روسيا وأوكرانيا: هل تخسر كييف الحرب أمام موسكو إذا توقفت المساعدات الأمريكية؟
- Author, جوناثان بيل
- Role, مراسل شؤون الدفاع
إذا فقدت أوكرانيا المساعدات الأمريكية فإنها ستكون معرضة لخطر الهزيمة في الحرب، ليس فورا، ولكن على المدى الطويل.
وهذا سبب زيارة الرئيس فلوديمير زيلينسكي للولايات المتحدة، فهو سيسعى إلى إقناع الكونغرس بالموافقة على حزمة من المساعدات قيمتها 60 مليار دولار، ظلت مجمدة وسط جدل بشأن الأمن على الحدود الأمريكية.
ونبهت السيدة الأولى الأوكرانية، أولينا زيلينسكا، إلى إن أوكرانيا ستواجه خطرا قاتلا بدون الدعم الأمريكي المستمر.
وعبر مسؤولون غربيون لبي بي سي عن ثقتهم في أن الولايات المتحدة ستتوصل إلى مخرج من وضعية الجمود الحالية. ولكن حتى أن تمكن الرئيس بايدن من حلحلة الوضع فإن المخاوف لن تزول نهائيا، فالانتخابات الرئاسية تحمل معها المزيد من الشكوك.
فالولايات المتحدة هي التي وفرت حصة الأسد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وليست أوروبا. وإذا كانت أوروبا في طريقها لتتجاوز الولايات المتحدة في المساعدات الاقتصادية لأوكرانيا، فإن الولايات المتحدة لا تزال متقدمة في الدعم العسكري.
وحسب معهد كيل، الذي يرصد حجم المساعدات، فإن الولايات المتحدة منحت لأوكرانيا مساعدات عسكرية بقيمة 44 مليار دولار. أما أكبر المانحين الأوروبيين فهي ألمانيا، التي ساهمت بمساعدات قيمتها 18 مليار دولار.
ولم يقتصر دور الولايات المتحدة على دعم المجهود الحربي لأوكرانيا، بل إنها كانت بشكل واسع وراء تنسيق هذا الدعم.
ويوجز جاك ولتينغ من معهد دراسات الدفاع “الخدمات الملكية المتحدة” الأمر بقوله: إن أوروبا ليس باستطاعتها تعويض ما كانت توفره الولايات المتحدة”.
ويضيف أن أوروبا “أهدرت” فرصة استغلال العامين الماضيين لرفع قدراتها الانتاجية من التجهيزات العسكرية والذخيرة.
وقال: “وليس هناك حاليا قدرات تصنيع كافية، لأن الدول الأوروبية أخفقت في الاستثمار”.
والمثال على ذلك هو الاعتراف الأخير لوزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، بأن الاتحاد الأوروبي لن يحقق هدف تزويد أوكرانيا بمليون قذيفة مدفعية بحلول شهر مارس/ أذار المقبل. وفي الواقع سيرسل إلى أوكرانيا أقل من نصف هذه الكمية.
هذا في حين أن أوكرانيا بحاجة إلى 2.4 مليون قذيفة مدفعية في العام للاستمرار في مجهودها الحربي.
ولا تزال أغلب دول الاتحاد الأوروبي، الأعضاء في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، بعيدة عن هدف استثمار نسبة 2 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، وهوما اتفقت عليه منذ عقد من الزمن.
وقال وزير الدفاع البريطاني، غرانت شابس إن أوروبا مطالبة بالمزيد من الجهد، فبغض النظر عن أوكرانيا، لا يمكننا أن نتوقع دائما من الولايات المتحدة أن تطير لإنقاذ أوروبا.
الاقتصاد الروسي خلال الحرب
لقد حولت روسيا فعلا اقتصادها إلى الأسلوب الحربي. فالحكومة الروسية تنفق في تقدير الأوروبيين ما يقارب 40 في المئة من ميزانيتها على الدفاع والأمن، أي أكثر من مخصصات الصحة والتعليم معا.
واستلمت روسيا العام الماضي 40 من مسيرات شاهد الهجومية من إيران. وهي الآن تنتج ما يصل إلى 300 في الشهر.
وفي نهاية 2020 كانت روسيا قادرة على إنتاج 40 صاروخا طويل المدى في الشهر الواحد. أما اليوم فهي تنتج مئة، على الرغم من العقوبات الغربية.
ورفعت أيضا قدراتها على إنتاج القذائف المدفعية، وإعادة ملء مخزونها المتناقص بمساعدة كوريا الشمالية.
ومع هذا، فإن روسيا لا تزال عاجزة عن تعويض خسائرها من العتاد والقدرات البشرية. وبحسب التقديرات الأوروبية فإن روسيا كانت تخسر ألف جندي في اليوم، خلال نوفمبر تشرين الثاني، في هجومها على أفديفكا شرقي أوكرانيا وحدها.
الإرهاق الحربي
تبخر التفاؤل الغربي الذي أعقب النجاح الأوكراني في بداية الهجوم المضاد العام الماضي.
ولم يحقق الهجوم الأوكراني خلال الصيف الآمال التي كانت معلقة عليه. فقد أخفق في تحقيق أهدافه باختراق خطوط الدفاع الروسية الرئيسية في الجنوب.
ويتوقع وتلينغ أن يتحول النزاع إلى حرب طويلة المدى، “تؤدي إلى التعب وتغير حسابات الناس وتقديرهم للمخاطر”.
ويشير معهد كيل إلى ان التعهدات بمساعدة أوكرانيا بين أغسطس/ آب، وأكتوبر/ تشرين الأول تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ يناير/ كانون الثاني 2022. فمن أصل 42 دولة، التزمت 20 دولة فقط بتقديم حزمة مساعدات جديدة خلال تلك الفترة. بينما بلغت النسبة 90 في المئة في العام السابق.
وتقول أغلب الدول الداعمة لأوكرانيا، على الأقل في العلن، إن عزيمتها لم تتراجع. ولكن بعضها أصبحت عاجزة عن تقديم الحجم نفسه من المساعدات، كما أن مخزونها تناقص أيضا.
وسحبت سلوفاكيا بحكومتها الجديدة المساعدات نهائيا.
ولا يزال الغموض يسود حجم المساعدات التي ستتلقاها أوكرانيا من هولندا مستقبلا، عقب فوز حزب خيرت ولدرز اليميني المتطرف في الانتخابات. وكانت هولندا حتى الآن دائما رئيسيا، إذ وعدت بتزويد أوكرانيا بطائرات أف 16.
التأثير على العمليات المستقبلية
ولا يرجح أن يكون لهذه الأسئلة المتعلقة بمستقبل المساعدات الغربية تأثير فوري على ساحة المعركة.
ويرى مسؤول غربي أنه من غير المتوقع أن يحقق أي طرف تقدما نوعيا في الأشهر القليلة المقبلة. فكلاهما متمترس وراء خطوطه الدفاعية. والعمليات الهجومية هي التي تستهلك أكبر الموارد.
ولكن أوكرانيا مرغمة على ترشيد استعمال الذخيرة في الأشهر المقبلة، وعليه فهناك احتمال بأن تفقد من قوتها أكثر.
وهناك جانب يمكن أن يضعف القدرات الدفاعية الأوكرانية، وهو ما جاء على لسان مستشار البيت الأبيض للأمن القومي، جاك سوليفان، عندما قال لصحيفة نيويورك تايمز إنه لم يعد بمقدور الولايات المتحدة إرسال أنظمة الدفاع الجوي مثل بطاريات وصواريخ باتريوت إلى أوكرانيا.
ويتزامن هذا التحذير مع استعداد روسيا لاستهداف منشأت أساسية في أوكرانيا في الأسابيع المقبلة.
وقد تكون لغياب الوضوح بشأن المساعدات العسكرية الأمريكية تبعات أخرى، إذ يقول واتلينغ الذي عاد للتو من أوكرانيا إن الشكوك بشأن المساعدات لها فعلا تأثير كبير على قدرات أوكرانيا التخطيطية.
ويقول إن الجمود الحالي في الكونغرس الأمريكي يعطل قدرات أوكرانيا ليس فقد على الإعداد للخطوة التالية في ساحة المعارك، وإنما أيضا على الترويج لها للحصول على الدعم الغربي.