مسارات مغاربة في كيبيك .. لينا الإدريسي تخدم التجارة بالخبرة القانونية

يلوح مسار لينا الإدريسي في كيبيك متمسكا كثيرا بالخصوصية الهوياتي، على الرغم من أن صاحبته من مواليد الديار الكندية. كما يبدو هذا المسار مليئا بالتحديات القائمة على رفض الصور النمطية من أجل الوصول إلى مراتب تكسر، على مراحل متتالية، النظرة البسيطة إلى قدرات ذوي الأصول الأجنبية، وتكسب نقاطا لصالح العيش المشترك في مواجهة المثبطات.
حال ارتداء الإدريسي لـ’’الحجاب’’ دون نجاحها في السير وراء حلمها بأن تصير ‘’شرطية ميدانية’’، كما استشعرت أن تغطية رأسها بقطعة قماش تحول دون ممارسة مهنة المحاماة إذا ما حاولت القيام بذلك وفق الكيفية العادية في كيبيك. وبسبب ذلك سطرت مسارا مهنيا يحقق مبتغاها بأن تغدو خبيرة قانونية تتعاطى مع التشريعات في نشاط تجاري ممتد على عموم تراب كندا.
تركيز على الخصوصية
ولدت لينا الإدريسي على التراب الكندي، وحظيت بالعناية في أحضان أسرة وافدة من الدار البيضاء إلى كيبيك في عقد الثمانينيات من القرن العشرين، مستفيدة من تنشئة حريصة على تمكينها من المحافظة على القيم الأساسية والهوية الأصيلة لجذورها المغربية، من ناحية، وإعطائها ما يتيح الاندماج بسلاسة في فضاء العيش بأمريكا الشمالية، من ناحية ثانية.
وتقول لينا: ‘’كانت البنيات الهوياتية القادرة على احتضان القادمين من المغرب قليلة جدا حينها. وما توفر في ذلك الآن على الصعيدين المدرسي والمسجدي، على سبيل المثال لا الحصر، كان يراعي خصوصيات جاليات أخرى. لهذا، كان الوالدان يصران على حديث الجميع بالدارجة المغربية في البيت، ويشددان على إلزامية حضور حصص تعلم اللغة العربية التي يدفعون مستحقاتها”.
انطلق المسار التعليمي للإدريسي من فضاء مدرسة خصوصية إسلامية مشتهرة اختصارا باسم ‘’MCQ’’، وفيها قضت قرابة 3 سنوات قبل أن تغير أسرتها حيز الاستقرار؛ ما أملى على لينا الالتحاق بالصفوف العادية للنظام التعليمي في كيبيك، وقد كان ذلك حين وصلت إلى الربيع 8 من عمرها.
مفعول ارتداء الحجاب
أملت لينا الإدريسي في أن تغدو شرطية ميدانية مستقبلا. وحين وصولها إلى الطور التعليمي الثانوي حاولت التركيز على هذا المبتغى، من خلال التسجيل في برنامج دراسي رياضي؛ وهو خيار يستند على استبدال قدر وافر من حصص البرنامج التعليمي العادي بأخرى ذات صلة بالأداء البدني، ليكون التميز الرياضي متوفرا في كل تلميذ عند الوصول إلى مرحلة التخرج.
وعن هذا السعي تذكر لينا: ‘’كنت منجذبة إلى كرة القدم في الصغر. كما قررت الولوج إلى البرنامج الرياضي الثانوي حين ارتأت أن الوظيفة الأمنية قد تكون ملائمة لي في المستقبل. وكنت في ذلك الوقت منبهرة بتدخلات الشرطة على أرض الميدان؛ لكنني صدمت، لاحقا، عند التواصل مع أمنيين زاروا المؤسسة التعليمية للتواصل مع التلاميذ، حين أخبرتني شرطية أن النساء مرتديات الحجاب توكل إليهن مهام مكتبية”.
حرصت الإدريسي على تعديل مسارها التعليمي الثانوي بالعودة إلى المسار العادي، مختارة استيفاء المطلوب منها في شعبة العلوم التطبيقية، ومقبلة على الحياة الجمعوية والأنشطة التطوعية المترافعة عن حقوق التلاميذ أمام الإدارة، لينبعث فيها حلم الغدو محامية قبل أن تصطدم، مرة أخرى، بتوصية تنظر إلى الحجاب فوق رأسها؛ إذ أخبرتها مستشارة في التوجيه بأن التكوين المهني في التقنيات القانونية يبقى ملائما أكثر لقدراتها.
التمسك بالأهداف
استغرقت لينا الإدريسي 3 سنوات للتخرج حاملة دبلوما في التقنيات القانونية؛ ما جعلها مؤهلة لانتزاع فرصة عمل مكتبي لدى المشتغلين في المهن ذات الصلة بالقضاء، فالتحقت بمكتب للمحاماة للحصول على فرصة احتكاك أولي بهذا الميدان، لكن معرفة مشغلها برغبتها في أن تصير محامية جعله يقدم لها يد المساعدة لدراسة العلوم القانونية في جامعة أوطاوا.
“كان الحظ حليفي في هذه المرحلة، وساير طموحاتي، على الرغم من وجود زملاء وزميلات لي لم يكونوا مرحبين بهيئتي المختلفة عنهم في فضاء العمل. ومن أجل تقوية موقفي، حرصت على مراعاة الجودة في القيام بالموكول إلي، وأيضا تعزيز رصيدي الشخصي بالوجود في التنظيم الطلابي الجامعي، والاستفادة من تبادل للتكوينات جعلني أستقر شهورا في كوريا، زيادة على تأسيس ورئاسة جمعية للتجارة الدولية’’، تعلن لينا.
