاد للعواطف، جماعة الحوثي مصدر تهديدٍ حقيقيٍ لعموم الخليج”، على حدّ تعبيره.
فيما قال المتحدث الحكومي البحريني لبي بي سي عربي تعليقاً على الاحتجاجات في البحرين إنّ “المملكة تؤكد التزامها بحماية واحترام الحريات التي يكفلها الدستور وتنظمها القوانين الوطنية”.