حرب غزة: دور منظمة الصليب الأحمر الحساس في أزمات الرهائن
في ظل التركيز الشديد على الرهائن الإسرائيليين الذين أطلقت حركة حماس سراحهم، كانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قلب عملية تسليم الرهائن وعلى الرغم من أن عملها كان هادئاً ولكنه كان حاسماً.
وتظهر لقطات عمليات الإفراج المصورة، موظفي الصليب الأحمر، وهم يرتدون ستراتهم البيضاء المميزة بشعار المنظمة المتعارف عليه دولياً، ويستلمون الرهائن من مسلحين ملثمين، ويساعدون الرهائن بعناية في ركوب السيارات التابعة للمنظمة، ويقدمون لهم الإسعافات الأولية ويلعبون مع الأطفال في لحظات حريتهم الأولى.
وكانت المنظمة على اتصال بحماس منذ احتجازها نحو 240 شخصاً خلال هجومها الضخم على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والذهاب بهم إلى غزة. وقد دعت المنظمة مراراً وتكراراً إلى إطلاق سراحهم، أو على الأقل السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارتهم.
وقد تم حتى الآن إطلاق سراح عشرات الرهائن الإسرائيليين من الأطفال والنساء، بموجب الاتفاق مع حماس، إلى جانب رهائن تايلانديين وآخر يحمل الجنسية الروسية، وتسليمهم إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر. ولم تشارك المنظمة في المفاوضات حول شروط الإفراج، لكنها عملت على تسهيل الإجراءات وتنفيذها بمجرد اتفاق الجهات المعنية على هذه الشروط.
وتعرضت اللجنة الدولية للصليب الأحمر لبعض الانتقادات من جانب إسرائيل “بأنها لم تقم بالمزيد من أجل الرهائن”.
لكن المنظمة قالت: “اللجنة الدولية للصليب الأحمر لا تستطيع اقتحام مكان احتجاز الرهائن، كما أننا لا نعرف موقعهم”.
وتعكس هذه الاتهامات الإحباط في جنيف، بشأن عدم تفهّم الجميع ما يستطيع الصليب الأحمر أن يفعله وما لا يستطيع أن يفعله.
وتحاول المنظمة أداء دورها التقليدي بموجب اتفاقيات جنيف، حيث تطلب زيارة الرهائن وتوصيل الإمدادات الطبية وإيصال الأخبار إلى أُسر المحتجزين. ولا يمكن أن يحدث أي من ذلك ما لم تتفق حماس وإسرائيل عليه. اللجنة الدولية للصليب الأحمر جهة غير مسلحة وتعتمد كلياً على ثقة الأطراف المتحاربة -والمدنيين العالقين في النزاع- للقيام بعملها.
وبالطريقة نفسها التي نقلت بها الرهائن الإسرائيليين إلى خارج غزة، فقد أخذت المنظمة أيضاً المعتقلين الفلسطينيين الذين أفرجت عنهم إسرائيل من سجونها، إلى منازلهم في الضفة الغربية، ضمن صفقة التبادل.
تعتبر العمليات اللوجستية لهذه الصفقات معقدة ولكن المنظمة معتادة على مثل هذه التعقيدات.
خلال العام الماضي، سهلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إطلاق سراح ما يقرب من 900 محتجز في اليمن، كانوا محتجزين عند جماعة الحوثيين أو قوات الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية.
واستغرقت تلك العملية يومين، قامت خلالها المنظمة بزيارة كل سجين للتأكد من أن صحته جيدة بما يكفي للسفر ورغبته الفعلية في العودة، ثم استأجرت طائرات للسفر إلى مناطق النزاع لإحضارهم.
واعترف فابريزيو كاربوني، المدير الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر في الشرق الأوسط، في ذلك الوقت بمدى ارتياحه لأن عملية التبادل جرت بسلاسة تامة. وقال إن حياة عمال الإغاثة في كثير من الأحيان تدور حول “الشعور بالإحباط، إنها تتعلق بقول لا أكثر من قول نعم” في كثير من المواقف.
