هدى بيوتي: كيف بنت ابنة العائلة العراقية المهاجرة ماركة مستحضرات تجميل ناجحة؟
عندما تطل هدى قطان على الجمهور يُحتفى بها كنجمات السينما في هوليود.
في إطار الاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة لانطلاق علامتها التجارية لمستحضرات التجميل، هدى بيوتي، استأجرت هدى بناء في قلب باريس، ليس بعيدا عن برج إيفل، وحولت كل شيء بداخلها تقريبا إلى اللون الوردي القوي.
نجد داخل البناء صالات مكياج تعرض منتجات هدى بيوتي تحت أضواء ساطعة، فيما رجال ونساء في غاية الأناقة والجمال يقفون على أهبة الاستعداد لخدمة الزبائن والرد على الاستفسارات.
تعالت صيحات معجبيها الذين كانوا ينتظرونها في الشارع عند وصولها. وفي الداخل، هتف المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي وأخصائيو التجميل الذين جرت دعوتهم، لدى صعودها الدرج: هدى هدى.
يصطف الناس في طوابير لالتقاط صور شخصية معها لدرجة أن البعض انفجر بالبكاء عندما عانقتهم.
وطوال تلك الفترة لم تفارق الابتسامة وجه هدى قطان.
“تسليع المرأة”
هدى قطان هي واحدة من المدرجات في قائمة بي بي سي لمئة امرأة لهذا العام، حيث يحتفى بـ 100 امرأة ملهمة ومؤثرة من جميع أنحاء العالم.
تملك هدى قطان شركة مستحضرات تجميل تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار، وأكبر ماركة مستحضرات تجميل على منصة إنستغرام، حيث يبلغ عدد متابعيها أكثر من 50 مليون متابع.
تنتقد هدى بشدة صناعة التجميل ووسائل التواصل الاجتماعي. وتقول: “أعتقد أن صناعة التجميل متحيزة ضد النساء”. “إنها تجعل النساء مجرد سلع في كثير من الأحيان، وغالبا ما تختصر النساء في مظهرهن فقط”.
وتقول إنها باعتبارها امرأة “تحب التألق” فهي تعرف مدى الإحباط الذي تشعر به المرأة عند الحكم عليها لمظهرها فقط.
لكنها تقر بأن التسرع في الحكم على الآخرين خطأ شائع وهو أمر – هي نفسها – بحاجة إلى تجاوزه.
وتكشف أنها عندما أصبحت سيدة أعمال لأول مرة، وجدت أيضا أن البعض في هذه الصناعة لم يأخذوها على محمل الجد. كافحت كثيراً لتجاوز العراقيل التي واجهتها.
وتقول: “في كثير من الأحيان خلال اجتماعات العمل، بدلاً من التواصل البصري معي، كانوا ينظرون إلى زوجي ويتجاهلونني تماما”.
كان زوجها يقول: “لا تتحدثوا معي، تحدثوا إليها”، لكنهم كانوا يستمرون في مخاطبته بدلا منها.
تشعر هدى بالغضب بسبب التقدم البطيء لصناعة التجميل من ناحية شمولية وتمثيل مختلف فئات المجتمع بشكل عادل.
و هدى قطان هي ابنة مهاجرين من العراق استقرا في ولاية تينيسي الأمريكية، حيث أبصرت النور.
وتكشف أن من حولها جعلونها تشعر بأنها غير جذابة، كانت طوال الوقت.
وتوضح أن من أولوياتها بيع مستحضرات تجميل ذات ألوان غامقة وكريمات أساس تتناسب مع مجموعة واسعة من ألوان البشرة.
ورغم أن الصناعة ككل تتحرك في الاتجاه الصحيح، حسب رأيها، إلا أنها تسير “بسرعة السلحفاة”، كما تصف.
“كنت في المختبرات مع الشركات المصنعة لمستحضرات التجميل وقلت لهم: “أريد منتجاً يناسب البشرات الأكثر ثراءً من ناحية الظل. رأيتهم يضيفون إليها صبغة سوداء فقط، بينما لدى الناس العديد من أنواع وألوان البشرة”.
“أعتقد أنه لا يزال هناك نقص في المعرفة. والأمر يعود بشكل أساسي إلى الشركة المنتجة ولبعض العلامات التجارية”.
فخ الدوبامين
يعود نجاح شركة هدى قطان بشكل أساسي إلى تواجدها على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تقدم نصائح في مجال التجميل ومراجعات حول بعض مستحضرات التجميل لمتابعيها، بالإضافة إلى لحظات من حياتها مع عائلتها وأصدقائها في منزلها في دبي.
يعد أسلوب حياتها المنظم بدقة تطورا طبيعيا منذ أيامها الأولى كمدونة تجميل.
وتقول إنها تحب وسائل التواصل الاجتماعي منذ ظهورها. “اعتقدت أنها أفضل شيء. كما تعلمون، فقد أدت إلى إضفاء طابع ديمقراطي على عالم وسائل التواصل إذ منحت الجميع الفرصة للتحدث. وكان من المفترض أن تكون مكانا يتواصل فيه الناس مع بعضهم البعض”.
بدلا من ذلك، كما تقول، أصبحت “خوارزمية تحث على إنتاج هرمون الدوبامين لإبقاء أعين الناس ملتصقة بالشاشة”.
تنظر هدى بريبة كبيرة إلى ما تقوم به وسائل التواصل الاجتماعي.
“هل أتفق مع وسائل التواصل الاجتماعي الآن؟ لا، لا أعتقد ذلك. هل أعتقد أنها مفيدة للمستقبل؟ لا، ولن أؤمن بها بعد الآن”.
توقعات مبالغ بها
إحدى المشاكل التي أشارت إليها هدى هي الضغط الذي تمارسه وسائل التواصل الاجتماعي على المرأة لتكون مثالية.
