حرب غزة: كيف بدا “الإضراب الشامل” الذي يطالب بوقف الحرب في القطاع؟
- Author, سوزانا قسوس
- Role, بي بي سي نيوز عربي
بدأت حملة تعرف باسم “الإضراب الشامل” اليوم الاثنين بعد دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي للتضامن مع غزة وللمطالبة بوقف الحرب الإسرائيلية على القطاع. وانتشرت الحملة في مدن حول العالم؛ منها عربية وغربية، وبمشاركة رسمية أو فردية.
وبحسب منظمي الحملة، فإنها تهدف إلى “الضغط” على الحكومات لوقف الحرب على قطاع غزة، والتي خلّفت أكثر من 17 ألف قتيل فلسطيني حتى اللحظة.
وبحسب تفاصيل الدعوات الإلكترونية، دعا النشطاء من ينوي المشاركة في الإضراب، بجانب إغلاق المحال التجارية والشركات، إلى تجنب المراجعات الحكومية، والدفع الإلكتروني، ودفع الفواتير، واستخدام السيارات، والتسوق، وعدم ذهاب الطلاب إلى المدارس والجامعات.
الضفة الغربية المحتلة
وشاركت جهات من قطاعات التجارة والتعليم والمواصلات والسياحة في الإضراب الشامل في الضفة الغربية المحتلة، رفضاً لاستمرار القصف الإسرائيلي على غزة.
وقال بعض المشاركين إن الإضراب يأتي رداً على استمرار الحرب وتواصل الدعم الغربي لإسرائيل.
كما أعلنت نقابات وبنوك ومدارس ووزارات وفصائل فلسطينية في بيانات منفصلة عن انضمامها للإضراب العام في الضفة الغربية.
الأردن
وشهد العديد من القطاعات التجارية والصناعية وغيرها في العاصمة الأردنية عمّان والمحافظات، اليوم توقفاً كلياً أو جزئياً عن العمل تلبية للدعوات إلى “إضراب عالمي” ودعماً لقطاع غزة ورفضاً للحرب. كما أغلق معظم شركات القطاع الخاص، والمحال التجارية أبوابها استجابة لدعوات التوقف عن العمل، بينما استمر عمل المؤسسات الحكومية والدوائر الرسمية.
ووضع العديد من المحال والمراكز التجارية يافطات على أبوابها تؤكد التزامها بالإضراب، وتندد بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
كما أعلنت نقابة الأطباء الأردنية دعمها لما يعرف بـ “الحركة الشعبية الإنسانية العالمية” الداعية لإضراب عام في القطاعات التجارية والاقتصادية. ودعت النقابة، في بيان نشرته عبر صفحتها على فيسبوك، الأطباء في مواقعهم كافة للتوقف عن العمل لمدة ساعتين في جميع أماكن عملهم، وذلك من الساعة 12 ظهراً وحتى الثانية من بعد الظهر، باستثناء الحالات الطارئة.
وفي حديثٍ مع بي بي سي، قال نقيب الأطباء الأردني زياد الزعبي إن النقابة قررت المشاركة “بسبب تزايد الانتهاكات الإسرائيلية ضد الطواقم الطبية والمدنيين”، مشيراً إلى أنه “قدّم أكثر من 900 طبيب أردني للتطوّع في غزة وإقامة مستشفى ميداني جديد في غزة، لكن لم يُسمح لهم الدخول بعد لمساعدة الغزيين”.
وأضاف الزعبي: “ما يجري في غزة تدمير ممنهج لكل المرافق. من لم يمت بقذيفة، سيموت من المرض والأوبئة ونقص الإمدادات. إن لم تتم معالجة الجرح الناتج عن الإصابة خلال ست ساعات، فهذا سيؤدي إلى التهاب الجرح، وانتشار الجراثيم من الالتهاب قد يؤدي إلى انتشار أوبئة لم تكن موجودة، بالإضافة إلى نقص المياه والأدوية والأسرّة والأطباء في غزة”.
وأضاف محذراً أن “مجموع الأسرّة في غزة هو 800 سرير في المستشفيات، والعدد المقرر من قبل منظمة الصحة العالمية لـ2.3 مليون شخص لا يقل عن 2500 سرير في الوضع الطبيعي – فلكم أن تتخيلوا بوقت الحرب”.
من جهته، قال نقيب المحامين الأردنيين، يحيى أبو عبود، إن النقابة قررت وقف الترافع يوم الأربعاء، تضامناً مع غزة ومطالبةً بوقف الحرب.
ويقول هشام أبو بكر، وهو مالك مقهى في عمّان وأحد المشاركين في الإضراب، إن المشاركة كانت “بمثابة إثبات للعالم أن الشعوب قادرة على الضغط إذا كانت الحكومات عاجزة عن اتخاذ قرارات صارمة لإيقاف النزيف الذي لم نشهد مثله”.
