الصراخ لن يحرر فلسطين .. و”جزيرة قطر” تغسل أدمغة المشاهدين
استنكر الإعلامي المغربي زهير الواسيني مهاجمة صحفييْن في مظاهرة بطنجة بسبب موقفهما المخالف لحركة حماس، وتأسف لما طال الكاتب الطاهر بنجلون عقب نشره مقالا حول ما قامت الحركة.
وأضاف الإعلامي المقيم بإيطاليا في مقال توصلت به هسبريس أن تحرير فلسطين ليس رهينا بالحناجر ومدى قدرتها على الصراخ، مشيرا إلى أن المغرب كان بإمكانه أن يكون وسيطا ناجعا في النزاع الفلسطيني، غير أن جحافل المناضلين الأشاوس نجحت في تقليص هذا الدور وإعدامه لصالح “إمبراطورية قطر”، التي سلطت جزيرتها لغسل دماغ جزء كبير من المواطنين.
وهذا نص المقال:
الآن وقد حققت حركة حماس “نصرا مبينا” بإرغام نتانياهو وزمرته على التفاوض وتبادل رهائن مدنيين بمعتقلين في سجون إسرائيل، هل يمكننا الحديث بهدوء ورزانة عما حصل خلال الأسابيع الأخيرة بالمغرب من هجوم شرس على كل من سولت له نفسه مناقشة المقاومة الفلسطينية في أساليب نضالها أو حاول انتقاد تصرفات قادتها؟
في الواقع لم أكن أعرف أن حماس أصبحت من المقدسات عندنا. ولم أكن أتصور أن من ينتقدها يتم حشره مباشرة في خانة من باعوا ضمائرهم وأصبحوا خونة وزناديق… إلخ، من الصفات القدحية التي تميز خاصة معجم الإسلام السياسي، الذي يتفنن في السب والشتم وابتكار الشعارات الحالمة بنهاية إسرائيل، مع وضع تواريخ محددة لذلك.
لم أكن أتخيل أن تأثير إيديولوجيا الإخوان وصلت إلى هذا الحد إلا بعد أن رأيت كيف تتم مهاجمة صحفييْن في مظاهرة بطنجة فقط لموقفهما المخالف لحركة حماس. هذه المواقف، التي سواء اتفقنا أو اختلفنا معها، تبقى في نهاية الأمر آراء قابلة للخطأ والصواب مثل كل المواقف التي تعبر عن رأي معين. لذلك لا يمكن قبول ردود فعل من قرروا ممارسة هذا النوع الجديد القديم من القمع الفكري. ليس بسب المخالفين ولا بدرجة صراخ الأصوات الهاتفة بأجمل الشعارات ستتحرر أرض فلسطين! إذا اتفقنا على هذا الأمر نكون قد خطونا في اتجاه فهم أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أعقد مما نتصور، وأن حله لن يكون أبدا من شوارع الرباط أو البيضاء أو أي مدينة مغربية أخرى.
الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقه شيء وتجييش الجماهير لإسكات أي صوت مخالف شيء آخر. أبجديات الديمقراطية تقتضي احترام حرية الجميع في التعبير عن رأيه. كل المغاربة يساندون الفلسطينيين في بناء دولتهم، ولكن هناك اختلافا حول الأساليب المتبعة. ما المانع؟ لماذا يعتقد بعض “مناضلي” المظاهرات والكيبورد أنهم يملكون الحقيقة المطلقة؟ ثم هل حقا هناك من يعتقد أن تحرير فلسطين رهين بالحناجر ومدى قدرتها على الصراخ؟
من المؤسف رؤية توجيه أصابع الاتهام إلى كاتب معروف واسم وازن كالطاهر بنجلون لكونه كتب مقالا حول ما قامت به حماس، والذي اعتبره عملا وحشيا. فبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع رأيه كان حريا استعمال لغة أكثر لباقة للرد عليه من تلك التي استعملها مثلا زعيم سياسي معروف بأسلوبه المتشنج. عدم فهم الكلام ووضعه في سياقه العام المرتبط بخطاب يتوجه إلى متلق غربي يعني أن هناك استغلالا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي لتصفية الحسابات مع كل من له رؤية مختلفة حول هذا الموضوع.
الطاهر بنجلون له من المواقف والآراء الشجاعة التي يدافع فيها عن القضية الفلسطينية في وسائل الإعلام الأوروبية ما يدفع أي محلل منصف إلى أن يكون أكثر تسامحا مع رأي كذاك الذي عبر عنه في مجلة “لوبوان” الفرنسية. مخاطبة الرأي العام الغربي ليست بالسهولة التي يعتقدها البعض، والإسلام السياسي في هذا السياق هو آخر من يعرف مقارعة منطق المجتمعات الغربية، بل إنه أكبر حليف لها، من حيث لا يدري، في عملية التشويه المستمرة للمواقف العربية.
تجييش الجماهير وخلق جو من الضغط على كل من يحاول تجنيب البلاد نقاشات بيزنطية يستفيد منها فقط من يريد شرا بهذا الوطن، هذا هو ما يجب الابتعاد عنه. تأييد القضية الفلسطينية لا يمكن أن ينسينا الدفاع عن مصالحنا بعد فهمها طبعا. فدرجة استلاب جزء كبير من مواطنينا للغة ومنطق قادم من واقع غير واقعنا تجلى بشكل واضح في نوعية رد الفعل على الهجوم الإرهابي على مدينة سمارة مقارنة بما يحدث في غزة (حتى ونحن واعون بالفرق بين الحالتين)، ولكن مع ذلك فإن الظاهرة تدعو إلى التفكير حقا!!!!
لقد كان بإمكان المغرب أن يكون وسيطا ناجعا في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي لعلاقاته المتميزة بكل الأطراف، ولكن جحافل المناضلين الأشاوس نجحت في تقليص هذا الدور وإعدامه لصالح “إمبراطورية قطر”، التي سلطت جزيرتها لغسل دماغ جزء كبير من مواطنينا.
وبه وجب التذكير والسلام.