قضية “إسكوبار الصحراء” تكرس “الصورة النمطية” للنخبة السياسية لدى المغاربة
“من سيئ إلى أسوأ”، هكذا يبدو حال الأحزاب وصورة نخبها في الوقت الراهن مع توالي الملفات والمتابعات في حق عدد من النخب متصدرة المشهد خلال هذه المرحلة، إذ لم تمض سوى أشهر قليلة على انشغال الرأي العام بقضية الوزير الأسبق محمد مبديع بسبب اختلالات مالية في التسيير، حتى طفا إلى السطح موضوع أكثر حساسية له علاقة بالاتجار الدولي بالمخدرات، يتابع فيه 25 فردا، من بينهم عضوان ينتميان إلى حزب الأصالة والمعاصرة لهما حضور وازن في الساحة، هما سعيد الناصيري، رئيس فريق الوداد، وعبد النبي بعيوي، رئيس جهة الشرق.
ويأتي الملف الجديد ليعيد مرة أخرى طرح السؤال حول صورة الأحزاب والسياسيين المنتخبين لدى الشارع المغربي، المرتبطة أساسا بـ”الرشوة والفساد واستغلال النفوذ”، الأمر الذي يدفع نحو مزيد من تعميق أزمة الثقة في السياسية وأناسها بالبلاد، ويكرس الصورة القاتمة للمشهد ويدفع نحو مزيد عزوف الشباب عن السياسة وممارستها.
صورة قاتمة
في قراءته للتطورات الجارية اعتبر محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي، أن “النخبة السياسية في المغرب عرفت مجموعة من التغيرات المرتبطة بالتحول على مستوى أداء الأحزاب السياسية والأهداف التي تطمح إليها”، مؤكدا أن “الأحزاب أصبح هاجسها هو تصدر الانتخابات، لأن المرتبة الأولى هي التي تسمح للحزب بترؤس الحكومة طبقا للفقرة الأولى من الفصل 47 من الدستور”.
وأضاف بوخبزة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “تأثيرات هذا المعطى كانت كبيرة، وجعلت الأحزاب السياسية تفكر في الحصول على المقاعد بأي طريقة كانت؛ وفي هذا الإطار تم اللجوء بشكل لافت نحو ‘أصحاب الشكارة’، لأن لهم إمكانية تمويل حملاتهم الانتخابية بشكل يسمح لهم بالفوز بالمقاعد؛ فأصبحنا أمام نوع من التهافت على هذه الفئة، وتم التخلي عن المناضلين”، وفق تعبيره.
وذهب الأستاذ ذاته في قراءته إلى أن هذا الوضع خلق “تراجعا في طبيعة النخب الحزبية بالتحديد، مع تراجع نوعية المنتمين إلى الأحزاب؛ كما جرى التخلي عن مجموعة من المفاهيم، مثل مفهوم المناضل، الذي لم يعد متداولا في الحقل الحزبي المغربي بشكل لافت”، مبرزا أن “هذا الوضع معاكس لما كان في الماضي من وجود نخبة مثقفة داخل الأحزاب السياسية، لأن الحزب محتاج للقوة الاقتراحية، ومواكبة التحولات التي يعيشها المجتمع، لكي يكون دائما منخرطا فيه”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “التخلي عن النخبة المثقفة من طرف الأحزاب ساهم في الوضع الراهن، إلا أن هذه النخب بدورها أصبحت تتوارى وتتحاشى العمل الحزبي، لأنها تجد صعوبة في التموقع مع وجود ‘أصحاب الشكارة’”، مردفا بأن “اللافت في الأمر حاليا هو أن عددا كبيرا من النخب الحزبية، خاصة المنتمية إلى الصف الأول، التي تمثل المؤسسات المنتخبة وعلى رأسها البرلمان، أصبحوا متابعين في ملفات مختلفة، إما هدر المال العام أو سوء التسيير أو المخدرات أو الاغتصاب أو استغلال النفوذ، سواء في حالة اعتقال أو حالة سراح”، معتبرا الأمر “سابقة بالنسبة للمؤسسات المنتخبة، ومن بينها البرلمان”.
كما شدد المحلل السياسي ذاته على أن “هذا المعطى يؤثر كثيرا على صورة المؤسسات، لأن من ينتظر منهم المواطن أن يعطوا القدوة والمثل في احترام القانون والالتزام بما يشرعونه نجدهم أول من يدوسون عليه”، معتبرا أن “الصورة قاتمة جدا لأنها مست المؤسسات المنتخبة والأحزاب السياسية والقيم التي من المفروض أن يدافع عنها المنتسبون إلى هذه المؤسسات”.
