ندوة تناقش واقع “الأحداث في نزاع مع القانون” بين المؤسساتي والإصلاحي
نقاش مستفيض حول موضوع “الأحداث في نزاع مع القانون: الواقع المؤسساتي ومتطلبات الإصلاح”، انتظَم بين فاعلين وخبراء قانون مختصّين، فضلا عن ممثلي مؤسسات عمومية متدخلة ضمن فعاليات مائدة مستديرة نظَّمها مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية، بتعاون مع “مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن” (ديكاف DCAF)، شهده اليوم الأربعاء 13 دجنبر أحد فنادق العاصمة الرباط.
النقاش تميّز بإسهام قوي لعدد من الفاعلين والمتدخلين في تدبير قضايا “الأحداث في نزاع مع القانون” بالمغرب، فيما افتُتحت أشغال المائدة النقاشية بكلمة كل من الحبيب بلكوش، رئيس مركز حقوق الإنسان والديمقراطية، وسيسيل لاكَوت، المسؤولة عن المغرب ومنطقة “مينا” في مركز جنيف لحوكمة الأمن؛ فيما سيّرت الجلسة نبيلة جلال، المحامية بهيئة الدار البيضاء.
الحبيب بلكوش، رئيس مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية، أكد، ضمن كلمته، على محورية طرح موضوع الأحداث للنقاش من زوايا متعددة تتداخل فيها المداخل القانونية-القضائية بالتربوية-التوعوية والمدنية-الجمعوية، مشددا على أن “الأحداث الذين هم في وضعية نزاع مع القانون أو سبق لهم أنْ عاشوا تجربة الاعتقال يعيشون واقعاً مؤسساتيا مازال يتطلب الإصلاح؛ وهو ما يجعلهم في دائرة اهتمام وتفكير مَركزنا”.
ولفت بلكوش إلى أن “المركزيْن معاً، المغربي وشريكه السويسري، أعدَّا بالموازاة مع الإعداد لهذه المائدة المستديرة دراسة مفصلة ستُناقَش بعض مضامينها خلال الندوة؛ لاسيما في ما يتصل بـ’واقع أماكن الحرمان من الحرية المخصَّصة للأحداث في نزاع مع القانون، في الحالة المغربية’، وهي دراسة حديثة صدرت ضمن كتاب وأشرف على إنجازها فريق مشترك من 5 خبراء مغاربة وأجانب”.
الواقع التشريعي-القانوني للأحداث
في مداخلة تناولت “الواقع التشريعي المُنظم لمراكز الحرمان من الحرية الخاصة بالأحداث: التحديات ومداخل الإصلاح”، تحدث إدريس بلماحي، محام وأستاذ في القانون، عن أهمية “محيط الطفل/ الحَدَثِ في علاقة بالجريمة المرتَكَبة”، مع تركيز خاص على ثلاثية “الأسرة-الحيّ-المدرسة”، التي قال إن “لها تأثيرا كبيراً على نوعية الجرائم المقترفة وطبيعتها”.
كما سجل بلماحي، ضمن أبرز نقاط مداخلته، ما وصفه بـ”تراجع كبير في عدد العائلات المغربية التي تظل في نزاع مباشِر مع القانون”، مستنداً إلى نتائج الدراسة المذكورة التي تتوفر جريدة هسبريس الإلكترونية على نسخة منها؛ وأثار ما وصفه بـ”إشكال التربية” في ازدياد جرائم الأحداث وانحرافاتهم، مشددا على أهمية “تدعيم التكوين في مجال حقوق الإنسان لأنه يعاني نقصاً كبيرا”.
وبخصوص البيئة القانونية قال المحامي ذاته إن “العدالة الجنائية للأحداث المقرة منذ سنة 2003 نصّ متقدم، لكن في البدائل مشكلا؛ ما يعني استمرار الأمر إذا لم نُعالج ضُعف الدعم القانوني للأحداث عبر مواكبة سوسيو-نفسية من بداية المسار إلى نهايته (هذا فضلا عن المؤازرة القضائية الواجبة)، وكذا إعادة النظر في وضعية مراكز حماية الطفولة”.
مؤسساتياً، رصد الأكاديمي في القانون أن “إصلاح قانون المسطرة الجنائية بالمغرب سنة 2003 أريد به تمكينُ الحدث من آليات مؤسساتية كبيرة محمودة، لكنه بالمقابل سقط في التعقيد، ما أسفر عن تعدد المتدخلين بين الغُرف القضائية بالمحاكم المختصة…”، موصيا بـ”بناء القدرات وتوحيد الجهود والمعايير، مع الاستفادة من التعاون والخبرة الدوليين لضمان الفعالية والنجاعة”.
