هل يجب أن نخشى وباء آخر”قادما من الصين”؟
- Author, هيفار حسن
- Role, بي بي سي نيوز – عربي
منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تراقب منظمة الصحة العالمية بيانات لأنظمة المراقبة الصينية، كشفت ارتفاعاً في عدد المصابين بأمراض الجهاز التنفسي لدى الأطفال شمالي الصين، وقد أكدت لجنة الصحة الوطنية الصينية الأمر، بينما أرجعت السلطات هذا الارتفاع إلى رفع قيود كوفيد-19 ودخول فصل الشتاء الذي يعد موسم انتشار الفيروسات.
وسرعان ما انتقلت هذه المخاوف إلى العالم بعدما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صوراً ومقاطع فيديو لأطفال يتلقون حقنا وريدية في مستشفيات صينية تغص بالمرضى، ولا سيما بعد أن نصحت السلطات في تايوان، كبار السن والصغار وأولئك الذين يعانون من مناعة ضعيفة بتجنب السفر إلى الصين.
فهل الأمر كما تصوره السلطات الصينية لنا أم أنه تهديد وبائي آخر؟
لماذا ظهرت المخاوف؟
يؤكد الخبير في علم الأدوية والأوبئة، بلال زعيتر، في حديثه لبي بي سي نيوز عربي، أن الحالات المرضية التي انتشرت في الآونة الأخيرة بالصين ليست ناتجة عن فيروس جديد، بل هي أمراض موسمية تنفسية ناتجة عن خليط من الجراثيم المعروفة مسبقاً مثل المفطورات الرئوية الميكوبلازما والفيروس المخلوي التنفسي، ومعظم هذه الحالات ليست بالخطيرة، إذ يتعافى معظم المصابين بها خلال فترة قصيرة نسبياً”.
وهذا ما تؤكده وزارة الصحة الصينية أيضاً، التي تنفي وجود أي وباء جديد، موضحة أنه لا داعي للقلق لأن الأنفلونزا وغيرها من الفيروسات والبكتيريا المعروفة هي سبب زيادة هذه النسبة.
ورغم أن بعض الخبراء يشككون في هذه التفسيرات المفرطة في التبسيط، إلا أن زعيتر يقول إن: “المفطورات الرئوية لا تشكل مصدر قلق كبير، لأنها موجودة ومنتشرة في كل دول العالم، ولا سيما في موسم البرد أثناء فصلي الخريف والشتاء، ولا داع للهلع، لأن المصاب بها يتعافى خلال فترة وجيزة ما لم يكن يعاني من مرض مزمن آخر كضعف المناعة على سبيل المثال”.
ويضيف: “هناك حالة من الاستنفار الوبائي عالمياً بسبب تجربة فيروس كورونا، لذلك يجب على جميع السلطات الصحية في جميع أرجاء العالم، مراقبة أي انتشار لأي مرض معد في هذه المرحلة، ورغم أنه ليس هناك داع للقلق في الوقت الحالي، إلا أنه يجب أخذ الحيطة والحذر واتخاذ الاجراءات الوقائية اللازمة تجنباً لتكرار ما حدث قبل أربع سنوات، عندما انتشر فيروس كورونا حول العالم في الوقت الذي كان يمكن حصره في مراحله المبكرة في ووهان، المدينة الصينية التي انتشر فيها الفيروس لأول مرة”.
وما يزال كثيرون يشككون في الإحصائيات وأعداد الوفيات في الصين إلى حد كبير؛ إذ لا تزال الصين تقول إن إجمالي أعداد الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا، لم يتجاوز 120 ألف شخصاً، في حين تشير التقديرات المستقلة إلى أن العدد ربما كان أكثر من مليونين من الوفيات نتيجة تفشي المرض في مراحله الأولى وحدها.
والآن، يحدث ذات الشيء، حيث يجري إسكات الأطباء الصينيين مرة أخرى ويُمنعون من التواصل مع نظرائهم الدوليين، ما يشير إلى احتمال حدوث عملية تستر أخرى.
