إسرائيل وبريطانيا وفرنسا خططوا لأبعد من السيطرة على قناة السويس في حربهم على مصرعام 56 ـ وثائق بريطانية
- Author, عــامــر سـلطـان
- Role, بي بي نيوز عربي- لندن
كشفت وثائق بريطانية أن الهجوم العسكري الثلاثي على مصر عام 1956 كان أكبر بكثير مما أعلن في حينه.
ووفق الوثائق، التي اطلعت عليها، فإن الهجوم استهدف تدمير مصر اقتصاديا وعسكريا والتمهيد لنظام جديد بعد إسقاط نظام حكم الرئيس جمال عبد الناصر.
في 26 يوليو/تموز عام 1956، أمم ناصر شركة قناة السويس. وردت بريطانيا وفرنسا، بمشاركة إسرائيل، بشن هجوم عسكري أطلق عليه “عملية الفارس”، كان هدفه المعلن هو استعادة السيطرة الدولية على الشريان البحري الحيوي العالمي.
وتكشف الوثائق أن الولايات المتحدة حذرت بالفعل سرا البريطانيين والفرنسيين من عواقب أي تحرك عسكري ضد مصر.
وتكشف وثائق لوزارة الدفاع البريطانية أن التخطيط للهجوم على مصر قد بدأ فعليا بعد ثلاثة أيام فقط من قرار ناصر تأميم قناة السويس.
وكانت إسرائيل، التي بدأت الحرب، قد أعدت خطة خاصة بها سمتها “قادش”، وفيها احتلت قطاع غزة، الذي كان تحت إدارة مصر، وشبه جزيرة سيناء.
ووفق تقرير بالغ السرية، لم يُطلع عليه سوى أجهزة الاستخبارات، فقد بحثت لجنة الأركان المشتركة البريطانية، في اجتماع عقد يوم 30 يوليو/تموز، الاستعداد للحرب، بحضور الجنرال سير تشارلز كيتلي، قائد قوات التحالف الثلاثي ضد مصر.
وجاء في تقرير للجنة بعنوان “تقرير هيئة التخطيط المشتركة بشأن إتاحة قوات للعمل ضد مصر”، إن وزارتي الحرب والجو “تدرسان سبل إيجاد الرجال اللازمين لشن عملية للاستيلاء على قناة السويس دون حاجة إلى تشريع خاص”. وحينها “توقعت إدارة البحرية أن تكون قادرة على إيجاد الرجال الضروريين دون استدعاء أي احتياط”.
وفضلا عن مناقشة خطط العملية العسكرية، ناقش روؤساء الأركان التالي:
* احتمال أن يؤدي القصف الجوي إلى اضطرابات في إمدادات النفط
* إمكانية عمل أي شيء في المدى القصير لوقف إمدادات مياه النيل بشكل مؤثر.
* وضع خطط لشن حرب نفسية بعد أول أيام العملية.
بعد ثلاثة أيام أخرى، اختير “الفارس” اسما رمزيا للهجوم، كما تقرر “شن حملة لجذب تعاطف العالم المتحضر” للعمل العسكري على مصر.
تفاصيل خطة الهجوم
في أواسط شهر أكتوبر/تشرين الأول، أقرت لجنة رؤساء الأركان البريطانية، بعد موافقة الجيش الفرنسي، خطة تنفيذ عملية “الفارس” العسكرية.
وفي تقريرها إلى رئاسة الوزراء، قالت اللجنة إن الخطة “تقوم على مفهوم هجوم جوي وحرب نفسية مرفقين بالحد الأدنى من الضحايا المدنيين”.
وتقرر تنفيذ الخطة على ثلاث مراحل:
* الثانية: هجوم جوي مرفق بحملة نفسية موجهة توجيها يتسم بأقصى درجة من الحرص. وسيوجه الهجوم الجوي إلى أهداف مختارة بغرض إحداث اضطراب متزايد غير مسبوق على الإطلاق للاقتصاد، والمعنويات، والإدارة والقوات المسلحة المصرية، وفي النهاية، تدمير إرادة المقاومة لدى المصريين.
