نظرية مؤامرة جديدة في الهند تتسبب بأضرار في العالم الحقيقي
تحقيقات بي بي سي، دلهي
يتم منذ سنوات تداول النظرية المثيرة للجدل التي تسميها بعض الجماعات الهندوسية “جهاد الحب”، والتي تدعي أن العديد من الرجال المسلمين يشاركون في مؤامرة لإغواء النساء الهندوسيات وتحويلهن إلى الإسلام رغم عدم وجود أدلة على ذلك.
لكن الآن تنتشر على الإنترنت نظرية معاكسة مفادها أن الرجال الهندوس يحاولون عمدا إغواء النساء المسلمات للإيقاع بهن وتحريفهن عن دينهن. ويطلق على هذه الخدعة “مصيدة الحب بهاغوا”، ومرة أخرى، الأدلة على هذا الادعاء ضئيلة. لكن هذا لم يمنعها من الامتداد إلى أعمال عنف على أرض الواقع.
وتقول مريم، امرأة مسلمة من شمال الهند، وهي تتذكر سلسلة من الرسائل المسيئة التي تلقتها عبر الإنترنت: “لقد كان الأمر حقيرًا للغاية، لم أستطع أن أصدق عيني”.
وكانت مريم – وهذا ليس اسمها الحقيقي – هدفًا لهجوم استهدف جمع المعلومات الشخصية عنها والكشف عن تفاصيل حياتها الشخصية عبر الإنترنت. وتم نسخ صورها وهي تقف بجانب رجال هندوس من حسابات عامة على وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدمت للادعاء بأنها أقامت علاقات عاطفية مع اتباع الديانات الأخرى، وهو أمر محظور للغاية لدى أولئك الذين يهاجمونها عبر الإنترنت.
وتبين أن هذه المزاعم غير صحيحة تماماً.
فقد كان الرجال الظاهرون في الصور أصدقاء، وليسوا عُشاقا، لكن ذلك لم يمنع متهميها من نشر ادعاءات كاذبة. وتقول: “قالوا إنني أنام مع رجال هندوس. وأساؤوا إلى والدي وشككوا في تربيتي”.
ولا تزال العلاقات العاطفية العابرة للأديان من المحرمات الكبيرة بين العائلات الهندية المحافظة.
واستناداً إلى هويات أصحاب بعض الحسابات التي قامت بالتشهير بها، تعتقد مريم أن رجالًا مسلمين كانوا وراء الادعاءات بأنها وقعت ضحية “مصيدة الحب بهاغوا”.
وتعني كلمة “بهاغوا” الزعفران، الذي يتميز باللون الأصفر البرتقالي و بات رمزاً لهندوتفا. وهندوتفا هي أيديولوجية تروج حسب رأي مناوئيها لنوع من القومية الهندوسية اليمينية المتطرفة. في هذا السياق، يتم استخدام كلمة “بهاغوا” كمرادف لكلمة هندوتفا.
وحسب نظرية “مصيدة الحب بهاغوا” يحاول الرجال الذين يؤمنون بالهندوتفا إغواء النساء المسلمات وإغرائهن بالابتعاد عن مجتمعاتهن. ويتم الترويج لهذه الفكرة في المقام الأول من قبل الرجال المسلمين، حيث يخشى الكثير منهم أن تكون هذه الممارسة تحدث بالفعل.
وتحدثت بي بي سي إلى أصحاب الحسابات المؤيدة لهذه النظرية واستعرضت الأمثلة التي قدموها. ولم نعثر على أي دليل يشير إلى وجود مؤامرة على الأرض. لكن الرواية استمرت في الانتشار على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تم استخدام العبارة أكثر من 200 ألف مرة منذ مارس/آذار من هذا العام.
ويمتد تأثير هذه النظرية إلى العالم الحقيقي أيضًا.
وفي مايو/أيار الماضي، انتشر على الإنترنت مقطع فيديو تم تصويره في ولاية ماديا براديش. ويظهر في الفيديو طالبا طب، وهما شابة مسلمة وشاب هندوسي، يعودان إلى جامعتهما على دراجة نارية.
وقد حاصرهما حشد من الرجال الذين يبدو أنهم مسلمون، وتم توبيخ المرأة لأنها اساءت لدينها حسب رأي المروجين لهذه النظرية. وصرخ أحدهم: “لن يسمح لك أحد بخذلان الإسلام”، فيما يعتدي آخرون على الشاب الهندوسي.
وشاهدت بي بي سي مقاطع فيديو لأكثر من 15 مواجهة مماثلة من مختلف أنحاء الهند. شاهد مقاطع الفيديو التي تزعم أن النظرية حقيقية، والتي تعرض هذه الحوادث وغيرها، أكثر من 10 ملايين شخص على يوتيوب وإنستغرام ومنصة إكس (تويتر سابقا)، مصحوبة بالهاشتاغ #مصيدة الحب بهاغوا.
وهذه النظرية هي عكس فكرة قديمة ومعروفة أكثر ألا وهي نظرية “جهاد الحب”. و تزعم هذه النظرية الرجال المسلمين يحاولون إغواء النساء الهندوسيات، وقد تم نشرها عبر الإنترنت من قبل القوميين الهندوس لسنوات عديدة. ومثل نظرية “مصيدة الحب بهاغوا”، انتشرت هذه الادعاءات دون وجود أدلة تؤيدها وأدت إلى أعمال عنف في العالم الحقيقي.
ولا تزال حالات الزواج بين الأديان نادرة في الهند، حيث يختار معظم الناس الزيجات التقليدية.
ولم تتمكن التحقيقات المستقلة التي أجرتها مؤسستان إخباريتان هنديتان من العثور على أدلة تدعم هذه النظرية .
و رغم ذلك، أصبح ما يسمى “جهاد الحب” عنصرا ثابتا في الخطاب السياسي في الهند. وقد تمت مناقشة هذا الأمر علنًا من قبل سياسيين من حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي، وهو حزب بهاراتيا جاناتا، وبعض أعضائه يؤيدون أيديولوجية هندوتفا.
لقد تم الترويج لنظرية “مصيدة الحب بهاغوا” في الغالب على وسائل التواصل الاجتماعي، و في معظم الحالات من خلال حسابات مجهولة، لكن عددًا من القادة المسلمين البارزين قاموا بتضخيم النظرية أيضًا.
وينسب شعيب جامعي، وهو عالم إسلامي ومعلق منتظم في القنوات الإخبارية الهندية، لنفسه الفضل في الترويج للفكرة في وسائل الإعلام الوطنية، لكنه يقول إنه لا يؤيد اعمال العنف التي تجري في هذا الشأن.
ويقول: “أنا لا أدعم أبناء المجتمع الإسلامي الذين يحاولون تطبيق القانون بأيديهم. هذا البلد يُحكم بالقانون”.
ولكن فيما يتعلق بصحة النظرية نفسها، فإن جامعي يؤكد أنها صحيحة بشكل لا لبس فيها. ويزعم أن الشباب الهندوس يتعرضون “لغسيل أدمغة” من قبل “لواء هندوتفا” لإيقاع النساء المسلمات في الفخ.
ويبني جامعي وغيره من أنصار النظرية ادعاءاتهم على مقاطع فيديو أصلية يتم تداولها عبر الإنترنت، تظهر زعماء الهندوتفا وهم يشجعون الرجال الهندوس بشكل نشط على ملاحقة النساء المسلمات.
ويظهر في إحدى هذه الصور يوغي أديتياناث، عضو حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند وهو يتحدث في تجمع سياسي في عام 2007. ويقول وسط هتافات الحشد: “إذا أخذ المسلمون فتاة هندوسية واحدة، فيجب أن نأخذ مئة فتاة مسلمة”.