أفلحت الإدريسي في الولوج إلى مهنة المحاماة، وصار أداؤها المهني مرتبطا بمحاكم كيبيك وأونطاريو في كندا، إلى جانب كونها مقبولة بهيئة المحامين في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، ثم واصلت التحصيل من خلال ماستر في السياسات والقوانين الصحية، لتنتقل من التعامل مع ملفات النزاعات التجارية إلى التعاطي مع قضايا المسؤولية الطبية، متوجة هذه الفترة المهنية بافتتاح مكتب محاماة خاص بها.
بين القانون والأعمال
تخلت لينا الإدريسي عن مكتب المحاماة الخاص بها بعد حصولها على عرض مهني يرتقي بأدائها إلى الممارسة على صعيد التراب الكندي بأكمله، وتكون له نتائج على الصعيد الدولي، إذ أخذت سنة راحة للتفكير في ما قدمته شركة ‘’Messer’’، المتخصصة في مجال الغازات الطبية والصناعية، قبل أن تقرر الموافقة على خوض التجربة الجديدة.
وعن هذه النقلة تعلن لينا: ‘’هذه الشركة معروفة دوليا، لديها امتدادات في عموم أمريكا الشمالية، وحاضرة في كل من أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية، كما توجد في الجزائر على المستوى الإفريقي. وقد ارتأيت أن رئاسة الشؤون القانونية لاشتغالاتها على الصعيد الوطني في كندا يتيح لي التطور، من جهة، وإبراز قدراتي بكيفية ملائمة لي، من جهة ثانية”.
صلاحيات الإدريسي في ‘’Messer Canada’’ ليست قانونية صرفة؛ بل تمنح الاستراتيجيات التجارية للشركة ما تحتاجه من مساندة نوعية مبنية على الإلمام بالنصوص القوانين والقرارات الإدارية الجاري بها العمل. لذلك، يرتبط الأداء الوظيفي للخبيرة نفسها، بمعية الطاقم الذي تشرف عليه، بمراجعة بنود العقود قبل إبرامها، والتدقيق في تفاصيل طلبات العروض قبل إطلاقها.
نظرة إلى المستقبل
تعتبر لينا الإدريسي أنها تبقى راضية عن أدائها المهني الذي بنته على دفعات، خاصة أن موقعها الحالي يرتبط بسقف المسؤوليات القانونية في الشركة التي تشغلها. ويتعزز هذا الشعور بناء على الارتباط العضوي في المهام المستندة إليها بين الخبرة القانونية واستحضار المخاطر المعاملاتية في المجال التجاري؛ زيادة على ما هو حاصل في عمل الشركة من استحضار للصفقات ذات الصلة بالمجال الصحي.
وتقول لينا: ‘’ما زلت حاضرة في الأداء التطوعي طبعا، ويتم ذلك من خلال مصحة قانونية توفر الدعم للمحتاجين إليه في الصحة النفسية والعقلية، إذ أحاول الترافع عن حقوقهم في فضاءات الاستشفاء عموما وتمكينهم من المساندة التي تليق بكل حالة على حدة عند التعرض إلى معاملات ذات طبيعة تمييزية”.
من جهة أخرى، لا تزال طموحات الإدريسي مرتبطة بتجريب نشاط على التراب المغربي، مقتفية أثر أخت لها سارت على المنوال نفسه. وترى لينا أنها قادرة، في المستقبل، على الاقتران بإحدى الشركات الكبرى التي لها مخطط للعمل في الوطن الأم، مبتغية بذلك البصم على هجرة معاكسة تجعلها مستقرة في المغرب.
الهجرة والتنازلات
تعكس لينا الإدريسي تجربتها الخاصة على النصائح التي يمكنها أن تقدمها للوافدين الجدد على كيبيك وعموم كندا، معتبرة أن الباحثين عن قصص نجاح خارج المغرب عليهم، أولا وقبل كل شيء، الوعي بضرورة التمسك بالأحلام حتى آخر المطاف والبقاء متحفزين أمام التحديات الكثيرة التي تنتظرهم؛ خاصة ما يقتضي التعاطي مع أفعال عنصرية طارئة بين الحين والآخر.
وتضيف لينا: ‘’عدد كبير من ذوي الأصول المغاربية، وبينهم قدر وافر من المغاربة، لا يزالون ضحايا للعنصرية على أكثر من مستوى في كندا، إذ يتم تصريف الصدام بين الثقافات المختلفة إلى ممارسات عنصرية لا تتخطى الكلام في أحيان كثيرة، بينما هناك حالات يصير فيها المهاجرون عرضة لممارسات عملية تمييزية واضحة”.
“النجاح يبقى نسبيا، وقياسه مبني على النظر إلى الكلفة.. إذ لا وجود لنجاح قائم على إسقاط الهوية الأصلية إرضاء للغير، فهذا انجرار وتيه وانصهار تام لا يبقي المرء كما هو، بل معانقة الأحلام وتحقيق الأهداف هما مرادفان لفرض الذات دون اللجوء إلى تقديم تنازلات حادة أو مجاراة الآخرين على حساب القيم الأصلية’‘، تختم لينا الإدريسي.