“أعتقد أن المجتمع كان قاسياً دائماً على النساء، ولكن الآن، مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت التوقعات غير عادلة. أنا شخصياً عندما أكون على وسائل التواصل الاجتماعي، أشعر أحياناً أنني لا أستطيع أن أكون جميلة المظهر بما فيه الكفاية، ولا يمكنني تحقيق ما يكفي في هذا المجال”.
و تقر مئة بالمئة أنها جزء من المشكلة في هذا الصدد، لكنها تقول إنها ضحية أيضاً.
“عندما تكون شخصاً معروفاً بمظهر معين، فإنك أحياناً تصبح أسيراً لهذا المظهر”.
يتوقع الناس أن تكون أظافرها مطلية، وأن يكون شعرها وبشرتها مثاليين، وهو أمر “غير واقعي” كما تقول.
“بالتأكيد شعرت لفترة طويلة أنني سجينة صورتي على إنستغرام. وشعرت بأنني سأخرج إلى الجمهور، أنا كهدى بيوتي، لكن أحيانًا أشعر وكأنني هدى القبيحة”.
الصوت السياسي
ونظراً لحضورها الهائل على منصات التواصل الاجتماعي، فإن أي شيء تقوله هدى قطان عبر الإنترنت يلفت الانتباه.
وتقول: “عندما أصبح صوتنا أكبر، وأصبحنا أكثر من مجرد صوت على منصة، بدأت أشعر بالحاجة إلى التحدث عن أشياء معينة”.
“أنا متحمسة للأشياء التي تؤثر على النساء، ولكن أيضاً للأشياء التي تؤثر على مجتمعي”.
جرت هذه المقابلة، قبل هجمات حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول والتي أسفرت عن مقتل 1200 شخص واحتجاز أكثر من 240 رهينة.
ولم تكن إسرائيل قد بدأت بشن هجمات عنيفة على قطاع غزة.
وتقول وزارة الصحة التي تديرها حماس إن أكثر من 14500 ألف شخص قتلوا في غزة منذ انطلاق الهجمات الجوية الإسرائيلية والتوغل البري داخل القطاع.
ومع تصاعد حدة الصراع، استخدمت قطان حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي للإعراب عن دعمها للفلسطينيين، الأمر الذي أثار تعليقات إيجابية وسلبية أيضاً.
وقالت هدى لبي بي سي 100 امرأة في يوليو/تموز: “لقد كنت صريحة بشأن بعض القضايا السياسية. ولا أدعي أنني خبيرة سياسية”. “ولكن إذا رأيت شيئًا ما ولدي بعض المعلومات عنه، بالتأكيد أرغب في التعبير عن موقفي منه عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.
وحتى قبل الأزمة الحالية والحرب بين إسرائيل وحماس كانت هدى قطان تعمل على رفع مستوى الوعي حول بعض القضايا في الشرق الأوسط، قائلة إن القضايا السياسية في المنطقة لا يتم الحديث عنها بشكل كافٍ.
“أشعر بالانزعاج الشديد أحياناً عندما أرى بعض الأحداث. وأحياناً أقول: “هل لدي المعلومات الصحيحة؟ هل يمكنني النشر حول هذا الأمر؟ هل أرى جانباً واحداً فقط؟” لكني أرغب دائماً في نشر ما أستطيع نشره”.
حيز معرض للخطر
عندما يرسل لها البعض رسائل يسألونها أسئلة مثل: “كيف نجحت في الوصول إلى تحقيق حياة مثالية كهذه؟” تجيب: “بصدق إنها ليست كذلك”.
وتقول إنها تود أن يكون فضاء وسائل التواصل الاجتماعي “أكثر تسامحاً”.
وتضيف: “لا أعرف أين يوجد هذا الفضاء. لا أعتقد أنه موجود على إنستغرام ولكن علينا أن نخلقه”.
وتضيف أنها تضطر في كثير من الأحيان إلى الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي، والحد من الوقت الذي تقضيه أمام الشاشة، ولا تسمح لابنتها البالغة من العمر 12 عاما بالدخول إلى عالم وسائل التواصل الاجتماعي على الإطلاق.
“إنها تفعل ذلك من وراء ظهري أحياناً، يمكنني ملاحظة الفرق في مستويات القلق لديها حينما لا تكون على الإنترنت مقارنة بالأوقات التي تكون فيها على الإنترنت”.
ورغم أنها تعيش جزءاً كبيراً من حياتها علناً على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن هناك بعض الأمور الشخصية التي تحافظ عليها بعيداً عن الأنظار مثل ممارسة الشعائر الإسلامية.
وتقول إنها لم تكن متدينة كثيراً في بداية حياتها، لكن ذلك تغير مع تقدمها في السن وأن الصلاة أصبحت بالنسبة لها “من أجمل التجارب”.
وتقول: “لا أتحدث عن ذلك لأنني أخشى دائماً من النقد، لأنني لا أرتدي الحجاب”. “قد يقول بعض الناس: من غير الجائز لك فعل هذه الأشياء”.
عمر مؤسسة هدى بيوتي الآن 10 سنوات، وتقول هدى إنها تأمل أن تكون مصدر إلهام لبعض النساء ذوات البشرة الملوّنة.
“إن جعل الناس يشعرون أن لديهم القدرة على أن يكونوا جميلين وأقوياء هو أمر مهم لدي.
“أفكر أحيانا بتلك الفتاة السمراء الشرق أوسطية الصغيرة في ولاية تينيسي. لا يزال هناك الكثير منهن في العالم وربما عند رؤية شخص مثلي، يمكن أن يشعرن بأنهن مُمَثلات بعض الشيء”.