حرب السودان: أخبرت طفلي أنه فيلم من أفلام الحركة وليست قنابل حقيقية
فقد الجيش السوداني في الآونة الأخيرة السيطرة على مناطق مهمة مع امتداد الحرب الأهلية في السودان إلى مناطق أخرى في البلاد، ما يزيد المخاوف من وقوع كارثة إنسانية جديدة حيث حوصر الملايين في صراع فقد اهتمام العالم.
تواجه رشا أمين، وهي معلمة تبلغ من العمر 31 عاما، مشكلة مع طفلها البالغ خمس سنوات، لأنه يبلل سريره ليلا منذ أن سمع أصوات القذائف الصاروخية التي ضربت منزل أحد الجيران في العاصمة الخرطوم في أكتوبر/تشرين الأول.
وتقول رشا وهي أم لطفلين: “يستيقظ ليلا وهو يبكي لأنه رأى كابوسا أو لأنه خائف”.
وقد أصيب منزلها بشظية بحجم كرة الغولف أحدثت ثقبا في جدار المنزل واخترقت وحدة تكييف الهواء، وكادت أن تصيب طفلها الآخر، البالغ من العمر 20 شهرا، والذي كان نائما في سريره.
وكانت قوات الدعم السريع، الموجودة في المنزل المجاور هي الهدف من الهجوم، وحاولت رشا التخفيف من هلع طفلها وأخبرته أن هذا الأمر ليس حقيقيا وأنهم يصورون فيلم أكشن في المنطقة، لكن هذا لم يقنع الطفل لفترة طويلة.
ونجت المعلمة رشا وعائلتها بأعجوبة من الحرب الأهلية المستمرة منذ ثمانية أشهر، والتي أودت بحياة ما لا يقل عن 10 آلاف شخص.
وفر ما يقرب من سبعة ملايين آخرين من منازلهم، لكن الكثيرين، مثل رشا وعائلتها، ما زالوا محاصرين ويعانون من الصدمة وسط القتال الدائر حاليا. ولا يزال منزلها متضرراً بشدة.
قامت رشا بجولة افتراضية في منزلها باستخدام الهاتف وأظهرت من خلاله لبي بي سي ما حدث، والشقوق في الجدران والنوافذ والأبواب المفقودة.
وتقول عن جهودها للحفاظ على سلامة أسرتها: “ما زلنا خائفين. علينا أن نضع مراتب النوم على الأرض بعيدا عن النوافذ”. “نبقى أيضا على مقربة من أي خزانة والثلاجة تحسبا في حالة انهيار السقف”.
واندلع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في أبريل/نيسان، بعد خلاف بين قائد الجيش الجنرال عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو.
ويكافح الجيش للسيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد، وخسر مناطق كثيرة في العاصمة ومنطقة دارفور الغربية مع تصاعد القتال، ويعاني من موقف صعب في وسط السودان بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع مؤخرا على مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، التي كان يُنظر إليها على أنها ملاذ آمن للمدنيين من القتال.
ويتعين الآن على الأشخاص الذين لجأوا إلى الخرطوم بحثا عن الأمان أن يهربوا للمرة الثانية. وقد فر بالفعل ما لا يقل عن 250 ألف شخص من الجزيرة، وفقا للأمم المتحدة.
وتعتبر منطقة الجزيرة سلة خبز للسودان، حيث تنتج 40 في المئة من احتياجاته من القمح، مما يثير مخاوف من أن تؤدي الأزمة إلى نقص خطير في الغذاء و”كارثة جوع”، على حد تعبير المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي.
وقد حاولت رشا وعائلتها الفرار عندما اندلعت الحرب ولكنهم لم ينجحوا. ويحمل زوجها وأطفالها الجنسية البريطانية، وأعربت عن أملها في أن تكون الأسرة بأكملها مؤهلة للإخلاء.
دفعت أسرة رشا “الكثير من المال” ليتم نقلها إلى قاعدة عسكرية كانت تبعد عنهم أميالا، حيث كان من المقرر أن يتم نقل المواطنين الذين يحملون جنسيات غربية إلى خارج السودان. وفي الطريق شهدوا أهوال الحرب: جثث ملقاة على جانب الطريق، ومصانع تحترق، وناس ينهبون المتاجر المهجورة.
لكن آمالهم في الخروج تبددت عندما وصلوا إلى القاعدة. وأخبرها المسؤولون أنه من الممكن إجلاء زوجها المولود في لندن وأطفالهما، ولكن لن يتم السماح لها بالخروج.