ويكمل قائلاً: “رأينا اليوم قدرة الشعوب على أن تتحد على كلمة واحدة، بغض النظر عن الضغوط الاقتصادية التي قد تتعرض لها بعض الشركات”.
ويرى هشام أن “الضغط الاقتصادي على الحكومات حول العالم يصبح تراكمياً عندما تتفق الشعوب على العمل بشكل جماعي من خلال الإضراب عن العمل، من أجل وقف الحرب، ويمكن استخدام الإضراب كورقة ضغط على الحكومات لوقف سفك الدماء في غزة”.
لبنان
كما قرر رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إغلاق كل الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات اليوم الإثنين، مع الدعوة العالمية من أجل وقف الحرب على غزة.
وأصدر الأمين العام لمجلس الوزراء، القاضي محمود مكيّه، بيانا جاء فيه: “رئيس مجلس الوزراء أعلن بموجب المذكرة رقم 26/2023 عن إقفال كل الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات”.
كما أصدر وزير التربية والتعليم العالي اللبناني عباس الحلبي قراراً بإقفال المدارس والثانويات والمدارس والمعاهد الفنية الرسمية والخاصة ومؤسسات التعليم العالي الرسمية والخاصة، يوم الإثنين.
وقال الحلبي لبي بي سي إن القرار جاء استنكاراً للهجوم على المدنيين على غزة، واستجابة للدعوات العالمية للتضامن مع غزة. وأضاف: “هي صرخة عالمية لعلنا نرجع للقانون الدولي، فإن المعتدي لا يسمع والدول الداعمة له صُمّت آذانُها. لا نتوهم أن يغيّر الواقع بليلة وضحاها، لكن لعل الحكومات تعود للقانون الدولي الإنساني في حده الأدنى ومحاولة إنقاذ ما تبقى من غزة”.
وحدثني الوزير عن قرار أصدره ليوم غد الثلاثاء للمدارس والكليات المهنية بتخصيص حصة دراسية عن الوضع في غزة ولماذا تم تنفيذ الإضراب يوم الإثنين وتأثيره على الحكومات.
وكانت هناك مشاركات فردية في الإضراب من دول أخرى مثل تركيا والعراق والمغرب وتونس وقطر وبعض الدول الأوروبية بالإضافة إلى أصحاب الشركات في القطاع الخاص والمحال التجارية مطالبة بوقف الحرب على غزة.
ماذا نعرف عن مفهوم الإضراب؟
الإضراب إجمالاً هو التوقف عن العمل بشكل جماعي بهدف الضغط على إدارة ما، وتلجأ إليه الشعوب أحياناً من أجل الضغط على الحكومات لتغيير سياساتها بشأن قضية معينة.
وكان الإضراب يُعتبر “أمراً غير مشروع” في العديد من الدول قبل القرن التاسع عشر، بسبب السلطة السياسية المملوكة حينها لأصحاب العمل واستغلالها ضد العمال.
بدأت الإضرابات تأخذ حيزاً واهتماماً أكبر إبان الثورة الصناعية، عندما اكتسبت مجموعات العمال أهمية أكبر في ظل وجود المصانع والمناجم، وتاريخياً، تعتبر من أبرز الفترات التي شهدت تحولات في الطريقة التي يعيش بها البشر وينتجون فيها السلع والخدمات.
وأصبح الإضراب قانونياً وشرعياً في معظم البلدان الغربية في أواخر القرن التاسع عشر أو بدايات القرن العشرين.
ما الجدوى الاقتصادية للإضراب؟
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور يوسف منصور لبي بي سي إن الإضراب يأتي لـ”إرسال رسالة عن موقف الشعوب بشأن إبراز القضية الفلسطينية ولرفض الانتهاكات ضد سكان قطاع غزة”.
ويضيف أن الإضراب هنا يرسل رسالة واضحة: “مستعدون لتحمل الضرر وألم الاعتصام والتضحية في الرزق والإضراب هو مشاركة التعاطف والتضحية بغض النظر عن الوضع الاقتصادي والوضع الاجتماعي في هذه الدول”.
إضراب فلسطين عام 1936
عن تأثر القوة الاقتصادية والضغط على الحكومات في الإضرابات، يسترجع الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت إضراب فلسطين عام 1936، والذي استمر لستة أشهر، من أجل تلبية مطالب الفلسطينيين حينها ضد الانتداب البريطاني والهجرة اليهودية غير الشرعية للأراضي الفلسطينية. وهذا الإضراب سبق ما سمي بـ “الثورة العربية الكبرى” (1936 – 1939)، والتي قام بها فلسطينيون خلال الانتداب البريطاني في فلسطين ضد الإدارة البريطانية للمطالبة بالاستقلال.