تحديات جديدة
إن الإجراءات التي تقوم بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أجل الرهائن في غزة هي جزء من تاريخ طويل.
ففي متحف الصليب الأحمر في جنيف، أرشيف يضم ستة ملايين بطاقة تسجيل، تتضمن تفاصيل الأسرى والمفقودين من الحربين العالميتين.
إنها مجموعة مبهرة: إحدى البطاقات تؤكد أن شارل ديغول، زعيم فرنسا في الحرب العالمية الثانية ورئيسها في ما بعد، قد تم أسره في معركة فردان في العام 1916. وتظهر بطاقات أخرى قلق الأمهات اللواتي كنّ يبحثن عن أبنائهن، والردود الحزينة التي تؤكد مقتلهم.
ويوضح الأرشيف الدور الرئيسي للجنة الدولية للصليب الأحمر بموجب اتفاقيات جنيف: البحث عن القتلى والمفقودين وزيارة أسرى الحرب والاطمئنان على سلامتهم وتبادل الرسائل بين أسرى الحرب وعائلاتهم.
وفي مبنى هادئ في التلال المطلة على جنيف، تقوم وكالة الصليب الأحمر المركزية للبحث عن المفقودين، الآن، بفعل الشيء نفسه تماماً للعائلات الروسية والأوكرانية مع استمرار الحرب الناجمة عن غزو موسكو واسع النطاق لأوكرانيا في العام 2022.
ولكن خلال القرن الفاصل بين الحرب العالمية الأولى واليوم، توسع عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر. و تغير شكل الحروب، وكثيراً ما يتم استخدام الميليشيات المسحلة بدلا من الجيوش التقليدية، ويتم اعتقال المدنيين والمقاتلين أو اختطافهم أو يختفون بكل بساطة.
وعلى الرغم من هذه التغيرات، يبقى هدف الصليب الأحمر كما هو: نقل الأخبار عن الأحباء المفقودين وإذا أمكن، لم شمل العائلات التي فرقتها الحرب.
النقاط الساخنة العالمية
خلال فترة سجن نيلسون مانديلا الطويلة خلال نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، كانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تقوم بزيارته بانتظام في جزيرة روبن.
وحتى التوصل إلى اتفاق “الجمعة العظيمة” للسلام وتقاسم السلطة في أيرلندا الشمالية، كانت المنظمة تزور أفراد الجماعات شبه العسكرية الذين كانوا مسجونين هناك.
ويساعد الصليب الأحمر أيضاً في عمليات تبادل الأسرى وإطلاق سراح المختطفين أو المحتجزين كرهائن.
وعندما اختطفت جماعة بوكو حرام، المئات من تلميذات المدارس في نيجيريا في العام 2014، ساعدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تسهيل إطلاق سراح بعضهنّ بعد عامين.
ولكن كما هي الحال مع الرهائن في غزة الآن، فإن دعم أو تسهيل عملية إطلاق سراح المحتجزين، لا يعني القيام أو المشاركة في التفاوض.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في ذلك الوقت في نيجيريا: “لم نشارك في المفاوضات من أجل إطلاق سراحهن.. قمنا بنقل الفتيات بعد توافق الطرفين المعنيين”.
وأوضح كاربوني، الذي رافق رئيسة المنظمة ميريانا سبولجاريك إلى قطر في وقت سابق من هذا الأسبوع، كيف يرى الصليب الأحمر دوره الأساسي، والذي لم يتغير نسبياً منذ أكثر من قرن.
وقال: “أنظر إلى أطفالي، وأنظر إلى إخوتي، وأقول: تخيلوا الآن أن هناك خط جبهة بيننا، ويتم القبض عليكم، ولا أستطيع رؤيتكم. أو ما هو أسوأ من ذلك، ألاّ أمتلك أخبارا عنكم، وألاّ أعرف شيئاً”.
وأضاف: “عندما نتمكن من لم شمل الناس، يصعب وصف هذا الشعور، إنه شعور نبيل للغاية”.