أخبار العالم

شح التساقطات المطرية يطلق دعوات لإعادة النظر في النموذج الفلاحي المغربي



تخوّفات كثيرة يُفرزها تأخر التساقطات المطرية بالمغرب، دفعت العديد من الفعاليات النشيطة في الشأن البيئي إلى التحذير مرة أخرى من “إمكانية تأثر قدرة القطاع الفلاحي المغربي على الصمود أمام الصعوبات المتسارعة التي تخلقها مذبحة المناخ بعدما دخل العالم مرحلة الغليان”؛ وهو ما نجم عن إعادة تدوير المطلب المتعلق بحتمية “إعادة النظر في السياسة الفلاحية المغربية، لتمتين قدراتها على التكيّف وتقليل استنزافها للثّروة المائية”.

وقبل شهور كان المجلس الوطني لحقوق الإنسان أصدر مذكرة حول “الحق في الماء.. مداخل لمواجهة الإجهاد المائي بالمغرب”، طالب فيها بإعادة النظر في نموذج النمو القائم على مركزية القطاع الفلاحي، وتفعيل المسؤولية الاجتماعية للمقاولات لحماية الثروة المائية، وتحسين حكامة قطاع الماء عبر مجموعة من الآليات، ومنها خلق المحاكم المائية.

“إعادة نظر عاجلة”

نادية حمايتي، خبيرة في المناخ والتنمية المستدامة، اعتبرت أن “النّموذج الفلاحي الحالي يبدو أنه بلغ مداه على هامش التغيرات المناخية التي جعلت الجفاف ببلدنا يصير هيكليّا”، مؤكدة أن “التقييم الموضوعي للقطاع الفلاحي المغربي باعتباره قطاعا مركزيا في النمو وفي الحفاظ على الثروات المستدامة يستدعي إعادة نظر حقيقيّة تستدمج البرامج التي أبدت نجاعتها، لكنها تطلق مختلف أشكال التّبذير المائي، لكون الحق في الماء صار حيويا أكثر من أي وقت مضى”.

وأضافت حمايتي، في تصريحها لجريدة هسبريس، أن “هناك العديد من الضّيعات تعتمدُ السقي بالتنقيط، لكن القطاع الفلاحي ضخم، والفلاحّين الصّغار لا يفهمون حدّة التحولات المناخيّة، لذلك مازال هناك تبذير فظيع للفرشة المائية في القطاع الفلاحي”، مبرزة أن “السلطات المختصة لابد أن تتجه نحو الصرامة ووضع البدائل بالنسبة لمجمل الفلاحين بالمغرب صغارا وكبارا، لأن قرار عقلنة التصدير كان مهما، لكن على أرض الواقع مازال القطاع الفلاحي يحتاج تأهيلا”.

وأوضحت المتحدثة عينها: “العديد من الزراعات كانت مستنزفة للفرشة المائية، وعلينا اعتماد فلاحة مستدامة تراعي التركيبة المناخية للفضاء الزراعي قبل زرع أي منتج فيه”، مؤكدة أن “توصيات البيئيين بإعادة النظر في النموذج الفلاحي المغربي في علاقته بالأمن المائي ستمكن المغرب من وضع تدابير للتكيف مع التغيرات المناخية، وأيضا الحفاظ على التوازنات البيئية التي صارت مهددة في السنوات الأخيرة بحكم تداخل عدة عناصر أساسية، منها التغير المناخي”.

“انفتاح على الخبراء”

مصطفى بنرامل، رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، أفاد في هذا السياق بأن “الاقتصاد في استهلاك الماء فلاحيا يجب أن يكون المدخل لوضع تصور فلاحي جديد للمغرب؛ تصور يستطيع أن يتكيف مع مجمل التّغيرات المناخيّة، وعلى رأسها الجفاف، من خلال انفتاح الجهات الرسمية على الفاعلين والخبراء”، مؤكداً أن “حالة الطوارئ المائية التي يعرفها المغرب تدعو إلى التفكير في خطة فلاحية وزراعية جديدة”.

وشدد بنرامل، في تصريحه لجريدة هسبريس، على أن “الدولة المغربية أبدت جدية ومسؤولية في هذا الصدد، لكن التغيرات في المناخ تعرف تطورات متسارعة يجب ألا نواجهها بمخطط فلاحي قديم، بل ينبغي أن يكون متجددا ومستداما، يراعي ضياع ملايير الأمتار المكعبة من الماء في الفلاحة التي تستهلك حوالي 70 إلى 80 في المائة من إمدادات البلاد من المياه”، وشدد على أن “العديد من الآبار والضيعات جفّت ونضبت مواردها بالمطلق، ما صار يستدعي بالفعل سياسة جديدة صارمة وشديدة التتبع والتقييم”.

ونبه الخبير البيئي إلى “ضرورة الاعتماد على الأشكال التّقليدية المحافظة على الثّروة المائية، وأيضا الاستثمار أكثر في الفلاحة البيولوجيّة التي صار المغرب ينتهجها منذ سنوات”، موضحا أن “الوقت الحالي لا يقبل المماطلة أو التسويف في ما يخص ضرورة وضع مخطط مغاير يُعلن ضمن ميكانيزماته أنه يخص التكيف مع التغيرات المناخية، ويضع السبل الكفيلة لإنجاح تنزيله، بما في ذلك توعية الفلاحين الكبار والصغار وضرورة توفير آليات المراقبة لضمان تنزيله في شكله الأفضل”.

يشار إلى أن محمد صديقي، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أفاد سابقا بأن مشروع السقي بالتنقيط في القطاع الفلاحي مكّن البلاد من اقتصاد ملياريْ متر مكعب من المياه المستعملة في القطاع ذاته، مؤكدا حينها أن “الوزارة ماضية في توسيع نطاق السقي بالتنقيط من أجل الوصول إلى مليون هكتار تُسقى بآليات تقنية حديثة وتكنولوجيّةٍ تقلل من استعمال الماء”، وزاد: “المغرب سيكون من البلدان الرائدة في هذا المجال”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى