المغرب يعيش أزمة سياسة .. والأحزاب تحتاج ولوج “التيك توك”

قال الحسن حداد، وزير السياحة الأسبق والقيادي في حزب الاستقلال، إن “الأسئلة المتعلقة بدور الأحزاب السياسية في مواكبة المشاريع الكبرى وتأهيلها لم تكن نقاشا جديداً، بل طُرحت تقريبا منذ عشرين سنة حين كان هناك انتعاش في الإصلاحات كتعديل مدونة الأسرة وهيئة الإنصاف والمصالحة..”، مضيفاً أنه “كان هناك مفهوم جديد للسلطة في بدايات العهد الجديد”.
وأوضح حداد مساء أمس الخميس، خلال ندوة نظمها معهد الدراسات العليا للتدبير HEM، أن “الظنّ الذي كان سائداً آنذاك عند من يطرح هذه الأسئلة هو أن الأحزاب لا تقوم بأيّ شيء”، كما “ساد النقاش وقتها حول دخول العدالة والتنمية إلى المشهد السياسي بقوة، وهو ما كان يحتاج وفق هذا التصور إلى إعادة هندسة الحقل السياسي، لكن الحركة السياسية عرفت العكس، حيث صعد نجم العدالة والتنمية وضعفت الأحزاب الأخرى”.
وأضاف المستشار البرلماني عن حزب الاستقلال “لاحقاً جاءت تحليلات كثيرة تقول إن الفعل السياسي لا يتّصف بالقوّة الكافيّة، وكان هذا يستدعي المرور نحو المقاربة التقنوقراطية”، مشيرا في السياق ذاته إلى أن “الوضع يختلف هذه المرة لأن النسق الحالي مختلف. وما يتميز به هذا النسق هو ضعف الخطاب السياسي، حيث لم يعد يواكب انتظارات الشارع، ولا يتجاوب ولا يتفاعل معها بالشكل المطلوب”.
وبخصوص اندحار “القول السياسي” بعد ظهور “منافسين جدد” في مسألة “الوساطة”، أوضح حداد، في ندوة “المشهد الحزبي بين مركزية الأوراش الاستراتيجية والرهانات السياسية”، أن “هناك اليوم تحوّلات عميقة تشهدها الساحة السّياسية، حيث ظهر فضاء عام موازٍ: الرقمية، التي أمست المرجع الذي يستقي منه الجمهور آراءه”، منبها إلى أن “هذا الفضاء الجديد تستفحل فيه درجات عالية من الشعبوية والحلول السهلة، والإقبال عليه لتشكيل الرأي سياسيا راجع بالضرورة إلى تدني منسوب الثقة فيما هو أساسي”.
وشدد الفاعل السياسي على ضرورة “إصلاح الانتخابات للقضاء على الفساد الانتخابي والسياسي، وضمان ولوجية كبرى للمرأة للعمل السياسي”، مؤكدا أن “هناك ضرورة تاريخية اليوم لكي تلج الأحزاب السياسية المغربية العالم الرقمي، وأن تكون منافسا داخل هذه الفضاءات، التي لها روادها ومبحروها ومؤثروها وأنساقها الخاصة”. وأضاف “يجب أن تدخل التنظيمات السياسية إلى التيك توك والأنستغرام والفيسبوك لمواجهة الخطابات الشاردة والأخبار الزائفة والمضللة”.
ولفت إلى أن “دور البرلمان شهد تبخيساً كبيراً بعدما كان فضاءً للجرأة وللجدال السياسي ولتصريف المواقف، وكذلك للنقاش بين الأحزاب والحكومة”. واستحضر “الفترة الذهبية” للمؤسسة التشريعية، قائلا: “كانت الستينيات والسبعينيات والثمانينيات وحتى التسعينيات علامة فارقة في تاريخ البرلمان المغربي. دور هذه المؤسسة بهت، وحين يتكلم فاعل سياسي بجرأة يندهش الجميع”.
ووضع المتحدث ذاته الأصبع على أحد أبرز نقاط ضعف السياسة المغربية: المعارضة، التي وصف دورها بـ”الفاتر”، مؤكداً أن “الحكومة لا يمكن أن تستحوذ على المسائل التشريعية وعلى العمل التشريعي، مثلما نرى اليوم. نحتاج إلى معارضة سياسية قادرة على خلق الفرق”، قبل أن يضيف “حتى الأغلبية المساندة للحكومة في إطار البرلمان كان لها نوع من الاستقلالية، والآن لم يعد هذا مطروحاً وأصبح من الأشياء التي نتذكرها فقط”.
وبعدما شخّص وضع الأحزاب بكونها “منغلقة على النسق السياسي المغربي”، واصل وزير السياحة الأسبق قائلا إن “الأوراش الكبرى اليوم في المغرب لا تؤطرها الأحزاب. تقول عنها أشياء عديدة وتضعها في برنامجها الانتخابي..، لكنها تظل محكومة بالطابع التقني وليس السياسي”، مشيراً إلى أن “التغطية الاجتماعية، مثلاً، كانت تشهد نقاشا عميقاً جداً خلال الثمانينيات، وكان اليسار له باع طويل في هذا الجانب”.
وتساءل المتحدث ذاته عن “عدم مواكبة الأحزاب السياسية لتأخر مشروع الجهوية المتقدمة والموسعة”، معتبراً أن “هذا المشروع جاء لتقوية الحكم الذاتي وإصلاح منظومة الحكامة في المغرب، لكن لماذا نتأخر في إخراجه؟ هل بسبب مركزية الدولة، أم بسبب النموذج السياسي الذي نشتغل به الآن، أم لأن المقاربة تقنية وليست سياسية، أم أساسا لأن الدولة الوطنية أساسية لتوجهات المرحلة؟”. وأضاف أن “الأحزاب يجب أن تؤطر هذه النقاشات لكي تستطيع العودة إلى بريقها وإلى سابق عهدها”.