* الثالثة: هبوط في بورسعيد يتبعه احتلال منطقة القناة، والاستيلاء على الإسماعيلية وأبو صوير والتقدم إلى التل الكبير وفايد والسويس.
وبسبب التعويل عليها في تحقيق الأهداف المعلنة وغير المعلنة للهجوم، أعطيت المرحلة الثانية اهتماما أكبر.
وحدد القادة العسكريون لهذه المرحلة قائمة من الأهداف الحيوية:
أولا: منشآت الجيش والقوات الجوية والبحرية في ضواحي القاهرة، والأسكندرية وبورسعيد والسويس، بهدف التدمير المادي لهياكلهم التنظيمية وأنظمة الاتصالات، والقواعد، وإظهار عدم كفاءة الجيش والقوات الجوية والبحرية للشعب المصري.
ثانيا: محطات ضخ النفط، وخطوط أنابيب النفط، وصهاريج التخزين في المدن الأربع الكبرى.
ثالثا: المواصلات: السكك الحديدية وتشمل الطرق، الجسور ومناطق عنق الزجاجة، شاحنات نقل النفط بريا، ومنشآت حكومية. ورصدت هذه الأهداف في 17 منطقة ومحافظة وحي ومدينة في أنحاء مصر، بما فيها القاهرة.
رابعا: محطات الطاقة الكهربائية.
خامسا: الأهداف التكتيكية للجيش المصري في سيناء، وفي الأماكن المماثلة التي يتركز فيها ويسهل مهاجمتها. على سبيل المثال، المعابر فوق القناة، ومناطق تركز المدرعات والسيارات، والمواقع الدفاعية والقوات حول بور سعيد.
خطة الحرب النفسية
عُين البريغيدير فيرغسون مسؤولا عن إدارة الحرب النفسية لقائد العملية. كما عُين موظفون ذوو خبرة من وزارة الخارجية للعمل معه.
كان الهدف الأول هو إسكات صوت إذاعة القاهرة، على أن “تحل محلها إذاعة الشرق الأدنى البريطانية”. وشملت خطة الإسكات ضرب محطات الإرسال الأربع في أبو زعبل إضافة إلى المحطتين الأقل قوة في القاهرة والأسكندرية.
ووفقا لخطة الحرب، فإن الغرض هو “قطع الاتصالات الإذاعية بين الحكومة المصرية والعالم الخارجي ومنطقة الدلتا”. وأشارت إلى أنه “في غياب الإعلانات الحكومية المباشرة، سوف يُسمح بانتشار الشائعات، وتكون دعايتنا فاعلة”.
ورغم أن المخططين توقعوا “تقليل حجم الضرر الواقع على المدنيين”، فإنهم شددوا على أنه “إذا كانت المعنويات المصرية أعلى من المقدر، سوف يُطلب مزيد من الحرية في العمل لمهاجمة أهداف سيكون لها تأثير مباشر بقدر أكبر على عموم الأمة”.
في السياق نفسه، خُطط “لاستخدام كل الموارد المتاحة” في الحرب الدعائية والنفسية.
ذهب التخطيط للحرب إلى حد دراسة التدابير اللازمة لإدارة المناطق التي سوف تُحتل من مصر.
وناقش المستشارون القانونيون لوزارة الخارجية البريطانية إصدار “مراسيم لفرض حكم عسكري” في تلك المناطق.
ووفق هذه المراسيم، تقرر “إعطاء أفراد من القوات وأشخاص أخرين يُكلفهم القائد العسكري صلاحيات القبض والتفتيش واعتقال أي أشخاص يثبت ارتكابهم أو يشتبه في أنهم على وشك ارتكابهم مخالفات منصوص عليها في الإعلانات والمراسيم واللوائح اللاحقة”.
