عز الدين القسام: قصة الشيخ السوري الذي أعلن “الجهاد” ضد الانجليز في فلسطين
منذ السابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2023 تتصدر نشرات الأخبار ووسائل الإعلام حول العالم عبارة “كتائب عز الدين القسام”، التسمية الرسمية للجناح المسلح لحركة المقاومة الإسلامية حماس.
إليكم قصة رجل الدين السوري الذي بات رمزاً للكفاح المسلح ضد سلطات الانتداب البريطاني واليهود القادمين إلى فلسطين في القرن الماضي وعادت شخصيته وسيرته إلى دائرة الاهتمام والأضواء مع الحرب الحالية.
ولد عز الدين القسام في بلدة جبلة السورية جنوب مدينة اللاذقية الساحلية عام 1882. تلقى تعليمه على يد والده رجل الدين عبد القادر القسام الذي كان يتولى إمامة مسجد المنصوري في البلدة الساحلية السورية.
انتقل في الرابعة عشرة من عمره إلى القاهرة لإكمال دراسته في الأزهر حيث التقى واستلهم من الشيخ الإصلاحي الكبير محمد عبده ورشيد رضا وغيرهم من رموز تيار “الاسلام الإصلاحي”.
وبعد عقد من الزمن عاد إلى بلدته عام 1906 ليُدّرس في كتاب والده بجبلة وعُين إماماً وخطيبا في مسجد إبراهيم بن أدهم. وعندما غزا الجيش الإيطالي ليبيا في عام 1911، صعد الشيخ القسام إلى منبر مسجد المنصوري، داعياً إلى الجهاد.
وسرعان ما قام بتجنيد عشرات الشباب للقتال في طرابلس، بقيادة رجل دين دمشقي شاب يدعى الشيخ عبد القادر كيوان (قُتل على يد القوات الفرنسية عندما دخلت سوريا عام 1920).
حمل السلاح
شكل القسام مجموعة مسلحة صغيرة لمحاربة الفرنسيين بعد احتلالهم سوريا، وانضم إلى مجموعة عمر البيطار التي كانت تقوم بعمليات عسكرية ضد قوات الاستعمار الفرنسي في جبال صهيون ما بين عام 1919 و1921 في محافظة اللاذقية.
وبعد أشهر من فرض الانتداب الفرنسي على سوريا، صدرت مذكرة اعتقال بحقه، مما اضطره إلى الفرار إلى حيفا في عام 1921 مروراً ببيروت.
استقر عز الدين القسام في مسجد الاستقلال في الحي القديم بحيفا، الذي كان يأوي الفلاحين الفقراء الذين نزحوا من قراهم بسبب الأوضاع الاقتصادية. نشط القسام بينهم في محاولة لتعليمهم ومكافحة الأمية التي كانت منتشرة عبر تقديم دروس ليلية لهم.
انضم القسام إلى المدرسة الإسلامية في حيفا ثم جمعية الشبان المسلمين هناك، وأصبح رئيساً للجمعية في العام 1926.
قام القسام بالتدريس في مدرسة البرج ومسجد الاستقلال في حيفا، وفي العام 1928، التحق بالمحكمة الشرعية أثناء تأسيسه وترأسه جماعة تسمى “الشباب المسلمين” في فلسطين، مستوحياً من تجربة جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا قبيل ذلك في مصر.
كانت الهجرة اليهودية إلى فلسطين في ذروتها، حيث ارتفع عدد اليهود في فلسطين من 175138 في عام 1931 إلى 355157 في عام 1935. وقبل أن يدعو القسام إلى حمل السلاح، ظهرت مجموعات مسلحة تشن عمليات عسكرية ضد المنشآت البريطانية واليهودية في فلسطين، بزعامة أحمد طافش.
حملت المجموعة اسم “الكف الأخضر” وقامت بسلسلة من الهجمات ضد الأهداف البريطانية واليهودية في أكتوبر/ تشرين الأول 1929، بدعم من المقاومين الدروز القادمين من سوريا بعد سحق ثورتهم ضد الفرنسيين.
استفاد القسام من تجربة جماعة “الكف الأخضر” حيث استعان ببعض أفرادها لتشكيل خلايا نائمة وناشطة في مدن وبلدات متعددة. حمل التنظيم الجديد اسمي “جمعية مجاهدي سوريا” و “جمعية التسليح” في بداية الأمر لكنه عُرف بعد ذلك بـ “الكف الأسود”.
