أخبار العالم

اقتصاد المغرب يكتسب “قدرة الصمود”.. والنمو رهين بالتمكين للمرأة



بعد “تباطؤ حاد” بصَم بقوة ديناميات النمو الاقتصادي في المغرب عام 2022، توقع خبراء بمجموعة البنك الدولي، ضمن تقرير مفصل حديث قُدّم الخميس، أن يرتفع النمو الاقتصادي إلى حوالي 3 في المائة (%2.8) هذا العام، بفضل “التعافي والانتعاش الجزئي للإنتاج الفلاحي وانتعاش قطاع الخدمات (السياحة أساساً)، وكذا تطور إيجابي لصافي الصادرات”.

خافيير دياز كاسو، كبير الاقتصاديين في مكتب مجموعة البنك الدولي بالمغرب، قال خلال لقاء مع إعلاميين مغاربة نُظِّم مساء اليوم الخميس، من أجل تقديم تقرير رصد وتتبع الحالة الاقتصادية في المغرب، المعنون بـ«من المرونة والقدرة على الصمود إلى الرخاء المشترك» (“De la résilience à la prospérité partagée”)، إن “التباطؤ الملحوظ في نمو اقتصاد المغرب تسببت فيه صدمات المناخ والمواد الأولية والسلع التي حدثت متزامِنة بشكل متداخل”.

وسجل كبير الخبراء الاقتصاديين أن تقريرهم الأخير يتوقع أن “يتعزز هذا التعافي على المدى المتوسط، وأن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 3.1% عام 2024، و3.3% عام 2025، و3.5% عام 2026، مع تعافي الطلب المحلي تدريجياً من الصدمات الأخيرة”، منوّهاً إلى “انخفاض التضخم بمقدار النصف بين فبراير وغشت 2023، لكن تضخم أسعار الغذاء مازال مرتفعا، مؤثرا بشكل غير متناسب على الأسر الفقيرة /الهشة”.

وذكّر كاسو بأن “الصمود والمرونة اللّذين أبان عنهُما اقتصاد المغرب منذ أواخر العام الماضي وطيلة 2023 استأثَرَا بقسط وافر من النقاشات المعمقة خلال الاجتماعات السنوية للبنك وصندوق النقد بمراكش (أكتوبر الماضي)”، معتبرا أنه “رغم توالي الجفاف وتبعات الزلزال فإن المغرب كشف عن عُلُوّ كعبه في ضمان قدرة الاقتصاد على منع الصدمات المتتالية-المتداخلة من التحول إلى أزمة مستدامة”.

وتم بسط ومناقشة أبرز مضامين التقرير الفصلي الجديد (خريف 2023) بحضور جيسكو هنتشل، المدير الإقليمي لمنطقة المغرب العربي ومالطا بالبنك الدولي، الذي ألقى كلمة افتتاحية مقتضبة، عبر تقنية المناظرة المرئية، أشاد خلالها بـ”تحسُّن الوضعية الحالية والآفاق الاقتصادية للاقتصاد المغربي، رغم تعدد الصدمات وتواليها منذ التعافي من آثار الجائحة الصحية”.

وتعليقًا على التقرير الاقتصادي المحيَّن عن الوضع الاقتصادي بالمغرب قال هنتشل إن البلد “أبان قدرةً قوية على الصمود في وجه عدد من الصدمات، ومع ذلك مازال تأثير هذه الصدمات على رفاهية السكان واضحًا، كما أن الإصلاحات التي خططت لها الرباط بالفعل تعد أمرا ضروريا من أجل البناء على قدرة البلاد على الصمود خارجيا، وقبل كل شيء لتعزيز الرخاء، لاسيما لتحقيق الأهداف الإنمائية الطموحة المحددة في النموذج التنموي الجديد”.

أثر الزلزال اقتصادياً “محدود”

“أظهر المغرب قدرته القوية على الاستجابة بفعالية للصدمات في السنوات الأخيرة”، يورد ملخص للتقرير الجديد تتوفر هسبريس على نسخته، ضاربا المثال بـ”زلزال الحوز/الأطلس الكبير (8 شتنبر) الذي كان الأخير في سلسلة من الصدمات التي ضربت البلاد منذ جائحة كورونا”.