تدجين النخب
من جهته أفاد المحلل السياسي محمد شقير بأن “مثل هذه القضايا تكرس وتظهر بالملموس ما كان عند الرأي العام من انطباع وتصور، إذ إن الفساد والرشوة مرتبطان بالنخبة السياسية ككل”، مبرزا أن “هذا الأمر يرجع إلى طبيعة السياسة التي اتبعت منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وكانت سياسة دولة حاول من خلالها الملك أن يدجن النخبة السياسية، على غرار ما تم من تدجين للنخبة العسكرية”.
وأضاف شقير في تصريحه لهسبريس أن “هذا التدجين جرى من خلال إقحام النخب الحزبية في مجالات الجماعات الترابية، وإعطائها مجموعة من الصلاحيات التي دفعت مجموعة من المنتخبين ليتاجروا ويغتنوا بشكل فاضح من خلال مجموعة من الصفقات التي مرروها”، مبينا أن “هذه المسألة كانت من الأسباب والعوامل المرتبطة بطبيعة نظام الحكم في المغرب، الذي يقوم على الريع والإغراءات المادية لتدجين النخبة السياسية”.
وزاد المتحدث ذاته موضحا: “حدث هذا طيلة فترة حكم الملك الحسن الثاني، الذي قام في فترة معينة بعملية التطهير التي أدت إلى خلخلة الحقل السياسي، وإلى حد ما إلى تنقية نظام الحكم آنذاك”، مؤكدا أن “هذا الأمر ظل مستمرا حتى في عهد الملك محمد السادس، الذي شهد مجموعة من المتغيرات لعبت دورا في ضرورة تنقية المجال السياسي؛ حيث عمد النظام السياسي إلى وضع مجموعة من الآليات عبر إنشاء مؤسسات للرقابة، مثل المجلس الأعلى للحسابات وغيره”.
كما أشار شقير إلى أن “هذه الوقائع بدأت تُظهر إلى حد ما تورط بعض المنتخبين ومكونات النخبة السياسية في قضايا فساد توالت بهذا الشكل؛ وربما يدخل هذا الأمر في نهج النظام الذي يعمل على تنقية المجال السياسي، نظرا لتأثيره على مناخ الاستثمار، في ظل حاجة المغرب إلى مناخ استثمار سليم يتطلب العمل على تحريك وتفعيل أدوات ومؤسسات الرقابة”.
وتابع المحلل السياسي ذاته بأن “هذا الأمر يبدو واضحا من خلال تحركات مجموعة من المؤسسات، بما فيها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني التي تعد ملفات وتتابع قضايا وتجري تحريات تمس بعض النخب، وتظهر تورطها في مجموعة من قضايا الفساد”، مبرزا أن قضية “إسكوبار مالي” “عندها ارتباطات دولية، بحكم أن هذا المتاجر بالمخدرات كان له تحرك على الصعيد الدولي في ما يتعلق بالمخدرات، ما أدى إلى اعتقاله والحكم عليه، ما جعله يجر مجموعة من المتورطين، ظهر أنهم يتحركون على الصعيد السياسي وعلى صعيد المؤسسة الأمنية وغيرها”.
وأكد شقير أيضا أن “هذا الوضع يساهم في تكريس الصورة التي كانت عند الرأي العام حول العديد من الذين يسيرون المؤسسات المنتخبة أو البرلمانية وهم متورطون في قضايا فساد، ويقدمون صورة سيئة عن النخبة السياسية في المغرب”، معتبرا أن هذا الأمر “يزيد من تعميق الصورة السلبية عن النخبة السياسية ويجعل العمل السياسي يبقى دائما مرتبطا بالفساد والتورط في قضايا مشبوهة”.
وزاد المحلل ذاته مستدركا: “هذا الأمر لا يشمل جميع النخب، لكن ظهور هذا النوع من المنتخبين المتورطين ليس فقط في قضايا فساد، وإنما في الاتجار بالمخدرات واستغلال النفوذ، يدفع الرأي العام إلى النظر بنوع من السلبية لهذا النوع من النخب، وإلى فقدان الثقة في المنتخبين لأنهم يفتقرون إلى الأمانة والحصانة الأخلاقية التي يمكن أن تميز المسؤول؛ وهذا لا يمكن إلا أن يعمق ويرسخ الصورة السلبية عند المنتخبين، سواء كانوا في المجال المحلي أو الجهوي أو الوطني”.