“الطابو” في السّينما المغربية يطرح أسئلة “التحرر” واحترام هوية المجتمع
عالج فيلم “المحكور ماكيبكيش”، للمخرج المغربي البريطاني فيصل بوليفة، موضوع “المثلية الجنسية” بشكل إبداعي دون أن يكون موضوعا محوريا للعمل، رغم أن هذا الموضوع مازال يلقى “رفضا مجتمعيّا عاليا لدى الوعي الجمعي المغربي” الذي يعتبره “شذوذا”، ما جعل معالجة هذه التّيمات سينمائيّا في الآونة الأخيرة، مثلما حدث مع فيلم “أزرق القفطان” لمخرجته مريم التوزاني، يطرح مجموعة من الأسئلة بخصوص مدى قدرة “السينما الوطنية” على خلخلة بنيات “الطابو”.
وبدا أن “السّينما المغربية في محاولاتها معالجة مواضيع كانت إلى عهد قريب تدخل في خانة “المسكوت عنه”، صارت، حسب متتبعين ونقاد، “تحاكي نوعاً من النضج من حيث الكمّ والكيف والجرأة”، في حين إن فعاليات أخرى مازالت ترى أن الديناميّة والتّراكم اللذين عرفتهما السينما المغربية منذ العقود الأخيرة من القرن الماضي، لا يعدّان تسويغاً لمعالجة الابتذال سينمائيّا، كما قيل في مناقشة فيلم “أزرق القفطان” بالمهرجان الوطني للفيلم بطنجة مؤخّرا.
“محاولات للفهم”
الناقد السينمائي إدريس القري اعتبر أن “كلّ موضوع قابل لأن يعالج سينمائيا، لكن حين تكون المعالجة عادية ولا تتبنى موقفا واضحا في الدفاع عن الموضوع المثار، أي المثلية الجنسية، لا يعقبه ضجيج أو إثارة كبيرة، وهو ما حدث بالضّبط مع فيلم [المحكور ماكيبكيش]، الذي، بالعكس، لقي الإشادة لكونه سلّط الضوء على شيء موجود في المجتمع”، موضحاً أن “الفنّ بهذا المعنى ليس هو الموضوع، بل هو شكل معالجة الموضوع، وحينها ينجح الفن أو يسقط”.
القري اعتبر، في تصريح لهسبريس، أن “المثلية مازالت ظاهرة مجتمعية يعدها البعض خللا اجتماعيا أو نفسيا أو بيولوجيا، لكن وجودها كظاهرة في المجتمع أو كموضوع حساس كلما طرحت للنقاش تثير جدلا، وذلك في كل المجتمعات، وليس في المغرب فحسب”، مضيفاً أن “الذّرائع التي تواصل رفض المواضيع الحساسة في السّينما كيفما كان نوعها، تكون في الغالب أخلاقية ودينية، وهذا ليس مرتبطا بالدين في حد ذاته، وإنما بتصوره وممارسته”.
ولفت الناقد المغربي إلى وجود “موقف مسبق لدى الجمهور السينمائي حول مجموعة من المواضيع، ضمنها المثلية، لأنه لو نظرنا إليها بنظرة سوسيولوجية موضوعية عادية مفادها أن كل الظواهر موجودة داخل المجتمع، فستكون نظرتنا أخفّ حين نصادفها في السينما”، مبرزا أنه “رغم ذلك، تظل الطريقة المثيرة المفضوحة المستفزة التي يكون فيها العراء مجانيا وغير ذي معنى وظيفي وغرضها فقط إثارة الجدل، (تظل) مرفوضة دائما، سواء من طرف المجتمع المغربي أو غيره”.
طبيعة المتلقي
الناقد السينمائي عادل السمار اعتبر أن “السينما المغربية وصلت نوعا مهما من النضج، لكن يظل هناك إشكال يتصل بالمحاولات التي صار يعرب عنها المخرجون بطرح بعض المواضيع التي تكون في العادة مسكوتا عنها”، مسجلا أن “معالجة موضوع مثل المثلية لا تحتاج إلى درجة عالية من الحدّة، لكون هذه الأفلام لا تُلقى في أرض خلاء، بل هي تُقدم لمتلقٍ يحمل مجموعة من التصورات والقيم”، وأضاف: “من هذا المنطلق، يبدو أن بعض الأفلام التي تبالغ في المعالجة تتوجه بالضرورة إلى متلقٍ معين”.
ولم يستبعد النّاقد المغربي ذاته “حضور نزوع تجاري وتسويقي من خلال الرّغبة في إثارة الجدل لدى جملة من المخرجين الذين يشتغلون على مثل هذه المواضيع”، مؤكدا أن “هناك من عالج المواضيع ذاتها بطريقة فنية إبداعية، إدراكا منه أن من سيتلقّاها يريد مشاهدة فيلم يستطيع أن يطرح قضايا للتّفكير والنقاش وقادرة على الدفع نحو تغيير الصّور الجاهزة عن المسألة المعروضة ضمن الشريط، وليس لتنفير الناس منها”.
وكشف السمار، ضمن حديث لهسبريس، أن “المتفرّج الذي تتوجه إليه الكثير من الأفلام التي تعالج مواضيع حساسة بالمغرب، هو المشاهد الغربي في غالب الحالات”، منبها إلى أن بعضها يدخل ضمن “الخيار الإبداعي للمخرج كتعبير عن رؤية، وحتى الجمهور يشعر بالفرق حين تكون المعالجة بشكل طبيعي عفوي وصادق وحين تريد أن تستفزه لخلق ضجة للعمل، هذا طبعا بغض النظر إن كنا سنتفق مع المخرج أو المخرجة أم لا، لأن التقديرات في النهاية تختلف حسب طبيعة المتلقي دائما”.