امتداد الإضرابات ضد “النظام الأساسي” ينذر بالتأثير على صورة الأستاذ في المجتمع
يخوض رجال ونساء التعليم معركة طويلة ضد النظام الأساسي دخلت شهرها الثالث، فارضة حالة من الجمود على قطاع التعليم، وجعلت أزيد من 9 ملايين تلميذ من أبناء المغاربة عرضة للهدر المدرسي.
الوضع الجديد الذي فرضه الأساتذة في مواجهة قرارات الوزارة ومن ورائها الحكومة، قلب حياة الملايين من الأسر رأسا على عقب، بعدما وجدت نفسها في حيرة من أمرها أمام وضع أطفالها بسبب هذا الإضراب الطويل، مما أربك التزامات الآباء والأسر.
هذا الوضع الاستثنائي أثار مجموعة من التساؤلات والانقسامات داخل المجتمع المغربي، إذ تباينت آراء أولياء أمور التلاميذ بين متضامن مع الأساتذة ومشروعية مطالبهم، وبين غاضب ناقم عليهم بسبب الورطة التي وجد نفسه فيها بسبب الإضراب طويل الأمد.
هل أثر الإضراب وتداعياته المختلفة على صورة الأستاذ في المجتمع؟ سؤال بات يطرح نفسه بقوة، خصوصا مع تعالي الأصوات المنتقدة لطول مدة الإضراب واتهام الأساتذة بالسعي وراء مطالبهم على حساب التلاميذ والزمن الدراسي.
نقطة تحول
في قراءته للموضوع يرى عبد ربه البخش، الباحث في العلوم الاجتماعية، أن الحراك الذي يعرفه قطاع التعليم في علاقته بالرأي العام حرك صورة المدرس في التمثل الشائع عند عموم الناس، مبينا أن الصورة النمطية التي كانت قيد التشكل حول مهنة التدريس “صورة تشويهية تجعل الأستاذ عرضة لمجموعة من الاتهامات المعيارية من جهة، وعرضة للتقليل من شأن دوره المجتمعي من جهة ثانية”.
وأضاف البخش، في تصريح لهسبريس، أنه تبعا لهذه الصورة “صار الجميع اليوم يقر بأهمية المدرس باعتباره معلما ومربيا، وغيابه هو غياب محور أساسي في عملية تشكيل وبناء الأجيال”.
وأكد الباحث ذاته أن هذا الحراك التعليمي يشكل نقطة تحول في علاقة المدرس بأولياء أمور التلاميذ والتلميذات، مشيرا إلى أن “معظم الآباء والأمهات وحتى الجمعيات التي تمثلهم جاءت ردود أفعالهم بما يتوافق ويتناسب مع المطالب التي ترفعها الشغيلة التعليمية، خاصة أن هذه المطالب تأخذ واقع ومستقبل المدرسة العمومية بعين الاعتبار”.
وسجل أن النظام الأساسي في نظرهم يمس “حقوق الأجيال القادمة في التوظيف، كما يمس جودة المدرسة العمومية من حيث الأداء والنتيجة”، مؤكدا أن الحراك “يطالب بتحسين وضعية المدرسين، وتوفير الوسائل المادية والرمزية الضرورية لبناء فضاء تعليمي يليق بأبناء هذا الوطن”.
واستطرد قائلا: “لا يمكن إنكار أن بعض الفاعلين وعموم الناس لم يستحسنوا هذا الحراك واعتبروه هدرا للزمن والجهد، وحملوا الأستاذ مسؤولية ذلك، متهمين إياه بالسعي إلى تحقيق مصالح شخصية ضيقة على حساب التلاميذ والمدرسة العمومية”، غير أن هذا الخطاب يبقى “محدودا ويصعب التعبير عنه مادام معظم الناس يحملون المسؤولية للوزارة الوصية والحكومة ككل”، مبرزا أن التعليم “قضية دولة وليس قضية أستاذ فقط”.
أنماط المدرس
من جهته، سجل رشيد جرموني، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، أنه عند الحديث عن رجل التعليم “تتراءى صورة ذلك المعلم الكادح والمظلوم والمستغل والمهمش اجتماعيا”، حيث ترديد كلمة “معلم مسكين” أصبحت “ملتصقة بوعي ولا وعي المخيال الشعبي، ولهذا نفهم حجم النكت المضحكة التي تتداول في مجالسنا حول هذه الصورة”.
وأضاف جرموني، في تصريح لهسبريس، أن هذه الصورة “تزيدها رسوخا بعض مظاهر التقشف والزهد التي ما زالت حاضرة ولو في حدود معينة عند هذه العينة، مما يعطي الانطباع العام بأن مهنة التدريس هي مهنة الفقر”، مؤكدا أن الذين استفادوا من تراجع دور المؤسسة التعليمية في تقديم خدمات “ذات جودة لزبنائها، وفي ظل التهافت الأعمى الذي تقوم به الأسر، في ضمان أكبر عدد من النقط لأبنائها”.
وتابع قائلا إن وضعية بعض المدرسين “تغيرت، إذ أصبحوا مطلوبين، وأصبحت مواردهم المالية تزداد يوما عن يوم، مما يمكننا أن نستنتج نمط المدرس “البزناس”، الذي يعمل على بيع خدماته للزبائن، في ظل وجود حالة هوس بتحقيق أكبر عدد من النقط والمعدلات”.
وسجل جرموني أن حجم التحديات المطروحة على منظومتنا التربوية يقتضي “إيلاء مزيد من الاهتمام بقطب الرحى في المنظومة، وهم المدرسون، فمن خلالهم يمكن أن نقيس مدى نجاح أي ورش تعليمي في المستقبل”، مبرزا أن الحاجة إلى مقاربة شمولية للرقي بمهنة التدريس ببلادنا تستحضر “من بين ما تستحضره البعد القيمي نظرا لطبيعة المهام الموكولة إلى هذه الفئة”.