نشطاء بيئيون مغاربة يراهنون على “صندوق المناخ” لتعويض البلدان الأكثر تضررا
تلقّى الخبراء البيئيّون المغاربة والباحثون في قضايا المناخ والتنمية المستدامة نبأ تبنّي مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “كوب 28″، بالإمارات العربية المتحدة، قرار تنفيذ إنشاء “صندوق الخسائر والأضرار” المناخية بكثير “من البهجة والارتياح”، باعتباره صندوقاً يُرجى منه أن يعوّض البلدان الأكثر تضرّرا من الآثار الكارثيّة للمناخ، ومساعدتها على وضع مشاريع للتكيّف.
الفعاليات البيئية المغربية التي كانت تتابع تطورات هذا الصندوق، الذي من شأنه تخفيف حدة الآثار والتصدعات التي كانت دائما مرتبطة بشأن التمويل ودعم البلدان الأكثر تلويثا للأخرى الأقل تلويثا، ولكن الأكثر تضرّرا، عدته “خطوة إيجابية منتظرة”، تمكن المغرب “من مواصلة جهوده الحالية ليس فقط لكي يستفيد من الدعم الذي هو عبارة عن تعويض، وإنما ليكون نواة لهذا الصندوق في القارة الإفريقية”.
“استحقاق مغربي”
أميمة خليل الفن، الباحثة في المُناخ والتّنمية المُستدامة، أوردت أن “التراكم البيئي الذي حققه المغرب، بالاعتماد على إمكاناته الذاتية وبتمويلات أخرى، يجعله في مكانة ريادة إفريقية يمكنها أن تجعله بالفعل حاضنا لهذا الصندوق في القارة الإفريقية”، مشددة على أن “هذا البلد قدّم نموذجاً لدولة تتحمّل أعباء المناخ، ولكنها كانت أيضا من الدّول السّباقة للتقليل من الانبعاثات الغازيّة، رغم أن هذه الانبعاثات فيها تظلّ قليلة من النّاحية العمليّة ومن درجة التأثير”.
وأضافت الفن، في تصريحها لجريدة هسبريس، أن “المغرب يستحقّ أن يستفيدَ من هذا الدّعم، نظرا لمصداقية جهوده في العمل المناخي، وهذه الاستفادة لن تكون بالضّرورة منحة أو دينا، وإنما نوعا من التعويض عن الضرر الذي لحق البلد مناخيا، إذ تأثرت العديد من قطاعاته الحيويّة، ومنها الفلاحة تحديدا”، وأبرزت أن “البلد الشمال إفريقي له طموح وتوجه جدي لبلوغ درجة الحياد الكربوني وتحقيق السيادة الطاقية، وهو ما يمكن أن يعجل به دعم الصندوق”.
وأوضحت المتحدثة عينها أن “موقع المغرب الجغرافي يضمن له تميزا جيوسياسيا ونوعا من الاستقرار يجعله قادرا على الإشراف على هذا الصندوق إفريقيا، لاسيما أن المملكة المغربية تحظى بتقدير خاص في القارة”، مضيفة أن “السياسات التي اتخذها المغرب في مجال الانتقال الطّاقي لم تكن محلية فقط، بل ذات بعد إقليمي وقاري وعالمي، فالعديد من دول أوروبا تنظرُ لمستقبل الطاقة في المملكة، وفي إفريقيا، التي تقدم لها الرباط دعما كبيرا”.
واعتبرت الباحثة في المناخ والتنمية المستدامة أن تمكين المغرب من الاستفادة عن “جدارة واستحقاق” سيمكنه من “تسريع تأهيل وتنزيل مجمل الإستراتيجيات المناخية والبرامج المتوقّعة والمشاريع المرفوعة، مثل تلك المتعلقة بالانتقال نحو الطاقات المتجددة وإنتاج الهيدروجين الأخضر”، وزادت: “هذه أوراش مستقبلية كبرى يبلي فيها المغرب بلاء حسنا، في أفق سيادته الطاقية، ومن ثم تحقيق أمنه الغذائي والمائي”.
“التاريخ حاسم”
المصطفى العيسات، خبير وباحث في المناخ والتنمية المستدامة، اعتبر أن “المغرب لابد أن يستعد للتعبير عن الأضرار كاملة، وأن يترافع عنها لكي ينال التعويض المستحق عن حجمها، لكون هذه الفترة حاسمة”، مضيفا أن “دعوات الفعاليات البيئية السابقة إلى ضرورة إعلان ‘حالة طوارئ مناخية’ كانت ستجعل المغرب من الدول ذات الأولوية في الاستفادة من هذا الصندوق، لكي يباشر تعزيز المشاريع المتعلقة بالتكيف ومكافحة آثار التغير المناخي”.
وتقاطع العيسات مع الفن في دعوتها إلى أن “يكون المغرب نواة لهذا الصندوق”، موضحا أن “البلاد صارت فاعلة بشكل كبير على المستوى العالمي، والأمم المتحدة تشيد دائما بجهودها وبمشاريعها الخاصة بالطاقات المتجددة، خصوصا الشمسية والريحية”، ومؤكدا أن “الانتقال نحو الحياد المناخي والحياد الكربوني هو نتيجة لا مفر منها، والدول الصناعية الملوثة ملزمة بأن تتحمل مسؤوليتها وأن تضخ أموالا في هذا الصّندوق على شاكلة ضريبة مناخية”.
وأبرز المتحدث ذاته أن “المغرب يمكنه أن يلعب دورا أساسيا ومحوريا في تأهيل هذا الصندوق في المنطقة، في ظل تعاون إقليمي مع الإمارات العربية المتحدة، التي لابد أن تكون نواةً لهذا الصندوق في الشرق الأوسط، لمنح الفرصة للعمل المناخي المشترك بين آسيا وإفريقيا ومناطق أخرى”، موضحا أن “العالم يتحدث اليوم عن إفريقيا كقارّة للمستقبل يجب تمكينها من المؤهلات المحفّزة لمقاومة آثار تغير المناخ الذي يبدو أننا دخلنا مرحلةً حاسمة وخطيرة منه”.
وأجمل المصرح لهسبريس بأن “تهرب الدول المصنعة وتنصلها من مسؤوليتها التاريخية في الضّرر بكوكب الأرض من خلال شركَاتها العابرة للقارّات وأنشطتها المُلوثة لم يعُد اليوم ممكنا، بما أنها صارت بدورها تشهد كوارث مناخية من قبيل الحرائق والفيضانات”، موضحا أن “هناك رهانا كبيرا معلقا على هذا الصندوق، بما أن حاجيات دول الجنوب المتضررة تقدر بمئات مليارات الدولارات، وهو ما يدعو دول الشّمال إلى الاستجابة بمسؤوليّة لإحقاق العدالة المناخية”.
تجدر الإشارة إلى أن قرار تشغيل “صندوق الخسائر والأضرار”، الذي اعتبرته الهيئات الأممية والمنظمات غير الحكومية “قرارا تاريخيّا”، هو ثمرة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “كوب 27″، الذي احتضنته مدينة شرم الشيخ المصرية العام الماضي. وكان الصندوق حينها جرى تأكيد إنشائه من الناحية المبدئية، لكنه ظل ينتظر تحديد خطوطه العريضة.