“قضاء الأحداث”.. أدوار وتحديات
مداخلة فاطمة أوكادوم، خبيرة في عدالة الأحداث والرعاية البديلة، تمحورت حول “قضاء الأحداث”، مستعرضة “أدواره وتحدياته”، التي قالت إنها تخضع لـ”مبدأ الملاءمة بين خطورة الفعل والعقوبة السالبة للحرية”، قبل أن تسجل أن بعض القضايا بالمغرب “لا تستحضر البعد الحمائي الدولي لعدالة الأحداث”.
ولفتت أوكادوم وهي تتحدث خلال المائدة المستديرة إلى أن “المغرب يتوفر منذ مطلع الألفية الثالثة على نصوص متقدمة تهم عدالة الأحداث، إذ سعى المشرّع إلى مُلاءمة التشريع الوطني مع الدولي”، قبل أن تستدرك بأن “الإجراءات المُرافِقة غاب عنها التوجه الإصلاحي”، وفق توصيفها.
وأثارت الخبيرة في قضايا عدالة الأحداث بالمغرب الانتباه إلى “غياب التخصص على مستوى الممارسة، إذ لَم يُنزِّل المشرّع أي محكمة متخصصة بالأحداث، علماً أنه قبل 2003 كانت هناك دوائر أمنية خاصة بالأحداث في أغلب المدن”، وتابعت في محاولة تفسير: “..ربّما اعتباراً لخصوصية الفئة السِّنية التي ستقف أمام هيئات هذه المحاكم المتخصصة… كما غاب في الممارسة وتطبيق القانون مفهومُ إعادة التأهيل، سواء في الوسط الأسري أو المدرسي…”؛ كما أشارت إلى “أدوار قضاة الأحداث وعملية اختيارهم وتعيينهم” (يعيّن لمدة لا تتجاوز 3 سنوات)، مسجلة أن أغلبهم يعتبرونها “مهمة وعبئاً ثقيلا”.
“تردي واقع مراكز حماية الطفولة”
صوت الجانب التربوي-التكويني في الموضوع لم يَغب، وجاء ممثَّلا عبر عبد اللطيف كداي، عميد كلية علوم التربية بالرباط، الذي ألقى كلمة بعنوان “البحث العلمي وواقع الطفولة في نزاع مع القانون”، ملقياً الضوء على “واقع مرير لمؤسسات التربية ومراكز حماية الطفولة التي يمكن اعتبار بعضها نوعا غير مصنَّف من الفنادق بالمغرب”، وفق وصفه.
ومضى كيداي متسائلا عن وضعية وتعريف “أماكن حرمان الأحداث من الحرية”، “هل هي مؤسسات إيداع أو مؤسسات للعلاج والإصلاح؟”، قبل أن يحاول الإجابة تبعاً للخيار الثاني بأن المفروض فيها أن تعمل “وفق غايات بيداغوجية”.
ونبه عميد كلية علوم التربية إلى “قلة الأبحاث العلمية والمقالات في هذا الموضوع، رغم كثرة خرّيجي شعب مهتمّة بقضايا الجانحين الأحداث، لكن بعضهم مازالوا في عطالة إلى حد الآن”، داعيا إلى “تفحص المقاربة العلاجية” عبر 3 مقاييس: “مدى ملاءمة مشاريع المؤسسة للمهام الموكولة لها وأهدافها، مدى استجابة مشاريع مؤسسات لحاجيات الوافدين بتعدد أصنافهم، مدى قدرة المؤسسة على إعادة تأهيلهم وضمان إدماجهم”.
ووصف كداي واقع بعض “مؤسسات حماية الأحداث” بأنه “كارثة حقيقية وهي حاليا ميّتة، مقارنة مع وضعها قبل عقد فقط”، مجملاً بأن “المشكلة في سياسات عمومية قطاعية يجب أن يعاد فيها النظر”.
كما اعتبر المتحدث ذاته أن “تدابير الإيداع يجب أن تكون آخر الحلول والملاذ الأخير أمام قاضي الأحداث”، وهذا “من أجل التأهيل وضماناً ألا يُعيق الإدماج”، داعيا إلى إغلاق “مؤسسات حماية الطفولة التي رَفضت أن تتطور من حيث أساليب العمل التكوين أو التنظيم”، وزاد: “يجب أن تكون لنا جرأة قول وفعل هذا اليوم”.