حرب غزة: دون اتصالات وإنترنت، كيف يكافح الصحفيون في غزة لإيصال الصورة للعالم؟
“رجعنا إلى ما قبل العصور الحجرية”، بهذه الكلمات لخّص الصحفي عماد أبو شاويش الحال الذي يعمل فيه هو وصحفيون آخرون – في قطاع غزة، بعد أن تكررت عملية قطع الاتصالات والإنترنت والكهرباء عن القطاع.
يعتمد الصحفيون في قطاع غزة على الاتصالات وخدمة الانترنت التي توفرها الشركات المحلية لإيصال ما يجري داخل القطاع في ظل الحرب، إلى العالم الخارجي، وفي ظل غياب وسائل أخرى كالإنترنت الفضائي ووسائل الاتصال عبر الأقمار الصناعية، لجؤوا إلى ابتكار طرق أخرى حتى لا تنقطع أخبار غزة عن العالم.
يقول الصحفي الغزّي معاذ العمور في تصريحات لبرنامج “غزة اليوم” الذي يبث على راديو بي بي سي إنه كصحفي، عانى كثيراً من انقطاع الاتصال، خاصة أثناء محاولة الوصول إلى أحدث الأرقام والإحصائيات الرسمية للحرب أولاً بأول، ويوضح العمور أنه اضطر إلى الذهاب بنفسه إلى ثلاجة الموتى في مستشفى ناصر لكي يقوم بعدّ جثامين القتلى وتوثيق عدد الجثث لتقديم إفادة صحفية بعددها.
“أهالينا من بين الجثث”
لكن الأمر لم يقتصر على المعاناة المهنية فقط، فهناك معاناة إنسانية من نوع خاص عاشها العمور في إحدى المرات التي زار فيها ثلاجة الموتى لتوثيق الإحصائيات، يقول العمور: “تفاجأت في إحدى المرات بوجود جثمان صديقي الصحفي عاصم كمال أبو موسى بين الموتى”.
ويصف العمور الموقف: “كانت بالنسبة لي صدمة كبيرة جداً أن أجد زميلاً صحفياً مجتهداً من بين الجثامين التي أقوم بإحصائها، خاصة وأنني قبل يومين من مقتله، كنت أتحدث معه عن أحلامه وطموحاته في نيل درجة الدكتوراة بعد أن حصل على درجة الماجستير في علوم الإعلام من جامعة الأقصى”.
ويضيف العمور: “نحن نعيش أياماً حالكة، أنا لست الصحفي الوحيد الذي تعرض لهذا الموقف، العديد من الزملاء فوجئوا مثلي بجثامين ذويهم وأصدقائهم بين القتلى في ثلاجات الموتى وهم يقومون بإحصاء عدد من فيها”.
وشككت بعض الجهات الإسرائيلية والغربية في دقة إحصائيات القتلى والجرحى جراء القصف الإسرائيلي المستمر على القطاع، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو ما دفع الصحفيين للمجازفة ومواجهة المخاطر للوصول إلى معلومات دقيقة وتوثيقها بكافة الطرق، بحسب ما روى عدد من الصحفيين لبرنامج غزة اليوم.
يقول الصحفي إسلام بدر، إن قطع الاتصالات يعني عدم القدرة على الوصول للمعلومة من مصادرها الدقيقة، وفي حال ما إذا غامر الصحفي ووصل للمعلومة بطريقة أو بأخرى، فإنه لن يتمكن من إيصالها للرأي العام بسبب قطع الاتصالات.
وتحدث بدر عن مخاطر أخرى يتعرض لها كصحفي أثناء محاولته مشاركة ما لديه من معلومات بالرغم من قطع الاتصالات قائلاً: “نجلس عدة ساعات من أجل تحميل مقاطع فيديو بجودة ضعيفة وبحجم صغير جداً، ونضطر للخروج لمناطق خطرة ومرتفعة في ظل هذا الظرف الأمني من أجل الوصول إلى شبكة الإنترنت، والتي غالباً ما يتم قطعها حتى في المناطق التي نستطيع الوصول إليها”.
مواجهة العزلة
يقول الصحفي عماد أبو شاويش إنه “تعرض للاستهداف المباشر دون سابق إنذار ما أدى لإصابته”، لكن ذلك لم يمنعه عن العودة لممارسة عمله الصحفي، موضحاً: “لست أنا وحدي.. أنا وكل الزملاء تعرضنا للقصف المباشر من الطيران الإسرائيلي، ودائماً ما كنا نُستهدف دون وجود تحذير مسبق”.
وقُتل عشرات الصحفيين منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي وفقد عدد كبير منهم أفراداً من عائلاتهم في القصف الإسرائيلي المتواصل على القطاع.
ويوضح شاويش لبرنامج غزة اليوم: “تعرضت لإصابة بالغة جراء استهدافي المباشر رغم أنني كنت بجوار سيارة إسعاف، وبالرغم من خطورة إصابتي، إلا أنني تعافيت منها وأكملت أداء عملي الصحفي لنقل الحقيقة”.
وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجهه كصحفي جراء قطع الاتصالات وخدمات الإنترنت بشكل متكرر، يقول شاويش إنه – هو وزملاؤه – اضطروا “لإيجاد طرق بديلة للتغلب على ذلك ومحاولة مواجهته، ومن بين تلك الطرق استخدام شرائح اتصال إلكترونية دولية (إي سيم)، ومحاولة تفعيل خاصية التجوال الدولي فيها لربطها بالشبكات المصرية والإسرائيلية، لمقاومة محاولة عزلنا عن العالم بقطع الاتصالات”.
ويضيف أبو شاويش إن قطع الاتصالات والإنترنت والكهرباء أدى لخسائر مادية ومهنية للعديد من الصحفيين الغزيّين، موضحاً أن العديد منهم “خسر عمله مع قنوات هامة وشركات إنتاج كبرى”، كما أصبحوا “غير قادرين على مواكبة الأحداث وإرسال الأخبار والتطورات لحظة وقوعها”.
ويقول أبو شاويش إن الصحفيين أصبحوا “غير قادرين على التواصل مع المصادر في الأماكن الخطرة، ما يضرهم، ويدفعهم للمخاطرة بأنفسهم والذهاب لتلك المناطق تحت القصف المكثف والعشوائي لمعرفة حقيقة ما يجري ونقله للعالم”.