صحافيون مغاربة: الريسوني “قلم مزعج”

في سياق حملة “الكاتب المسجون” التي أطلقتها “منظمة قلم الدولية”، اهتمت ندوة رقمية، مساء الأحد، بالصحافي سليمان الريسوني و”قلمه المزعج”، وفق عنوان الموعد.
وقال يونس مسكين، مدير نشر سابق لـ”أخبار اليوم”، إن هذه فرصة لـ”تجديد التضامن مع زميلنا، والتعبير عن الأسف والحسرة لهذا التغييب المفروض علينا جميعا لأحد الأصوات التي كانت تضيف قيمة لا يستهان بها إلى النقاش العمومي، والتفاعل الذي يحصل بين المثقفين والمهتمين بالشأن العام”.
وأضاف الصحافي: “الإزعاج من الخصائص المميزة لكتابات سليمان الريسوني وإسهاماته، وهذه قيمة إيجابية في الميدان المهني والصحافي لصنع القيمة في النقاش العمومي (…) وله قدرة على ملامسة خطوط الإزعاج، في تماسها مع مركبات المصالح ومراكز النفوذ والمسؤولين، وما يعطي مبررا للكتابة الصحافية هذا التماسُّ مع الحساس والطابو والمقلقِ لراحة بال أطرافٍ”.
وتابع: “لا يتميز سليمان بالإزعاج فقط الذي يتطلب قدرا من الشجاعة والإقدام؛ بل يتميز أيضا بالموهبة والخوض في القضايا بجمالية، وشَخصيته كمثقف موسوعي تسهم في هذا وعمله الميداني كصحافي. هذا ما يكوّن له رؤية شاملة، إضافة إلى تميز قلمه لغويا، ومن حيث القدرة على تطويع الكلمات والعبارات والاستعارات”.
وواصل: “كانت له قدرة أن يكون قريبا من الناس وعَيناً على المجتمع، وفي الوقت نفسه قدرة المثقف على التفكيك والتركيب والتحليل وإنتاج المواقف، وهذا ما جعلنا نصر ونحرص على دعوته إلى الالتحاق بـ”أخبار اليوم” في فترة مؤلمة، وفترة خصاص في الافتتاحية، العمود الفقري للجريدة، بعد اعتقال توفيق بوعشرين”.
وزاد: “هو إنسان مناضل، انخرط في تنظيمات وحركات سياسية (…) وكنا نحتاج في الجريدة هذه الجرعة من الاشتباك الفكري، والاشتباك مع الآراء الموجودة في الساحة، والدفاع عن الاختيارات التحريرية الأساسية لـ”أخبار اليوم”؛ الاختيار الديمقراطي، حقوق الإنسان، والمساواة، والانتصار للمجتمع والمواطن في مقابل مراكز النفوذ والسلطة (…) ولم يصل النقاش بيننا إلى حدة أو سوء (…) بل كانت تجربة غنية بالتعاون والمساندة المتبادلة”.
وذكر يونس مسكين أن استحضار نموذج سليمان الريسوني “أكبر من شخص، أو أشخاص آخرين معتقلين، بل قضية وطن وأمة”؛ لأن “اعتقال شخص واحد بسبب رأيه ومشاركته في النقاش العمومي إدانة للجميع”، وبالتالي “على المغرب المسارعة لطي الصفحة كاملة، بجميع مظلوميها، وإلا فبقاء واحد يعني صمت الملايين”.
من جهتها، ذكرت الصحافية هاجر الريسوني أن “المتابعين يعرفون، منذ عقدين، أسلوب كتابات سليمان الريسوني في النقد ومعالجة القضايا”، وزادت: “بعض من زملائه يعتبرونه من أفضل من كتب الافتتاحيات بالمغرب، وهو رئيس قسم التحقيقات الاستقصائية سابقا بجريدة “المساء” قبل ترؤسه تحرير “أخبار اليوم”، وأسلوبه متفرد في الكتابة (…) وقد قضى الآن ثلاث سنوات ونصف السنة بالسجن، ولا تزال تنتظره سنة ونصف السنة”.
الصحافي رشيد البلغيتي ذكر، بدوره، أن “مناسبة حصول سليمان على اعتراف من منظمة القلم الدولي فرصة لتجديد التضامن مع سليمان وأسرته الصغيرة زوجته وابنه، وأسرته من صحافيات وصحافيين لا يزالون يأملون فرصة تتأتى لهم لتقوم الصحافة بدورها العادي والطبيعي في خدمة البلد، والدفع به إلى فضاء للحريات والتداول دون خوف أو وجل”.
وذكر البلغيتي أن الريسوني “قادم من مسار نضالي (…) بوعي سياسي متقد بفهم البلاد وقواها، ومسار فيه حساسية تجاه اللغة والمعرفة والأدب، ومراكمة للتجارب في هيئات تحرير مختلفة”، وبمثل هذا التراكم “لا يمكن إلا أن تكون صحافيا مؤثرا أو مزعجا؛ لأن الكتابة تتحول إلى أثر، بجمعها بين المعرفة الرصينة، والمهنية، واللغة التي تنفذ إلى قلوب الناس”.
وأضاف: “سليمان ليس له صديق في الصحافة، فله القدرة على الخروج من جبة الصديق، متى كان الآخر فاعلا عموميا، ليكتب عنه بكثير من التجرد. ووقع في اشتباكات مع أصدقاء مفكرين وكتّاب اختلف معهم في الرأي، وكان حادا في نقده وإعلان اختلافه، ولم يؤدّ هذا إلى خصومة وقطيعة؛ ففي آخر المطاف لا توجد وراء الكتابة ضغينة أو حقد، بل رغبة في فتح باب النقاش على أوسع آفاقه، والاختلاف بشكل شفاف مسنود بنزاهة فكرية”.
ثم أردف قائلا: “الصحافة ليست تدويرا لبلاغات مؤسسات عمومية وتواصلية فقط، بل إيصال معلومة تهم الناس ولا يراد لها أن تُعرف، وهنا تظهر أهمية سليمان الريسوني ومن يشبهه من الصحافيات والصحافيين”، أي “إدخال الخبر والمعلومة والمبادرة العمومية الرسمية إلى ماكينة التحليل، وتفكيكها وإعادة بنائها والخروج بخلاصات لتقاسمها مع الناس في الفضاء العمومي، وهذا عمل كان يقوم به بشكل جيد، وقبل سليمان كان توفيق بوعشرين يقوم بهذا بشكل جيد، وقبله علي أنوزلا، وقبلهم قلة ليس في المغرب فقط بل في العالم”.
وفي المرحلة الراهنة التي تعيشها البلاد، ذكر البلغيتي أنه “تم تحييد هؤلاء الصحافيين مجتمعين، بأساليب مختلفة، رمزيا، أو ماديا بالسجن”، علما أن “اعتقال صحافي هو اعتقال جميع المشتغلين بالمجال”؛ لأنه يؤثّر على الكتابة، والمفردات المستعملة، والمواضيع المتطرق لها، وبالتالي “قضية سليمان الريسوني قضية مجتمع، ومغرب التداول الحر الذي نريده”.