حرب غزة: رحلة أب عائد إلى القطاع كي يتفقد أسرته
- Author, ياسمين شاهين
- Role, بي بي سي – القاهرة
ما إن علم أبو عبدالله العطار بخبر التوصل إلى هدنة إنسانية في قطاع غزة، تسمح ضمن بنودها بفتح معبر رفح البري أمام العالقين الفلسطينيين في مصر منذ بداية الحرب، حتى اختار العودة إلى وطنه هناك، غير مكترث بالحرب التي لم تضع أوزارها بعد.
أبو عبدالله، أب فلسطيني لأربعة أبناء، يتردد على مصر زائرا منذ عام 2021، وكانت آخر زيارة له إلى القاهرة في منتصف سبتمبر /أيلول الماضي عندما رافق ابنه أحمد أحمد البالغ من العمر ثماني سنوات، والذي فقد بصره جراء شظايا قصفين بالقرب من منزلهم في بيت لاهيا شمالي قطاع غزة عامي 2021 و 2022.
أغلق معبر رفح أبوابه، مع بداية التصعيد العسكري الحالي في 7 أكتوبر تشرين الأول، أمام الفلسطينيين الراغبين في العودة إلى القطاع، وهو ما منع أبو عبد الله من العبور إلى غزة منذ ذلك الحين.
أراد الرجل الأربعيني العودة للاطمئنان على زوجته و أبنائه الثلاثة الآخرين الذين نزحوا بسبب الحرب من بيت لاهيا إلى إحدى المدارس في خان يونس جنوبي قطاع غزة.
تضرر الحي الذي يسكنه أبو عبد الله عدة مرات بسبب تكرار الهجوم العسكري الإسرائيلي بداية من عام 2003، حتى اعتاد أطفاله على الأمر دون خوف، إلا أن بيته قُصف كليا في أول أيام هذه الحرب.
ويقول أبو عبد الله “في بداية الحرب انقطع الاتصال بغزة ثم وصلني خبر مقتلهم ثم انقطع الاتصال مرة أخرى”، وأضاف وهو يتذكر تلك اللحظات ويلتقط أنفاسه بصعوبة “خمسة أيام كنت أشرب فيهم الماء فقط حزنا عليهم”. ثم عاد الاتصال و تأكد أبو عبد الله من نجاتهم بأعجوبة.
“كاد قلبي أن يُخلع من مكانه” هكذا يقول أبو عبدالله مشتاقا لرؤية أسرته الصغيرة و عائلته و أقربائه، حيث فقد بعضا من أبناء عمومته.
رحلة طويلة وشاقة
قبل التوجه إلى رفح، ودع الرجل ابنه أحمد المريض الذي ملأت الدموع عينيه، تاركا إياه مع جدته و جده، في القاهرة لمواصلة علاجه لأربعة أشهر قادمة.
حزم أبو عبدالله أمتعته ، وكان من ضمنها حقيبة بها أدوية لعلاج مرض السكري، قال إن فلسطينية تقطن في مدينة الإسماعيلية شرقي القاهرة جاءت خصيصا إلى القاهرة لتسليمها له ليوصلها إلى زوجها هناك بسبب استحالة حصوله على مثل هذه الأدوية في غزة.
وقبل أن يغادر، نجح أبو عبدالله في أن يجري اتصالا بأبنائه في خان يونس، وقد طالبوه بإحضار حلوى و مشروبات غازية و بطاطس مقلية و شيكولاتة، يعلق أبو عبدالله: “لم يطلبوا ألعابا مثلا، أبسط الاحتياجات كهذه أصبحت غير متوفرة في قطاع غزة”.
بدأت الهدنة في السابعة بالتوقيت المحلي صباح الجمعة الرابع و العشرين من نوفمبر تشرين الثاني، و انطلق أبو عبدالله في العاشرة مساء هذا اليوم قاطعا مئات الكيلومترات في رحلة شاقة، تخللها التوقف مرارا في عدد من نقاط التفتيش، حتى وصل إلى معبر رفح صباح الأحد السادس و العشرين من نوفمبر /تشرين الثاني.
على الجانب الآخر من الحدود
“ارتحت كثيرا، أشعر أن جبلا قد أزيح من فوق قلبي” هكذا يروي أبو عبدالله بعد ركوبه سيارة من الجانب الفلسطيني من معبر رفح متجها إلى خان يونس للقاء أسرته بعد خمسين يوما من بدء الحرب، و بعد رحلة استغرقت ستا و ثلاثين ساعة بدأها من القاهرة.
تعلق محمود – وهو الابن الأصغر – بعنق أبيه ما إن ترجل أبو عبدالله من السيارة على باب المدرسة التي نزحت إليها أسرته، وأهداه والده قبلات مرسلة من أخيه أحمد و جده و جدته.
وما إن دخل أبو عبدالله إلى المدرسة حتى توافد باقي أفراد عائلته الذين سكنوا جميعهم في أحد فصول المدرسة، فضلا عن أصدقاءه، و أقاربه لاستقباله والترحيب به فرحة بعودته سالما.
بابتسامة رضا رغم دمار البيت و مقتل بعض أفراد عائلته في الحرب، يتفقد أبو عبدالله المدرسة، يقول إن مديرها أخبره أنها تستوعب فقط 1500 طالب، و الآن تحتوي على نحو سبعة آلاف نازح.
“البيت فداء لغزة وقتلاها، نستطيع أن نعمره مرة أخرى لا مشكلة في ذلك”، هكذا يقول أبو عبدالله ناظرا من إحدى شرفات المدرسة التي امتلأ فناؤها بخيم النازحين، ويستطرد “نحن لن نترك أرضنا و إن كان لابد من الموت فليكن في بلدي”.
وكانت السفارة الفلسطينية قد أعلنت إمكانية عودة العالقين في شمال سيناء والراغبين في العودة لغزة بداية من الجمعة الماضية، والعالقين في العاصمة المصرية القاهرة وباقي المحافظات المصرية بداية من السبت الماضي.
ومنذ بداية الهدنة المؤقتة بين إسرائيل وحماس، عبر ما يزيد على 1000 فلسطيني، عبر معبر رفح الحدودي إلى قطاع غزة للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب في القطاع في السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي.
و يستمر تدفق الأسر الفلسطينية الراغبة في العودة إلى غزة طواعية، خلال أيام الهدنة التي تم تمديدها إلى يومين لتنتهي صباح الخميس المقبل.