وتضمنت المراسيم أيضا “إنشاء محاكم عسكرية لمحاكمة ومعاقبة أي أشخاص سوف يرتكبون مخالفات منصوص عليها في هذا الإعلان أو الإعلانات والمراسيم واللوائح اللاحقة”.
سياسيا، ناقشت لجنة مصر في الخارجية، بناء على طلب سير نورمان بروك، وزير شؤون مجلس الوزراء “الاعتبارات السياسية المرتبطة بتخطيطنا العسكري وخاصة باحتلالنا لمصر”.
ونصحت وزارة الدفاع والوزارات الأخرى المعنية بالترويج “بأبسط العبارات” لهدف التحالف العسكري وهو “الحفاظ على مبادئ معاهدة 1888، وضمان السيطرة الدولية على القناة”.
أما الهدف غير المعلن حينها فهو “الإطاحة بنظام ناصر”.
وتوقع رالف ماري، المسؤول القانوني في السفارة البريطانية في القاهرة بعد اطلاعه على نتائج اجتماع لجنة مصر، أن يكون إسقاط النظام سهلا في حالة هزيمة الجيش المصري.
وقال: “هدفنا العرضي المتمثل في الإطاحة بنظام ناصر يمكن، تقريبا بالتأكيد، تحقيقه بإلحاق هزيمة كاملة بالقوات المسلحة المصرية، وتحقيق استسلام. ولتحقيق هذا الهدف ستكون العمليات، بلا شك، في الدلتا مطلوبة”.
من حلقات بي بي سي عن الوثائق البريطانية:
وأضاف :”يتعين أيضا أن نضع في الاعتبار أن مصالحنا تتطلب تطوير علاقات مع النظام الذي سيخلف ناصر وربما دعمه بقدر كبير”.
وربط التقرير سحب قوات الاحتلال من الدلتا بـ “سرعة تمكن النظام الذي يخلف ناصر من تثبيت نفسه والسيطرة على البلاد”.
ووفق هذا التصور، فإن الأمل هو “أن نبقى في القاهرة بما لا يزيد على يوم أو اثنين”.
وحددت ورقة رالف ماري، المسؤول القانوني في السفارة البريطانية في القاهرة أهداف هذه المرحلة في التالي:
* ضمان عدم عودة زمرة ناصر إلى السلطة والإطاحة بالحكومة في القاهرة
* تنصيب وكالة لتشغيل القناة مؤقتة مهمتها إعادة فتحها وتشغيلها بأسرع ما يمكن.
* التفاوض مع القوى المعنية بشأن مشاركتها في نظام دولي للقناة.
* التفاوض مع الحكومة المصرية بشأن قبولهم (هذه القوى) مثل هذا النظام (الجديد).
ونصحت ورقة ماري، التي أقرها سير جيرالد فيتزموريس، كبير مستشاري وزارة الخارجية البريطانية القانونيين بأنه : “قبل سحب قواتنا، ينبغي أن نتأكد أولا من أن الحكومة اللاحقة لنظام ناصر في القاهرة ليست عرضة لخطر الإطاحة بها من جانب ناصر إذا سعى للعودة”.
وذهبت الخطة لحد التحسب لطريقة التعامل مع نظام ناصر وأعضاء حكومته في حال خلعه.
وقال ماري “لو ألحقنا هزيمة كاملة بالقوات المصرية، فإن بعض هؤلاء الرجال سوف يتحولون إلى العمل السري. وربما يكون الحل الأفضل هو العمل على تسليمهم إلى الحكومة المصرية اللاحقة للتعامل معهم”.
كيف كان موقف الولايات المتحدة؟
بينما كان التخطيط العسكري البريطاني الفرنسي الإسرائيلي مستمرا، رصد الأمريكيون خطة بريطانيا لإجلاء مواطنيها من عدد من دول الشرق الأوسط، وهو ما رأته الإدارة الأمريكية استعدادا للحرب على مصر.
والتقى بربور، القائم بالأعمال الأمريكي في لندن، مع وزير الخارجية البريطاني سيلوين لويد في أوائل شهر سبتمبر/أيلول بناء على تعليمات من حكومته.
ويقول محضر اللقاء إن بربور أبلغ الوزير بأن حكومته “قلقة من أن الرأي العالمي سوف يأخذ انطباعا غير إيجابي بسبب المعلومات المتاحة عن الاستعدادات البريطانية الفرنسية وعن خطط للإجلاء”.
وأبلغ الدبلوماسي الأمريكي البريطانيين بأن وزيره جون فوستر دالاس، يرى أن الحكومتين البريطانية والفرنسية “مثلهما مثل الحكومة الأمريكية، عليهما التزام بإيجاد حل سلمي لمشكلة قناة السويس، حتى لو لم يمكن إيجاد حل سلمي في خلال أسبوع”، في إشارة إلى ضرورة منح المفاوضات بين عبد الناصر ووفد الدول المعنية برئاسة رئيس الوزراء الاسترالي روبرت مينزيس فرصة أكبر.
ورد البريطانيون قائلين: “ما نفعله ينسجم مع اتخاذ الاحتياطات ولا يجب أن يؤخذ على أنه إشارة إلى أننا نعد لحرب غدا”.
غير أنهم قالوا إنه “ما لم يرضخ ناصر، فسوف ينبغي علينا دراسة عمل آخر. من ناحية أخرى، لم يتم الضغط على الزر بعد”.
وانتهى اللقاء بأن قال بربور إن دالاس “يعتقد بأنه من المهم أن يكون الرأي العالمي وراءنا قبل أن نلجأ إلى القوة”.
وأضاف أن “خشيته هي أن التحركات العسكرية الحالية وبداية إجلاء (المواطنين البريطانيين من الشرق الأوسط) سوف تبعد الرأي العالمي عنا”.
في هذه الأثناء، صارح حلف الناتو البريطانيين بـ “السخط” مما يجري بين بريطانيا وفرنسا وإسرائيل.
ودفع هذا السخط ليون جونسون، نائب قائد قوات الناتو في أوروبا، إلى لقاءات متكررة مع أحد مسؤولي السفارة البريطانية في واشنطن، أشير إلى اسمه بحروف بي جيه إس أم، لمناقشة تأثير أزمة السويس على الحلف.
وجاء في برقية بالغة السرية من السفارة إلى وزير الدفاع البريطاني أن حديث جونسون “كان صريحا، وأوضح سخط وغضب الولايات المتحدة، الذي هو مرأي بوضوح في واشنطن”.
وعن السبب، قال جونسون إنه “عدم التشاور المسبق مع الولايات المتحدة، والتحشيد مع إسرائيل قبل التحرك الأنجلو فرنسي”.
وحسب البرقية، فإن جونسون “أكد أن الحكومة الأمريكية تملك معلومة استخباراتية تتمتع بأعلى درجة ممكنة من المصداقية والدقة القائمة على حقائق، تؤكد أن التحرك الأنجلو فرنسي قد تم بالتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية والاتفاق معه. بكلمات أخرى، عملية موحدة”.
وردا على سؤال للبريطانيين عما إذا كانت هذه المعلومة جاءت مباشرة من الممثل الأمريكي في إسرائيل أم من مصادر استخباراتية، “أجاب (جونسون) بأنه لا ينبغي عليه الإجابة عن هذا السؤال”.
وأبلغت السفارة وزير الدفاع البريطاني بأن مسؤول الناتو “لم يقتنع” بتفسيرات البريطانيين، وبأن الكلمات التي يستخدمها وزير الخارجية البريطاني في الرد على الأسئلة بشأن ما يحدث “لم تقنعه شخصيا بأنه لم يكن هناك تعاون إسرائيلي بريطاني قبل العمل العسكري”.