نفذ مقاتلو “الكف الأسود” أول عملية لهم في ربيع 1931 حيث كمنوا لمركبة تقل مسلحين يهوداً في طريق ياجور قضاء حيفا. فقتلوا ثلاثة وجرحوا أربعة، ولم يُصب أي من المُهاجمين. وكانت استراتيجية التنظيم تنفيذ عمليات ضد الأهداف اليهودية والبريطانية متباعدة زمانياً ومكانياً، فكانت العملية الثانية في الصيف، والثالثة مع بداية الشتاء من العام نفسه.
لكن في شهر يناير/ كانون الثاني 1932، وأثناء إطلاق المقاتلين النار على مستوطنة نهلال (أول مستوطنة يهودية عمالية في فلسطين) قرب مرج بن عامر، تركوا بصمات أقدامهم في الطريق بسبب الوحل مما مكن القوات البريطانية من اقتفاء اثر المهاجمين إلى قرية صفورية قضاء الناصرة حيث اعتقلت المجموعة وكانت بقيادة خليل العيسى المُلقب بأبي إبراهيم الكبير وهو أحد مساعدي القسام.
كشف النقاب عن عدد من خلايا التنظيم، وشنت سلطات الانتداب البريطاني حملات تصفية واعتقال للأعضاء، لكن التحقيقات فشلت في الكشف عن القائد العام للتنظيم القسام. وعلى أثر ذلك قرر القسام تجميد العمل العسكري لعامين ونصف حتى يستطيع إعادة بناء التنظيم، والتسليح، ولحماية بقية الأعضاء غير المكتشفين.
في أواخر العام 1935 أعلن القسام في خطبة علنية في جامع الاستقلال عن بدء العمل العسكري ضد القوات البريطانية. إعلان القسام عن بدء مرحلة “الجهاد” أتى رغم عدم استكمال كل الاستعدادات المطلوبة لذلك. يفسر البعض ذلك بأنه كان نتيجة تزايد الهجرة اليهودية الى فلسطين فيما يذهب رأي آخر إلى أن استعجال القسام إعلان “الجهاد” جاء بعد انكشاف أمره وتضييق سلطات الانتداب الخناق عليه.
توجه القسام مع 11 شخصا من أتباعه في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1935 إلى قرية يعبد الواقعة بين مدينتي جنين ونابلس فاكتشفت القوات البريطانية مكان المجموعة وتوجهت قوة كبيرة إلى هناك وحاصرتهم فدارت بين الجانبين معركة غير متكافئة استمرت لمدة 6 ساعات تقريبًا.
وقد قتل القسام حينها مع ثلاثة من مجموعته في الاشتباك وهُم يوسف عبد الله الزيباوي وعطية أحمد المصري وأحمد سعيد فيما جرح نمر السعدي وأسعد المفلح، بينما ألقي القبض على حسن الباير، وأحمد عبد الرحمن، وعربي البدوي، ومحمد يوسف، وحكم على كل منهم بالسجن مدة 14 عام.
نقلت جثامين القتلى إلى جنين، ثم أرسلت إلى حيفا ليستلمها ذووهم. وفي 21 نوفمبر تشرين الثاني من عام 1935 جرت مراسم دفن الثلاثة حيث انطلقت الجنازات من بيت القسام الذي كان يقع خارج البلدة إلى مقبرة قرية بلد الشيخ مباشرة دون المرور بمدينة حيفا حيث شارك فيها الآلاف من أبناء المدينة التي أضربت بعد شيوع نبأ مقتل القسام.
وقد تعرض قبر القسام للتخريب والاعتداء مراراً من قبل المتطرفين اليهود الذين حطموا شاهدة القبر ورسموا نجمة داوود عليه عام 2014.
تزوج القسام ابنة خاله، أمينة نعنوع، وانجب منها ثلاث بنات هن خديجة وعائشة وميمنة وجميعهن ولدن في جبلة وتزوجن في فلسطين لكنهن بتن في عداد اللاجئين بعد عام 1948 وتوزعن بين الأردن وسوريا ولبنان.
وفي فلسطين أبصر نجله الوحيد، محمد، النور عام 1924، أكمل محمد دراسته في القدس. في أعقاب النكبة رافق والدته وعاد معها الى مدينة جبلة السورية وهناك أصبح مدرساً للتربية الإسلامية وخطيباً وإماماً في مسجد المنصوري الذي كان يخطب فيه والده قبل فراره الى فلسطين وتوفي عام 1991.
وعاد عام 1994 حفيد القسام أحمد مع السلطة الفلسطينية الى الضفة الغربية وهو لا يزال يعيش هناك.
ألف القسام كتاب ” النقد والبيان في دفع أوهام خيزران” بالاشتراك مع صديقه رجل الدين الدمشقي محمد كامل القصاب الذي كان يعمل مديراً لمدرسة البرج الثانوية في حيفا و كانت تتبع الجمعية الإسلامية في القدس.
ونشر الكتاب في دمشق عام 1925.