مطالب بمدونة توافق “تعاليم الدين المسيحي”
لأول مرة، طالبت التنظيمات المسيحية المغربية بوضوح بتمكين المغاربة المسيحيين، على غرار اليهود، من مدونة للأحوال الشخصية خاصة بهم متلائمة مع “تعاليم الدين المسيحي”، مشددة على أن هذه المدونة ستكون لها “قيمة مضافة بالنسبة للمسيحيين المغاربة، نظرا لارتفاع أعدادهم في السنوات الأخيرة”، مع أنهم من الناحية العملية لا يمانعون أن تكون هناك “مدونة مدنية”، ينضوون تحتها مع المسلمين وباقي الأقليات الدينية الأخرى.
في هذا الصدد، أكد آدم الرباطي، رئيس اتحاد المسيحيين المغاربة، أن “الفعاليات المسيحية كانت تود الانخراط في النقاش الرسمي الدائر حول مدونة الأسرة، وأن يتم استقبالها من طرف الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة”، موضحا أن “المسيحيين المغاربة تفطنوا إلى مسألة مهمة، هي ضرورة أن تكون لهم مدونة خاصة بهم تتقاطع مع الدساتير المسيحية في الزواج كما في الطلاق، الذي لا يحدث وفق الدين المسيحي إلا في حالة الموت أو الخيانة”.
وشدد الرباطي، ضمن تصريح خص به هسبريس، على أن “هذه المدونة ستمكن المسيحيين المغاربة من الزواج المسيحي، بتعاليمه وطقوسه، لكون العقد المدني يعتبر حلا قانونيا، ولكن لا أفق له من الناحية العقدية”، مضيفا أن “هذا المطلب رغم صعوبة تحققه، نظرا لكون نضال المسيحيين مازال منتظرا الاعتراف الرسمي، فهو يبقى مطلبا مشرُوعا، بما أن المُسلم له عقد النكاح الخاص به وأيضا اليهودي له مدونة تنهل مما يتيح الدين اليهودي”.
وأفاد رئيس اتحاد المسيحيين المغاربة بأن “الإنجيليين بالمغرب ظلوا متتبعين للنقاش منذ الدعوة الملكية لمراجعة المدونة، ولم تكن هناك إشارات مُطمئنة تتجه إلى إظهار نوع من الأمل بأن الديانات الأخرى المُتواجدة بكثرة بالمغرب ستجد ما يعبر عنها داخل هذا التصور الجديد للأسرة المغربية”، مؤكداً أن “المسيحيين لديهم أيضا وجهة نظرهم في الموضوع، وكان حريا أن يتم الاستماع إليهم، بما أن للمجلس الوطني لحقوق الإنسان تجربة في الاستماع إلى مطالبنا”.
وأوضح المتحدث ذاته أن “وجود آمنة بوعياش ضمن هيئة مراجعة مدونة الأسرة كان يمكن أن يكون عاملا للاستماع إلينا كمغاربة، نختلف عقديا لكننا نظل منخرطين في مختلف النقاشات السياسية والمجتمعية التي يعرفها بلدنا”، مبرزا أنه “رغم عدم الاستدعاء، تقوم الآن الفعاليات المسيحية بمطالعة بعض مدونات الأسرة الخاصة بثلة من البلدان العربية كمصر والأردن ولبنان، وذلك لكي يكون لنا تصور قانوني متقاطع مع الروح التي تريدها هذه المدونة الجديدة”.
من جانبه، قال مصطفى السوسي، الكاتب العام لتنسيقية المسيحيين المغاربة الناطق الرسمي باسمها، إن “مطلب المدونة المسيحية خاضع للنقاش بين مختلف المسيحيين المغاربة، وهو موضوع أساسي وراهني بالنسبة إلينا”، متأسفا لعدم “قدرة المؤمنين به على لقاء الهيئة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة”، مبرزا أن “القرار النهائي في هذا الموضوع يبقى متمركزا في سدة القرار السياسي، والدولة إذا وجدت أن خلق مدونات للأسرة تعبر عن العقائد الموجودة في المغرب، فهذا هو المراد، لكون المسيحيين لهم نمط حياة اجتماعية خاص بهم”.
وأوضح السوسي، في تصريحه لهسبريس، أن “مدونة الأسرة التي توضع على الطريقة الإسلامية، لا تعبر، مثلا، عن أنماط حياتنا في الزواج والطلاق والإرث، لكوننا رغم أننا مسيحيون، فإن التركات يفرض أن يتم توزيعها وفق أنظمة الإرث الإسلامية في الوقت الحالي”، مضيفا أنه “من ناحية أخرى، يمكن للدولة أن تضع مدونة مدنية تقف على المسافة نفسها من كل الخيارات العقدية الموجودة في المغرب، بما فيها من يوجدون خارج توقيع الملة بشكل عام”، وزاد: “هذه المدونة ستحصن حقوق جميع مكونات المجتمع المغربي”.
وسجل المتحدث أن “مطالب المسيحيين مشروعة وعادية ولا تشكل أي تهديد لأي جهة، والملك محمد السادس سبق وقال إنه أمير للمؤمنين بكل الأديان”، لافتا إلى أن “الحق في الاختلاف وفي الوجود هو الذي سيمكننا مهما كانت تبايُناتنا من العيش المشترك ومن التعددية التي تعكس الغنى فينا كمغاربة، فمدونة أسرة إسلامية وأخرى يهودية وأخرى مسيحية، يمكن أن تجتمع جميعها تحت ظل مدونة مدنية تشكل حماية قانونية لكل المختلفين، مع أننا لن ننكر أن المدونة المسيحية فكرة لها طرافة حصرية داخل أفقنا”.
من الناحية العملية، يبدو أن لقاء التنظيمات المسيحية مع الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة سيكون مهمة صعبة في الوقت الحالي، خصوصا بعدما مرت الهيئة إلى المرحلة الموالية المتصلة بوضع عنوانها البريدي الإلكتروني الرسمي [email protected] قصد تلقي المذكرات (أو مذكرات إضافية) رهن إشارة المؤسسات والجمعيات والتنظيمات السياسية والنقابية، ومختلف الفعاليات، بيد أن الفعاليات الإنجيلية التي تواصلت معها هسبريس أكدت أنها “عازمة على إيصال صوتها”.