تأخُّر تبليغ القضاة بمقررات التأديب يُحيي مطلب إحداث مؤسسة مجلس الدولة
بالرغم من أن الطعن في مقررات المجلس الأعلى للسلطة القضائية المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة بسبب الشطط في استعمال السلطة صار، منذ سنة 2011، حقا مخوّلا للقضاة، فإن هذا الحق ما زال شبه معطّل بسبب إبقاء النظر في الطعون من اختصاص الغرفة الإدارية بمحكمة النقض، التي يرأسها رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
وأفاد مصدر قضائي أن هذا الوضع يطرح إشكالا “لأن بعض القضاة يستشعرون الحرج في الطعن في مقررات المجلس الأعلى للسلطة القضائية أمام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض، على اعتبار أن الغرفة الإدارية لا يمكنها أن تراقب قرارات شارك في إصدارها رئيس المحكمة نفسها (رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية)”.
ولم تكن مقررات المجلس الأعلى للسلطة القضائية قابلة للطعن قبل 2011، لكن بعد صدور الدستور الحالي أصبحت قابلة للطعن أمام أعلى جهة إدارية (الغرفة الإدارية بمحكمة النقض)، حيث نص الفصل 114 من الوثيقة الدستورية على أن المقررات المتعلقة بالوضعيات الفردية، الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، تكون قابلة للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة أمام أعلى هيئة قضائية إدارية بالمملكة.
وإضافة إلى المقتضى الدستوري المذكور، جاء القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية بضمانات أساسية لصالح القضاة، من بينها قابلية المقررات المتعلقة بالوضعية الفردية للقضاة للطعن بالإلغاء أمام القضاء.
وتنص المادة 101 من القانون التنظيمي المذكور، التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2017، على أنه “تطبيقا للفصل 114 من الدستور تكون المقررات المتعلقة بالوضعيات الفردية الصادرة عن المجلس قابلة للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة أمام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض”.
وبالرغم من ذلك، اعتبر المصدر القضائي الذي تحدث إلى هسبريس أن الطعن في مقررات المجلس الأعلى للسلطة القضائية “متاح قانونيا وغيرُ مفعّل واقعيا”، مبرزا أن هذه الوضعية “تعيد إلى الواجهة من جديد ضرورة إحياء مطلب مجلس الدولة”.
وحسب المعطيات الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمنشورة في الجريدة الرسمية، فإن عدد الطعون، التي قدمها القضاة إلى الغرفة الإدارية بمحكمة النقض من سنة 2017 إلى 2021، لم تتعدّ 26 طعنا تتعلق بالوضعية الفردية للقضاة، صدر بشأنها 18 قرارا، منها 10 قرارات قضت برفض طلب النقض، و5 قرارات رفضت برفض طلب إيقاف التنفيذ، وقراران قضيا بعدم قبول الطلب، وقرار واحد قضى بالإشهاد على التنازل عن الدعوى.
من جهته، قال عبد الرزاق الجباري، رئيس “نادي قضاة المغرب”، إن عملية الطعن في مقررات المجلس الأعلى للسلطة القضائية المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة بسبب الشطط في استعمال السلطة “لا تتم دائما بيُسر، خصوصا ما تعلق منها بمسطرة التأديب، على اعتبار أنها أخطر وضعية قد يمر بها القضاة”.
وأفاد الجباري، في تصريح لهسبريس، انطلاقا مما رصده “نادي قضاة المغرب” في بلاغه الأخير، أنه “لا يتم تبليغ نسخ المقررات المتعلقة بالتأديب للمعنيين بها داخل الأجل القانوني الذي يتعين أن يقدموا طعنهم فيه، إذ يبلغون دائما بمراسلة إخبارية تحيطهم علما بمنطوق القرار الصادر في حقهم، ويرجأ تبليغ نسخة من المقرر المعلل إلى حين، وفي الغالب يكون ذلك بعد انقضاء الأجل القانوني أو على مشارف انقضائه، مع أن أي طعن في المقرر يستند إلى العلل التي تأسس عليها”. وزاد متسائلا “كيف يمكن تصور تقديم عريضة الطعن دون الاطلاع على علل المقرر المراد الطعن فيه؟”.
واستحضر رئيس “نادي قضاة المغرب” حالة مرصودة لم يتم تبليغ أحد القضاة بمقرر التأديب المعلل الصادر في حقه إلا بعد سنة من تبليغ منطوقه له بموجب مراسلة إخبارية.
كما أشار إلى حالة القاضي عفيف البقالي، نائب وكيل الملك بابتدائية الرشيدية الذي تم عزله مؤخرا، “فقد توصل بإشعار يخبره بمقرر الانقطاع النهائي عن العمل بتاريخ 23 نونبر 2023، ولم يتوصل بالمقرر المعلل إلى حدود اليوم 20-12-2023، مع أن أجل الطعن فيه هو 30 يوما يحتسب من تاريخ الإشعار المذكور، أي لم يبق من هذا الأجل سوى أربعة أيام”، يضيف الجباري.
وكان “نادي قضاة المغرب” قد طالب بإسناد اختصاص النظر في الطعون في مقررات المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى مجلس الدولة، وتشبّث بهذا المطلب خلال الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، غير أن وزير العدل -آنذاك- دافع عن أن يكون الاختصاص للغرفة الإدارية بمحكمة النقض، بينما اعتبر “نادي قضاة المغرب” أن الغرفة الإدارية “لا يمكنها أن تراقب قرارات رئيسها”.