أبرز الإضرابات في التاريخ الحديث
هذه أمثلة على بعض الإضرابات العالمية المهمة في التاريخ الحديث، والتي شهدت تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية في المجتمعات التي حدثت فيها.
- إضراب الخبز والورد 1912: عندما أصدرت ماساتشوستس قانوناً يقضي بتخفيض ساعات العمل من 56 إلى 54 ساعة، حاول أصحاب المصانع إبطاله من خلال تسريع الإنتاج وخفض أجور العمال. واستجاب عمال مصانع النسيج بإغلاق أنوالهم والخروج فيما أصبح يعرف باسم “إضراب الخبز والورد”. وتم تحريض حوالي 25 ألف عامل مهاجر من أيرلندا وإيطاليا وليتوانيا ودول أخرى – معظمهم من النساء – ضد أصحاب المطاحن، الذين توقعوا نهاية سريعة للنزاع.
- الإضراب العام في بريطانيا في 1926: يعد الإضراب العام الذي استمر منذ الثالث من مايو/أيار حتى مساء يوم 12 مايو/أيار عام 1926، أهم نزاع صناعي في التاريخ البريطاني، وأبرز الأحداث التي جسدت تضامن الطبقة العاملة في بريطانيا. وتظاهر نحو مليون وثلاثة أرباع مليون عامل لدعم حوالي مليون عامل منجم تم منعهم من مزاولة أعمالهم لرفضهم القبول بتخفيض أجورهم وزيادة عدد ساعات العمل. وتوقفت الآلات ومصادر الإضاءة بأمر من العمال، لتشهد بريطانيا الإضراب العام الأول والأهم في تاريخها، وقد شكّل هذا الإضراب نقطة تحول في العلاقة بين الحزب الشيوعي البريطاني ومؤتمر النقابات العمالية.
- إضراب ثقافة الهند 1930: قاده مهاتما غاندي ضد سياسة الاستعمار البريطاني، حيث رفض الهنود شراء الملح من الحكومة كوسيلة للمقاومة السلمية. وقع إضراب الهند في إطار حملة مهاتما غاندي للمقاومة المدنية ضد سياسات الاستعمار البريطاني في الهند. وجذب الإضراب الانتباه الدولي إلى قضية الهند وزاد من الضغط على الاستعمار البريطاني، وأسهم في توحيد الهنود ضد الحكم البريطاني وشكّل نقطة تحول في الصراع من أجل الاستقلال.
- إضراب فلسطين، 1936: وقع الاضراب في فلسطين في أواخر أبريل/نيسان 1936، وكانت الفترة المعروفة باسم “ثورة 1936″، للمطالبة بوقف الاستعمار والهجرة اليهودية وإنهاء الانتداب البريطاني في فلسطين. واستمرت الثورة حتى عام 1939 وأدت إلى تحقيق بعض المكاسب للجانب الفلسطيني، لكن الضغوط الدولية والحرب العالمية الثانية ساهمت في انحسار تأثير تلك الثورة، وأسهمت في تشكيل الوعي الوطني والتحدي للسياسات البريطانية والحركة الصهيونية.
- إضراب الحقوق المدنية في الولايات المتحدة 1950-1960: تميزت الحركة بوجود قادة بارزين مثل مارتن لوثر كينغ، وروزا باركس، ومالكوم إكس، الذين قادوا الجهود نحو تحقيق المساواة والعدالة ضد الفصل العنصري. وشهدت تلك الفترة تحولاً كبيراً في الوعي العام حول قضايا المساواة والعدالة الاجتماعية، وساهمت في تغيير سياسات الحكومة والمجتمع فيما يتعلق بالتمييز العنصري.
- إضراب العمال في بولندا، 1980: أدى إلى تأسيس ما يعرف بـ “حركة التضامن”، التي كانت تهدف إلى تحسين ظروف العمل والحقوق العمالية في بولندا. وأعلنت الحكومة الشيوعية حالة الطوارئ وفرضت القيود على الإضرابات، ولكن الحركة استمرت في نشاطها، وفي نهاية المطاف، وافقت الحكومة البولندية على مطالب العمال والتفاوض مع حركة التضامن. وأخيراً تمكنت الحركة من الفوز بمقاعد في الانتخابات عام 1989.
- إضراب الحقوق المدنية في جنوب أفريقيا، 1952-1994: كان إضراباً ضد نظام الفصل العنصري وللمطالبة بالمساواة، بقيادة نيلسون مانديلا وحركة المؤتمر الوطني الأفريقي، واستمر لفترة طويلة وكان محوراً للكفاح ضد نظام الفصل العنصري، وأسهم في تشكيل دولة متعددة الأعراق. وبدأت محادثات تفاوض في أواخر الثمانينيات، وفي عام 1994، أجريت أول انتخابات ديمقراطية متعددة الأعراق وفاز نيلسون مانديلا برئاسة البلاد.