وقد ارتقى أديتياناث منذ ذلك الحين ليصبح رئيس وزراء ولاية أوتار براديش. وسألته بي بي سي عما إذا كان لا يزال متمسكا برأيه، لكنه لم يرد.
لقد بحثنا في 10 أمثلة محددة شاركها معنا جامعي وغيره من أنصار نظرية “مصيدة الحب بهاغوا” لدعم اعتقادهم بأن هذه الظاهرة حقيقية. كانت هذه أمثلة على رجال هندوس، كما قال مؤيدو النظرية، دخلوا عمدًا في علاقات أو زيجات مع نساء مسلمات لتغيير دينهن وإيذائهن بسبب دينهن.
وفي حين أن جميع الأمثلة المذكورة لنا تتعلق بالعلاقات بين الرجال الهندوس والنساء المسلمات، إلا أنه في حالتين، لم تخضع النساء للتحول الديني.
وفي الحالات الست التي زُعم فيها أن الرجال الهندوس قتلوا شريكاتهم بسبب هوياتهم الدينية، كانت 4 من الحالات مرتبطة بنزاعات مالية أو منزلية أدت إلى القتل، وفقًا لبيانات الشرطة. ولم يتم التأكد من أسباب العنف في 4 حالات أخرى من خلال الأخبار أو تقارير الشرطة، ولكن لم يكن هناك دليل على أن نظرية “مصيدة الحب بهاغوا” لها علاقة بالحوادث.
تم فضح زيف سلسلة أخرى من مقاطع الفيديو التي قال المروجون لها أنها تثبت حقيقة مصيدة الحب بهاغوا بواسطة موقع التحقق من الحقائق الهندي بوم لايف.
وتنكر مجموعات الهندوتفا وجود هذه النظرية.
ويقول ألوك كومار، رئيس منظمة فيشوا هندو باريشاد، وهي منظمة هندوتفا: “لا يوجد أي دليل على الإطلاق على أن الهندوس يدبرون مثل هذه المصيدة”. واضاف قائلا إن الادعاءات التي طرحها رجال دين مثل جامعي “هشة للغاية”.
و كما هو متوقع، يعتقد كومار بأن نظرية “جهاد الحب” حقيقية. ويقول: “إن هناك قطاعا كبيرا من الرجال المسلمين الذين يستدرجون النساء الهندوسيات إلى فخهم”.
وعلى الرغم من أنه من المغري النظر إلى النظريتين على أنهما متنافستان تتصارعان من أجل السيطرة على الساحة، إلا أن البعض يختلف مع هذا الطرح.
وتقول فاطمة خان، وهي واحدة من أوائل الصحفيين الذين كتبوا عن مصيدة الحب بهاغوا: “يحظى جهاد الحب بدعم سياسي كبير، ومن ناحية أخرى، فإن مصيدة الحب بهاغوا هي نظرية مؤامرة وليدة إلى حد ما، ولا تحظى بدعم سياسي على الإطلاق”.
ومثل العديد من المناقشات الدائرة في البلاد، فإن هذه القضية تطغى عليها النزعة الحزبية السياسية – ولكن هناك شيء واحد يبدو واضحًا. لقد أثبتت الانقسامات الدينية في الهند أنها أرض خصبة لازدهار مثل هذه النظريات على الإنترنت، والتي تمتد إلى وقوع ضرر في العالم الحقيقي.
ومريم، المرأة المسلمة التي تعرضت للتشهير، هي مثال حي على ذلك . لقد كانت منزعجة جدًا من الرسائل التي كانت تتلقاها، لدرجة أنها أخذت عطلة من العمل لتجنب المواجهات المحتملة.
وتقول: “لأول مرة شعرت بعدم الأمان في الحي الذي أسكن فيه. لقد كنت منزعجة للغاية وخائفة من الخروج”. وأضافت، وهي تتحدى المنطق المشوه الذي يتبعه المتصيدون، قائلة: “أنت تدعي أنك تحمي النساء لكنك في الواقع تدمر حياتهن”.