“ديون المناعة”
يرى بعضهم أن ارتفاع معدلات الإصابات في فصل الشتاء كان بسبب انخفاض الفيروسات الموسمية أثناء عمليات الإغلاق، وأن الناس الآن يدفعون “دين التحصين” أو حسبما يطلق عليه ( Immunity Debt ) الذي تراكم نتيجة لانخفاض معدلات العدوى الشائعة خلال عمليات الإغلاق التي فرضها فيروس كورونا في عامي 2020 و2021.
لكن يبدو أن الخبراء منقسمون حول ما إذا كان مفهوم الدين حقيقياً أم لا.
وتحدث “ديون المناعة” حينما يستأنف الناس حياتهم المعتادة بعد انعزالهم لفترة طويلة أو ابتعادهم عن مسببات الأمراض.
يقول إسلام عنان، أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم الأوبئة في جامعة مصر الدولية لبي بي سي نيوز عربي: “إن وجود الفيروسات المهيمنة (Dominating virus) يجعل الفرد أكثر عرضة للإصابة بها في العام التالي إذا لم يكن قد أصيب بها أثناء انتشار كورونا، وقد انتشرت هذه الفيروسات حاليا لأنها لم تكن من الفيروسات المهيمنة خلال السنوات القليلة الماضية، وبالتالي لم يصب كثيرون بها بسبب الإغلاق”.
لكنه يوضح أنه “تاريخياً، لم يحدث أن تفشى وباءان بهذا الحجم خلال فترة وجيزة ومتقاربة”.
فهل الصين الآن في مرحلة تسديد ديونها نتيجة إبقائها على عمليات الإغلاق لفترة أطول من الدول الأخرى أم يجب على العالم أن يشعر بالقلق بسبب تستر الصين في الماضي على تفشي فيروس كورونا؟
يقول لنا عنان: ” لا نحن ولا حتى منظمة الصحة العالمية قادرة على الوثوق بالمعلومات والبيانات الواردة من الصين، بسبب تجربة كورونا سابقاً، ما يجعلنا أكثر حذراً هذه المرة، لذلك من الضروري التركيز على نظام المراقبة واتخاذ الإجراءات والسياسات الصحية الوقائية في مراحل مبكرة”.
وليس لدى منظمة الصحة العالمية سلطة إنفاذ سياسات صحية معينة أو فرض قوانين على الدول، لأنها في نهاية المطاف جهة استشارية متخصصة في الصحة، وظيفتها وضع الخطط والسياسات المتعلقة بالصحة وتعزيز التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه لجميع الأفراد في العالم.
ماذا يحدث بالضبط؟
يقول خبراء الأمراض المعدية إن الأطفال الآن في الصين، يتدفقون على المستشفيات في شمال البلاد بالطريقة نفسها التي حدثت في الولايات المتحدة ونيوزيلندا قبل عام، في أعقاب رفع قيود كورونا وإنهاء الإغلاق العام والاحتياطات الوبائية رسمياً.
ولم يسبق للعديد من الأطفال أن واجهوا الفيروسات أو البكتيريا المسببة للمرض من قبل، في ظل إبقاء الصين على عمليات الإغلاق لفترة طويلة، وكانت آخر الدول التي رفعت القيود بشكل كلي عن مواطنيها في يناير/كانون الثاني من العام الحالي، ما يعني أن عمليات الإغلاق وغيرها من الاحتياطات الوبائية حمت الأشخاص ليس فقط من كوفيد، بل ومن أمراض الجهاز التنفسي شديدة العدوى أيضاً، والتي تشكل خطورة أكبر على الأطفال، مثل الأنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي.
ما الذي يجب فعله عند الإصابة به؟
مثل غيرها من الفيروسات، سيتعافى معظم الأشخاص من العدوى من تلقاء أنفسهم، أو باستخدام الأدوية المتاحة دون وصفة طبية للمساعدة في تخفيف الأعراض.
لكن الحالات والأمراض الأكثر خطورة، تتطلب عادة دورة من المضادات الحيوية، وهذا مثير للقلق بشكل خاص لأن لدى الصين أعلى نسبة من الميكوبلازما الرئوية المقاومة لفئة من المضادات الحيوية تسمى الماكروليدات، التي تعمل على منع البكتيريا من إنتاج البروتينات التي تحتاجها للنمو والتكاثر.