وتقول وهي تبكي: “كنا نحاول أن نخبرهم أنه لا يمكنهم فصل الطفل الرضيع عن والدته، كما أننا سندفع ثمن التأشيرة عند الوصول”.
ويقول زوجها محمد سعيد، إنه لم يكن أمام الأسرة خيار سوى العودة إلى منزلهم، ويعتقد أن هذا كان “الشيء المعقول الذي يجب عليه القيام به”.
بعدها طلب الزوج مساعدة الحكومة البريطانية لضمان إمكانية نقله مع عائلات أخرى مزدوجة الجنسية إلى مكان آمن في بريطانيا.
وردا على سؤال حول المأزق الذي تعيشه عائلات مثل عائلة رشا، قال وزير شؤون أفريقيا في الحكومة البريطانية أندرو ميتشل، لبي بي سي: “خففنا بعض القواعد المعمول بها في بعض الحالات، لمحاولة مساعدة الأسر التي وجدت نفسها في هذا الوضع”.
ونصح ميتشل أسرة رشا “بالبقاء على اتصال مع وزارة الخارجية البريطانية”.
وأرسلت رشا وزوجها رسائل بريد إلكتروني إلى وزارة الخارجية البريطانية وأحد أعضاء البرلمان، لم تذكر أسمه، لكنهم يقولون إن كل ما تلقوه كان عبارة عن ردود آلية من البريد.
يقول الزوج محمد: “بالطبع نشعر أنه تم التخلي عنا “، معترفًا بصعوبة الوصول إلى أي شخص محاصر في منطقة الحرب.
وفي هذه الأثناء، لا تزال الأسرة عالقة في الخرطوم، محاطة بمسلحين يجوبون الشوارع وتواجه انقطاع التيار الكهربائي اليومي ونقص الخدمات الأساسية.
ولم تنجح حتى الآن الجهود المبذولة لمحاولة التوصل إلى حل سياسي للصراع، التي يقودها جيران السودان- ممثلين في الكتلة الإقليمية الهيئة الحكومية للتنمية (إيجاد) بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية.
ولم يتفق الجنرالان المتحاربان البرهان ودقلو، على الاجتماع وجها لوجه. وأصبح احتمال جلوسهم إلى طاولة المفاوضات أبعد في الأسابيع الأخيرة بعد أن اعترض الجنرال برهان على إعلان إيجاد عن تحقيق انفراجه في الأزمة، وتعهد البرهان بالقتال “حتى النصر أو الشهادة”.
وقالت الحكومتان الأمريكية والبريطانية إن الجانبين ارتكبا جرائم حرب. كما اتُهمت قوات الدعم السريع بإجراء تطهير عرقي في منطقة دارفور الغربية.
وفي الأشهر الأخيرة، تم استهداف المجتمعات غير العربية في السودان، وخاصة المساليت، وأُحرقت قراهم، وكانت هناك تقارير عن حالات اغتصاب واسعة النطاق.
وقال الوزير البريطاني ميتشل لبي بي سي: “سنبذل كل ما في وسعنا مع حلفائنا وأصحاب نفس المواقف لمحاسبة أولئك الذين يرتكبون أي شكل من أشكال انتهاكات حقوق الإنسان والقوانين الإنسانية الدولية”.
وكان الوضع الغذائي في السودان سيئا بالفعل قبل الحرب، لكن الوضع يزداد سوءا حيث تكافح الجمعيات الخيرية لتوزيع المساعدات.
وقالت ليني كينسلي، المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي في السودان: “لم نتمكن من الوصول إلى الخرطوم بالمساعدات الغذائية إلا مرة واحدة خلال الأشهر الثلاثة أو الأربعة الماضية”.
وأضافت كينسلي لبي بي سي، أن قدرة البلاد على إطعام سكانها ستخضع لاختبار جدي. وشددت على أنه “لم يعد أحد يشعر بالأمان في أي مكان في البلاد لأن الوضع يتطور بسرعة كبيرة… ومع حلول شهر مايو/أيار، نشهد كارثة جوع”.
وفي الخرطوم، تعتمد رشا وأسرتها على الدعم من الأقارب. وترسل شقيقها ليشتري كل ما يمكنه الحصول عليه. إذا كان محظوظا يمكنه شراء ملعقتين من الحليب المجفف وحفاضتين أو ثلاث حفاضات في المرة الواحدة.
وتقول رشا: “ليس هناك خيارات للحصول على اللحوم أو الدجاج”، مضيفة أنهم يعيشون الآن على الفول والخضروات. وتقول إن الأطفال “فقدوا الكثير من الوزن، والآن تتساقط سراويلهم”.