وتابع البنك الدولي بالمغرب منوهاً بأن “البلاد تمكّنت من إدارة الاستجابة الإنسانية للزلزال بنجاح، ووضع خطة تنموية طموحة لإطلاق إمكانات التنمية في الأقاليم الأكثر تضررًا”، مسجلا ضمن أبرز الخلاصات: “للزلزال آثار بشرية ومادية مدمرة ‘نأسَف لها’، تركزت بشكل رئيسي في المجتمعات المحلية الجبلية المعزولة، لكن من غير المرجح أن تكون له آثار كبيرة على الاقتصاد الكُلّي (المؤشرات الماكرو-اقتصادية)”.

“الصمود الخارجي”

تتجلى قدرة المغرب على الصمود الخارجي، بحسب خبراء المؤسسة المالية العالمية، في “الطلب الخارجي القوي على سلع وخدمات المملكة (من صناعات سيارات وطيران وفوسفاط وغيرها…)، رغم “التباطؤ الاقتصادي” الجاثم على أنفاس المستوى العالمي منذ 2020.

وبالمثل، تابع التقرير، ضمن أقوى الخلاصات، بأن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على المغرب “مازالت قوية وموجَّهة بشكل متزايد نحو قطاع الصناعات التحويلية”، فضلا عن “ظهور مجالات صناعية حديثة مختلفة، ترتبط بشكل جيد بسلاسل القيمة العالمية”؛ “كما حافظت المملكة على إمكانية الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية، رغم التشديد المستمر للأوضاع المالية العالمية”.

توصيات

رغم تذكيرهم بأن المغرب “أطلق إصلاحات طَموحة لتحسين الرأسمال البشري وتحفيز الاستثمار الخاص” فإن تقرير الخبراء برسم خريف 2023 لم يخْلُ من توصيات هامة للدفع بعجلة هذا الإصلاحات نحو “قطف” مزيد من ثمار النمو بشكل عادل سوسيو-اقتصادياً.

“لن تُحقِّقَ هذه الإصلاحات الأثر المنشود على التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلا إذا اقترنت بمبادرات حيوية أخرى”، يشدد مكتب البنك الدولي بالمغرب، معددا منها “إزالة العقبات التنظيمية والمؤسسية التي تحد من المنافسة، وتتسبب في بطء إعادة تخصيص عوامل الإنتاج نحو الشركات والقطاعات الأكثر إنتاجية”.

“نقلة نوعية” لتمكين اقتصادي للمرأة

“مازالت هناك حاجة –أيضًا- إلى نقلة نوعية لتمكين المرأة المغربية اقتصادياً”، وفق التقرير الذي سطّر على أنه “سيكون ضروريًا لتحقيق الطموحات الكبيرة للبلاد، حسب أهداف النموذج التنموي الجديد بحلول 2035”.

التقرير لفت أيضاً إلى أهمية “معالجة القيود المحدَّدة” التي تواجهها المرأة في المناطق القروية والحضرية على السواء (مشاكل التنقل، وعدم كفاية الشمول المالي والرقمي، وظروف مكان العمل، والتطور الضروري في الأعراف الاجتماعية التقليدية). فيما كشف مسؤولو البنك الدولي عن قُرب نشر نتائج دراسة تخص “عوائق سوسيو الثقافية” تحُول دون اندماج المغربيات بشكل كامل في سوق العمل والنشاط الاقتصادي، ضمن تفاعل مع سؤال لجريدة هسبريس.

وفضلا عن أهمية مشاركة الإناث في سوق العمل في “تعزيز المساواة بين الجنسين” فإن زيادة هذه المشاركة سيكون لها أيضًا “تأثير اقتصادي كبير، وستكون مُحَركاً قويا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية”، يعلّق مؤلّفو التقرير خلال اللقاء الإعلامي ذاته.

“تحقيق هدف النموذج التنموي الجديد المتعلق بمشاركة الإناث في سوق العمل بنسبة 45% (بحلول 2035) يمكن أن يؤدي إلى تعزيز النمو الاقتصادي بنحو نقطة مئوية واحدة سنوياً”، يخلص البنك الدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى