أخبار العالم

أكاديمية المملكة تتدارس ترميم المواقع الأثرية المتضررة من زلزال الأطلس الكبير


تواصل أكاديمية المملكة المغربية العناية بموضوع إعادة بناء أو ترميم المواقع الأثرية التي تهدّمت أو تضررت جراء الزلزال الذي ضرب خمسة أقاليم وعمالة بالأطلس الكبير، يوم 8 شتنبر الماضي، لاسيما الحوز.

بعد يومين دراسيين تحت عنوان: “التفكير في آفاق الكرامة ما بعد الزلزال”، و”البناء بالمواد المحلية قصد مواجهة التحدي المزدوج للزلازل والتغيرات المناخية”، نظمت الأكاديمية اليوم يوما دراسيا حول “أركيولوجيا الإنقاذ: ‘تنمل’ والمواقع التاريخية في جهة الحوز”، حضره ثلة من الخبراء المغاربة والفرنسيين، بهدف الإسهام في المحافظة على هذا الموقع ومواقع تاريخية أخرى.

عبد الجليل الحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، أكد في مستهل مداخلته أن اهتمام الأكاديمية بالموضوع “ينبع من مهامها المرتبطة بالإسهام في التقدم العلمي والفكري والثقافي للمملكة، وتنمية الأعمال الرامية إلى التعريف بالموروث التاريخي للحضارة المغربية بمختلف تجلياتها، والارتقاء بالمعارف المتصلة بماضيها القريب والبعيد بهدف ترسيخ الهوية الوطنية”.

وجعلت أكاديمية المملكة المغربية مسجد “تنمل” الشهير موضوعا ليومها الدراسي، باعتباره موقعا أثريا تاريخيا بارزا يعود تاريخ بنائه إلى عام 1148 ميلادية، إبان حقبة الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي، وظل صامدا لتسعة قرون، وشاهدا على قيام الدولة الموحدية بمراكش والمغرب الأقصى، ثم بلاد المغارب والأندلس، قبل أن يدمره زلزال الحوز.

وكانت أكاديمية المملكة أكدت، في بلاغ بتاريخ 10 أكتوبر الماضي، على وجوب المحافظة والاهتمام بمسجد “تنمل”، مبدية استعدادها “مدّ يد العون للمؤسسات التي تحمل على عاتقها مسؤولية ترميم هذا التراث المادي الوطني الثمين”.

ولفت أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية إلى أن اليوم الدراسي حول أركيولوجيا الإنقاذ “يكتسي أهمية خاصة نظرا لما يتيحه هذا العلم من سبل لإجراء تقييم للمعرفة الأثرية، باعتباره أداة علمية لا محيد عنها لإجراء تشخيص علمي للمآثر المتضررة جراء الكوارث الطبيعية وغيرها؛ وتقييم حجم الضرر في المواقع وكيفية الحفاظ عليها من كل تلف محتمل”.

وأكد الحجمري أن الاهتمام بأركيولوجيا الإنقاذ “يمثل فرصة سانحة لمعرفة أصول علم يسهم في إدماج العنصر الأثري في المشاريع التنموية العامة”، مبرزا أن “هذا الصنف من الأركيويولجيا هو علم إنساني واجتماعي يهدف إلى ضمان الحفاظ على التراث الأثري في المدن كما في الأرياف”.

وذكّر المتحدث ذاته بما التزمت به أكاديمية المملكة المغربية في إطار مسؤوليتها العلمية والمعرفية، لمّا نظمت اليومين الدراسيين حول “التفكير في آفاق الكرامة ما بعد الزلزال”، و”البناء بالمواد المحلية قصد مواجهة التحدي المزدوج للزلازل والتغيرات المناخية”، بغاية التأكيد على ضرورة إجراء دراسة معمقة في المواقع الأثرية المتضررة بالتشاور مع المتخصصين في تاريخ العصور الوسطى، حماية لها وصونا لخصوصيتها الهندسية والمعمارية.

وترمي أكاديمية المملكة المغربية من اليوم الدراسي الذي تنظمه حول “أركيولوجيا الإنقاذ: ‘تنمل’ والمواقع التاريخية في جهة الحوز” إلى تعبئة طاقات فكرية متعددة التخصصات، للخروج بتوصيات يقدمها خبراء من تخصصات مختلفة، “تكون مفيدة للمهندسين والمعماريين وعلماء الآثار والمؤرخين بخصوص حماية كل المآثر والمواقع المتضررة جراء زلزال الحوز”، وفق الحجمري.

ونوّه المسؤول ذاته إلى أن المباني التاريخية تعدّ “تعبيرا عن هوية الأمة وفخرا لها ودليلا على عراقتها وأصالتها من بين كل الأمم والحضارات”، مؤكدا أن الاستثمار في التراث الأثري “يعدّ أحد المشاريع المربحة في الاقتصاديات المعاصرة”.

وبالتالي، يردف المتحدث ذاته، “تُعتبر أركيولوحيا الإنقاذ ذات أهمية بالغة، على اعتبار أن تطهير المواقع يكون من اختصاص الباحثين والعلماء في المجال، لما تحتويه طبقات الانهيار السميكة التي تغطي أرضية تلك المآثر من معلومات مهمة ومفيدة ومُعينة على فهم الأبعاد التاريخية والمعمارية لتلك الآثار، من الزخارف الجبصية التي سُحقت أثناء سقوطها، إلى بقايا الأعمدة والقِباب والزخارف وغيرها من المعطيات التي لا تقدّر بثمن بالنسبة للتاريخ الفني وتاريخ العمارة في المغرب والعالم”.

كما شدد أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية على ضرورة الاهتمام بكل البقايا الناتجة عن انهيار المآثر التاريخية والاحتفاظ بها لإعادة استعمالها إن أمكن، “لأنها بقايا شاهدة على حقبة تاريخية مجيدة من تاريخ الأمة”، وأردف بأن “الإتقان الفني وبراعة أنامل الصناع والبنائين المغاربة سيجعل من الممكن إعادة ترميم كل المباني الأثرية على النحو الذي كانت عليه في الأصل، مهما لحقها من دمار نتيجة للكوارث الطبيعية، من تعرية ورطوبة أو انجرافات… وما يمكن أن تتعرض له من أخطار بشرية لا تعي بقيمتها الحضارية”.

وأبرز الجحمري أن أركيولوحيا الإنقاذ “تعلمنا أن كل ترميم يفتقر إلى العلمية والمهنية يعرّض المباني الأثرية ذات يوم للسقوط والانهيار نتيجة سوء الترميم أو عدم استعمال المواد البنائية الملائمة، والأخطاء التقنية التي قد يرتكبها غير المختصين في ترميم تلك المآثر، كاستعمال الإسمنت المسلح الذي يتنافى مع ترميم المبنى التاريخي”.

وحذّر أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة من “أن الترميم ليس هو الصيانة”؛ مشيرا إلى أن ترميم المباني التاريخية “لا يكون ترميما عشوائيا، ولا بد أن يستند إلى معطيات علمية تحفظ للمباني المرممة طابعها التاريخي، اعتمادا على مهارات الصناع والحرفيين، وعلى آراء علماء الآثار والمهندسين والمؤرخين وغيرهم”.

وختم المتحدث بأن “أهل الاختصاص أدرى وأعلم؛ وأركيويولجيا الإنقاذ ترمي إلى التفكير في قواعد لإعادة البناء والترميم وإطالة الوجود بالنسبة لكل المعالم الأثرية التاريخية المتضررة وحمايتها، وفق قواعد علمية مضبوطة وفي احترام تام لحالتها وموادها الأصلية المحافظة على قيمتها الجمالية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى