مع طرق الأشباح.. من يُنقذ موسم المحاصيل في السودان؟
ويعد عبد القادر واحد من الآف المزارعين خاصة في إقليمي كردفان ودارفور يواجهون محنة جديدة بعد الحرب وهي صعوبة تسويق محصولاتهم الزراعية بأسعار مجزية تحسن من وضعهم المعيشي.
ويعود تراجع أسعار المحصولات الزراعية في مناطق الإنتاج بشكل رئيسي – حسب تجار – إلى صعوبة الترحيل الى مواني التصدير وأماكن الاستهلاك التي تقع في الجانب الشرقي من السودان، وذلك نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية وانتشار عصابات النهب المسلح وقطاع الطرق.
وتحول طريق “الصادرات” الذي يربط غرب السودان بوسطه (من الأبيض إلى أم درمان) إلى شارع أشباح تغيب فيه مشاهد الحياة، ويخلو من الحركة المرورية بعد أن أحجمت الشاحنات وسيارات نقل السلع عن سلكه بسبب النشاط المكثف لعصابات النهب.
خسائر فادحة
ولم تشكل صعوبة ترحيل المحاصيل الزراعية إلى مناطق الاستهلاك كارثة بحق المنتجين فحسب، بل تمتد إلى الدولة التي من المتوقع أن تخسر عائد مليارية من صادر المصولات مثل الفول السوداني والكركدي، وحتى الصمغ العربي الذي يبدأ انتاجه الشهر المقبل في منطقة الحزام الواقعة غربي البلاد.
وبحسب بنك السودان المركزي، فإن عائد صادر المحاصيل الزراعية مثل السمسم والفول السوداني بلغت 1.6 مليار دولار أميركي خلال العام 2022.
ويقول المزارع الفاتح عبد القادر لموقع “سكاي نيوز عربية”: إنه “يشعر بخيبة أمل كبيرة جراء التدني الكبير في أسعار محصول الفول السوداني، حيث كان يخطط لتحقيق عائد مجزي يغطي تكلفة الإنتاج العالية وتوفير مبالغ نقدية لمواجهة تكاليف الحياة”.
ويضيف: “نعتمد بشكل أساسي على الزراعة في تسير شؤون حياتي، فليس لدي أي مصادر دخل أخرى، لكن هذا الموسم رغم المعاناة الكبيرة التي واجهتنا خلاله سوف يعرضني الى خسائر طائلة ويعقد وضعي المعيشي”.
وبحسب الفاتح، فإن سعر القنطار (41.6 كيلوغرام) من محصول الفول السوداني انخفض إلى 13 ألف جنيه سوداني نحو 13 دولار أميركي، وهو سعر بسيط للغاية مقارنة بأتعاب وتكاليف الانتاج، كما يقل بنسبة 100 بالمئة عن سعره في العام الماضي، في حين انخفضت قيمة الجنيه امام العملات الاجنبية بنسبة تجاوزت المئة بالمئة عن 2022>
ورغم الأسعار المنخفضة لأسعار المحاصيل، فإن غالبية التجار أحجموا عن عمليات الشراء، وذلك بسبب شح السيولة النقدية في ظل إغلاق المصارف التجارية ابوابها، وهو ما فاقم المأساة على المنتجين.
ويقول حسن الأمين أحد تجار المحصول في محلية أبوزبد بولاية غرب كردفان لموقع “سكاي نيوز عربية”: إنه “اضطر للتوقف تماماً عن شراء المحصول بعد نفاد المبالغ النقدية التي بحوزته، بينما لم يتمكن من نقل الكميات التي قام بشراءها إلى مناطق الاستهلاك وماتزال متكدسة”.
ويضيف: “قمت بارسال شحنة واحدة من الفول السوداني المقشور إلى مدينة ود مدني، لكن تكبدت خسائر فادحة حيث تعرضت إلى عملة نهب في الطريق، إلى جانب دفع رسوم وجبايات طائلة للسلطات الحكومية”.
وضع كارثي
وتنذر حالة الكساد في سوق المحصول المنتجة خلال موسم الأمطار في السودان بمزيد من الضوائق المعيشية على المنتجين، كما تعطي مؤشرات بفشل محتمل للموسم القادم، وكذلك عمليات الانتاج الخاصة بالصمغ العربي.
ويصف رئيس الغرفة التجارية في محلية النهود عبدالعزيز أحمد عجب موسم المحاصيل الحالي بأنه استثنائي تفاقمت فيه المشكلات والعقبات على المنتجين والتجار على حد سواء.
ويقول عجب لموقع “سكاي نيوز عربية”: “تم افتتاح بورصة المحاصيل العالمية في مدينة النهود قبل أيام، ولكن الأسعار متدنية للغاية وهناك فرق كبير بين السعر في مناطق الإنتاج والاستهلاك والتصدير يصل إلى 100 بالمئة، ويعود السبب الى صعوبات الترحيل نتيجة تدهور الوضع الأمني بالطرق”.
ويضيف: “كثير من أصحاب الشاحنات رفضوا دخول موسم الترحيل بسبب وعورة الطرق وغلاء وشح الوقود، وهو ما أدى الى تراكم المحاصيل في المخازن وخلق كساد كبير.
ويشير إلى أنه نتيجة لتدهور الأوضاع الأمنية امتنعت البنوك التجارية عن تمويل التجار، لذلك كل عمليات الشراء الحالية تتم من الموارد الذاتية والمحلية وهي ضعيفة ولا تكفي لكمية المحاصيل الزراعية المنتجة.
فتح المسارات
وأطلق عجب مناشدة إلى الجهات المتحاربة في السودان بضرورة فتح المسارات والطريق أمام شاحنات المحاصيل وتذليل العقبات أمهامها حتى لا يتضرر المنتجين أكثر من ذلك.
ويقول سيد محمد طاهر وهو مصدر محاصيل زراعية في بورتسودان شرقي البلاد إن الرسوم والجبايات الكبيرة التي تفرضها الجهات المختلفة على الطرق ترفع المحاصيل بصورة كبيرة وتجعلها تفوق السعر العالمي في أغلب الأحيان مما يفقدها التنافسية.
ويضيف طاهر في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية”: “منذ وقت نعاني من ارتفاع المصروفات على المحاصيل بسبب تعدد الجبايات والرسوم الحكومية، وبعد اندلاع الحرب تفاقم الوضع كثيراً مثلماً نشهده في الموسم الحالي، وهي وضعية سيتضرر منها المنتج دون المصدر الذي سوف يضع هذه التكاليف على المشتري الخارجي”.
ويشير إلى أن تعدد الرسوم وكثرتها يشجع عمليات تهريب المحاصيل وبالتالي ستفقد الدولة ايرادات طائلة كانت ستدخل خزينتها من التصدير عبر النوافذ الرسمية.