هل يتيح مخزون 100 مليون طن من احتياطي النحاس تسريع مشاريع طاقية بالمغرب؟

لم تتوقف، منذ عقود طويلة، مشاريع التنقيب عن المعادن في المغرب؛ بيد أن هذه العمليات صارت ربما “أكثر قيمة”، في الوقت الحالي الذي يسابق فيه المغرب الزّمن على غرار العديد من البلدان لتحقيق سيادته الطاقية بالاعتماد على الإنتاج المحلي عوض الاستيراد. وتفسر هذا الأمر مشاريع الطاقة المتجددة، سواء الشمسية أو الريحية أو الهيدروجين الأخضر، كما تفسره الحاجة المتنامية إلى معدن النحاس.
هذا المعدن، الذي رشّحته الوكالة الدولية للطاقة بأن يظل الأكثر استخداما في تقنيات الطاقة المتجددة، كشفت شركة “ريد روك ماينينغ” أنها عثرت، بعد عمليات التنقيب، على مخزون مهم منه في الأطلس الصغير يعادل “نحو 100 مليون طن”.
وقد شرعت الشركة، حسب ما ذكرته في بيانها، “في مرحلة تقييم الموارد المعدنية المكتشفة، من أجل تحديد كمية النحاس القابلة للاستغلال، وإمكانية تطوير مشروع تعدين في المنطقة”.
أصوات عديدة تعول أن تجد الدولة المغربية صيغا لاستغلال الأجود ضمن هذا الاحتياطي محليّا، للاستمرار في طموح إنهاء التّبعية الطاقية للخارج، لاسيما بعدما صار النحاس كموصل حراري عالي الفعالية بعد الفضة. أولوية لا مفر منها لتلبية الطلب المتنامي في العالم كاملا على تحوّل الطاقة الخضراء، وإنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري؛ وهو ما يستدعي المزيد من البحث عن مناجم جديدة بالمغرب تخص النحاس.
وظلت “أحشاء الأرض المغربية” غاية للعديد من الشركات العابرة للقارات، التي تريد أن تستغل احتياطات البلد من المعادن، خصوصا النحاس، في إطار الشراكة مع الدولة المغربية التي منحت تسهيلات أمام هذه الشركات. ومنذ أشهر، كانت شركة “أتريان” البريطانية أعلنت أنه تم استخراج، في إطار مشروع “جبيلت إيست”، احتياطات تحتوي على 4.43 في المائة و3.11 في المائة من النحاس في منطقة البحث، في شمال مدينة مراكش.
كما تغطي منطقة أكدز نواحي زاكورة رصيدا مهما وضخما من النحاس والفضة، إذ تمكنت شركة “ألتوس ستراتيجيز” البريطانية، المتخصصة في مجال التعدين، منذ سنة، من الفوز بصفقة للتنقيب عن النحاس والفضة بهذه المنطقة (2022)، في نقطة تبعد عن منجم بوسكور، بالجنوب الشرقي، بنحو 14 كلم فقط؛ وهو ما جعل هذا الاكتشاف الجديد يرفع الآمال بأن يكون عنصرا ضمن الاستراتيجية الطاقية، بما أن “النحاس رقم صعب في هذا المجال حاليا”.
علي شرود، جامعي وخبير في جيودينامية الأرض والبيئة، قال إن “الأرض المغربية كان هناك يقين دائما لدى الجيولوجيين بأن باطنها يحبل بالعديد من الثروات”، موضحا أن “هذه الاكتشافات التي تعادل 100 مليون طن هي تؤكد مرة أخرى أن مناطق الأطلس الكبير والصغير وجهات أخرى تنتصب فوق احتياطي كبير من مختلف المعادن، سواء النحاس أو الفضة أو الحديد أو الرصاص أو الزنك أو غير ذلك”.
وأشار شرود، ضمن تفسيراته لهسبريس، إلى أن “هذا الاحتياطي يجب أن يستفيد منه المغرب لأجل ضمان نجاح استراتيجيته الطاقية؛ لأن النحاس يعد موصلا حراريا ممتازاً.. وبالتالي مادّة أساسية ومهمة في الربط الكهربائي”.
وتابع الخبير في جيودينامية الأرض والبيئة: “مشاريع الطاقة الشمسية والريحية تحتاج إلى نسب كبيرة من مادة النحاس لكي تكون وصلا بين نقاط المشاريع ومدن أخرى، لاسيما أن النحاس لا يلوث البيئة ويكون مغلّفا بمواد عازلة”.
وأكد المتحدث ذاته أن “المغرب يحتاج اليوم إلى تكثيف المشاريع الخاصة بالطاقات المتجددة؛ ولكن إلى بنية توصيل مهمة للكهرباء تستطيع أن تربط مصدر الطاقة بالمناطق المراد تزويدها من طاقات يتم استخراجها من منابع الريح والشمس أو حتى الطاقة النووية التي يطمح المغرب اعتمادها مستقبلا”، مسجلا أن “النحاس، إلى جانب الفضة، يمكنان من نقل الطاقة بأقل كلفة بيئية ممكنة؛ ولكن بنجاعة وفاعلية أكبر. بالتالي، المغرب عليه أن يفكر في الاستفادة من هذا الاحتياطي في هذا الاتجاه”.
واعتبر شرود أن “النّحاس مدة حياته وصلاحيته طويلة جدا، ويمكنه الوصول إلى أبعد النّقط الممكنة بنفس الفعالية في توصيل الكهرباء لشبكات التّزويد التي تتوزع على نطاقات واسعة”، مبرزا على أن “الرّهان الضّروري اليوم هو كيف يكون النحاس لاعبا في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ومن ثمّ، تحقيق السيادة الطاقية والوصول إلى الطموح المعلن بخصوص إنتاج أكثر من 52 في المائة من الطاقة الكهربائية عبر مصادر متجددة بحلول 2030، ومن ثم تصديرها إلى أوروبا”.
وشدد الجامعي عينه على أن “الاستراتيجية الطاقية تقتضي أيضا أن يكون هذا النحاس مستخرجا بطرق محافظة على البيئة”، لافتا إلى أن “هناك توقعات بأن التوجه نحو الطاقات المتجددة في العالم سيرفع الطلب على هذا المعدن على المستوى الدولي؛ والمغرب سيكون بإمكانه استثمار احتياجاته من الاحتياطات المتوفرة، وبالتالي تصدير الفائض بشكل يضمن عوائد للمغرب وأرباحا للشركات المنقبة”.