هل يوظف “البيجيدي” غزة للتنصل من التوقيع على اتفاق التطبيع مع إسرائيل؟
وسط حضور كبير غصت به جنبات مسرح محمد الخامس بالرباط، أعاد حزب العدالة والتنمية (بيجيدي)، بقيادة أمينه العام عبد الإله بنكيران، تجديد التواصل عبر المهرجانات الخطابية وحشد الأنصار دعما لغزة التي تواجه عدوانا غير مسبوق من طرف الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي مثل محطة جديدة في تاريخ الحزب الطويل من التضامن والدعم للقضية الفلسطينية وشعبها إبان كل عدوان.
وأعاد بنكيران اكتشاف نفسه وقدراته الخطابية في المهرجان، حيث وجه انتقادات حادة إلى إسرائيل وجرائمها في حق الأطفال والنساء العزل في غزة، مؤكدا دعم حزبه لحركة حماس في معركتها ضد الاحتلال، مجددا التعبير عن موقف الحزب الرافض للتطبيع رغم أن أمينه العام السابق سعد الدين العثماني هو الذي وقع اتفاق إعادة استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل بدعم أمريكي.
في قراءته للموضوع، يرى المحلل السياسي محمد العمراني بوخبزة أن بنكيران في كثير من الأحيان يحاول “التخلص من إرث سعد الدين العثماني، وفي الغالب يقيم تجربته بأنها فاشلة ولم تكن ناجحة، وهذا من الناحية السياسية والأخلاق السياسية غير سليم، لأنه في جميع الحالات كان العثماني أمينا عاما للحزب ويقود الحكومة باسم الحزب ومعه وزراء باسمه”.
وأضاف بوخبزة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن حزب العدالة والتنمية بحكم “مرجعيته الإسلامية التي ألصقت به أكثر من الحقيقة، رغم أنه هو نفسه صرح أكثر من مرة بأنه ليس حزبا إسلاميا، اشتغل من أجل نيل الدعم الشعبي والتحكم في الشارع كثيرا بالقضايا التي توحد المغاربة”.
وأوضح المتحدث أن المغاربة بجميع أطيافهم مرتبطون بملف القدس وفلسطين، لذلك فحزب العدالة والتنمية ناقش هذا الموضوع في كثير من المناسبات من جانب الدين، معتبرا أن “الضربة القاصمة بالنسبة للبيجيدي كانت ارتباط اسمه بالتوقيع على اتفاق التطبيع”، مؤكدا أن الحزب يحتاج إلى “عمل كبير من أجل إعادة رسم صورة أخرى له والتخلص من هذه النقطة”.
وزاد بوخبزة قائلا: “أعتقد أن هذه الفعالية (المهرجان الخطابي) ليست مرتبطة بمسألة إعادة الوهج للحزب، بقدر ما هي محاولة للقطع بينه وبين الصورة المتعلقة بالتطبيع”، مبرزا أن قضية فلسطين “ليست مرتبطة بفئة اجتماعية معينة، بل هي توحد جميع المغاربة، وأي جهة يمكن أن تدعو إلى وقفة من أجل دعم فلسطين ستجد الاستجابة”.
وأشار المحلل السياسي عينه إلى أن بنكيران له الفئة التي تسانده وتدعمه، و”يظهر جليا أن هذه الفئة تخلت نوعا ما عن حزب العدالة والتنمية، ولم تعد تعتمد عليه لتمرير مصالحها والبحث عنها”، معتبرا أن نوعية الحضور داخل هذه التظاهرة “إشارة إلى العلاقة المجتمعية المغربية مع القضية الفلسطينية، وليست إشارة إلى العلاقة مع الجهة التي دعت إلى تنظيمها”، مشددا على أن اختبار شعبية “البيجيدي” يجب أن يكون “مرتبطا بالقضية التي تهم شأن الفئة التي تدعم حزب العدالة والتنمية، وأن يكون فيها اختلاف في وجهات النظر بين المجتمع، وآنذاك يمكن اعتباره امتحانا حقيقيا لشعبية الحزب”.
من جهته، أفاد المحلل السياسي محمد شقير بأنه من الناحية المبدئية كان حزب العدالة والتنمية في مساره السياسي يوظف “مساندته للقضية الفلسطينية للحشد وتوطين انتمائه للحركات الإسلامية، خاصة الإخوان المسلمين الذين يولون أهمية في بياناتهم ومواقفهم لما يتعلق بالمسجد الأقصى”، مبرزا أن الحزب “تورط في عملية التوقيع على اتفاقيات أبرهام التي تستأنف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، وكانت من بين الأسباب التي أدت إلى الانتكاسة التي تعرض لها في الانتخابات الأخيرة”.
وسجل شقير، في حديث لهسبريس، أن “العديد من أعضاء الحزب اعتبروا حدث التوقيع على اتفاق التطبيع نوعا من الخيانة للقضية”، مؤكدا أن الحزب وأمينه العام “أرادا أن يسترجعا مصداقيتهما السياسية، وتوظيفهما لهذه القضية في مسارهما السياسي تسمح لهما باسترجاع وحشد العديد من الأصوات والمؤيدين”.
وأضاف المصدر ذاته أنه “من أجل استرجاع المصداقية التي فقدها، يشتغل حزب العدالة والتنمية في الظرفية الحالية على قضيتين مرتبطتين بالدين، هما قضية إصلاح مدونة الأسرة ومساندة حماس كتنظيم إسلامي في مواجهة دولة الاحتلال”، معتبرا أن هذه القضية الأخيرة سترد للحزب “نوعا من الاعتبار، لأنه ينتمي إلى التيار الإسلامي الإخواني على الصعيد العالمي ويسترجع التأييد والمساندة التي كان يحظى بها من قبل مكونات من الحركة الدينية”.
وزاد شقير أن التظاهرة التي نظمها بنكيران “فرصة بالنسبة للحزب لاسترجاع مصداقيته على الصعيد الداخلي والخارجي ومكانته ضمن الحركة الإسلامية الإخوانية”، مستدركا بأن هذه التحركات “لن ترد له صورته من قبل، لأن مساندين كثرا فقدوا الثقة في الحزب لأن أحد وجوه الحزب قام بالتوقيع على اتفاق التطبيع”.
في إطار هذه الحركية، أشار شقير إلى أن “البيجيدي” يتصدر مساندي القضية الفلسطينية لـ”يسترجع نوعا ما تلك الصورة، ويعمل على حشد بعض الأنصار الذين يظهر أنهم يتقاسمون التأييد مع باقي مكونات الطيف السياسي في المغرب، لأن مكونات أخرى، بما فيها اليسار، كانت قد قامت بترؤس مسيرات داعمة للفلسطينيين”، مشددا على أنه من خلال هذا التفاعل، “لا يمكن لحزب العدالة والتنمية أن يحتكر مكاسب التضامن مع الفلسطينيين، إلا أنه سيتمكن من استرجاع بعض الثقة التي كان قد خسرها”.