أخبار العالم

ماذا يعرف الشعب الأمريكي بخصوص ما يجري خارج حدود الولايات المتحدة؟



أصدر أحد المراكز البحثية، قبل سنة، تقريرا مهما استند فيه معدوه إلى نتائج أبحاث ميدانية أُنجزت خلال الفترة الممتدة ما بين 21 و23 مارس 2022، وقد أيدت بعض نتائج هذا البحث افتراضات سابقة بخصوص عدم إلمام أغلبية الأمريكيين بما يحدث خارج حدود بلدهم؛ إذ تم تسجيل أن نسبة كبيرة من المواطنين الأمريكيين غير مبالية بما يحدث في الخارج، لا سيما ما لا يتعلق بالقضايا الاقتصادية. وفي المقابل، أيدت بعض النتائج افتراضات حديثة مبنية على استطلاعات إعلامية أشارت إلى توجه الشعب الأمريكي نحو الاهتمام بالشؤون الخارجية، خاصة بالنسبة للذين لديهم تحصيل علمي جامعي، على عكس الاستطلاعات السابقة.

يُظهر التقرير الذي أصدره مركز “بيو للأبحاث” (Pew Research Center) في 25 ماي 2022، أن خريجي الجامعات حصلوا على متوسط ​​8.0 من أصل 12 سؤالا بخصوص الإلمام بالقضايا الدولية بشكل صحيح؛ إذ يحقق الأشخاص الذين لديهم درجة ما بعد التخرج الجامعي أداءً جيدًا بشكل خاص، حيث يبلغ متوسط ​​عدد الأسئلة الصحيحة 8.2، بما في ذلك 55٪ ممن حصلوا على تسعة أسئلة على الأقل بشكل صحيح. تكون الدرجات أقل بين الأمريكيين الذين لديهم تعليم أقل؛ فمن بين الأشخاص الذين لديهم بعض الخبرة الجامعية، يكون متوسط ​​عدد الإجابات الصحيحة 6.3، حصل أولئك الذين لديهم شهادة الثانوية أو أقل على 5.0 أسئلة بشكل صحيح، في المتوسط. ومن ثم، تتوافق هذه الاختلافات الكبيرة في التعليم مع استطلاعات سابقة أجراها المركز نفسه حول المعرفة العلمية والمعرفة الدينية.

يميل الرجال إلى تحقيق أداء أفضل في مقياس المعرفة الدولية مقارنة بالنساء بشكل عام، حيث حقق الرجال درجات أعلى في مقياس المعرفة مقارنة بالنساء؛ ففي المتوسط، أجاب الرجال بشكل صحيح على 7.3 أسئلة من أصل 12، مقارنة بمعدل 5.4 من الإجابات الصحيحة للنساء. لا يعني هذا التفوق الذكوري أن الرجال أكثر معرفة من النساء بشكل عام، ولكن هناك سببا آخر لهذا التباين في المعرفة، استنتجته العديد من الدراسات التي وجدت أن الرجال أكثر ميلا من النساء إلى تخمين أجوبة عن الأسئلة، حتى إذا لم يعرفوا الإجابة، أما النساء فإنهن يفضلن الجواب بـ”لا أعرف” على تخمين جواب غير متأكَد منه.

بشكل عام، مقارنة بالأمريكيين الأصغر سنا، حقق الأمريكيون الأكبر سنا-الذين يبلغون من العمر 65 عاما أو أكثر-أفضل أداء في مقياس المعرفة الدولية، حيث أجابوا بشكل صحيح على متوسط ​​6.7 أسئلة مقارنة بـ 6.2 بالنسبة لأولئك الذين تتراوح أعمارهم ما بين 50 و 64 عامًا، و6.4 لأولئك الذين تتراوح أعمارهم ما بين 30 و49 عامًا، و5.8 لأولئك الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما. أجاب حوالي ثلث هذه الفئة العمرية الأكبر على تسعة على الأقل من الأسئلة الـ 12 بشكل صحيح، مما يضعهم في فئة المعرفة “العالية”، بينما ربع الفئة العمرية الأصغر سنا فقط يندرجون في المجموعة نفسها.

تمكنت نسبة%79 من العينة المستجوبة من التعرف على صورة زعيم كوريا الشمالية “كيم جونغ”، بينما أجاب %74 منهم على أن الكاثوليكية هي الديانة الأكثر انتشارا في أمريكا اللاتينية. من الناحية الاقتصادية استطاع%67 من الأمريكيين التعرف على رمز عملة اليورو الأوروبية عندما خُيروا بين خمسة صور لعملات أخرى (الين، الباوند، الدولار) أو القول “لست متأكدا”. كما عرفت نسبة تفوق النصف من المستجوبين (58 %) أن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA) عوضت اتفاقية (USMCA) التي تضم المكسيك والولايات المتحدة وكندا.

قدمت نسبة %44 من العينة المدروسة إجابة خاطئة عندما طُلب منها تحديد الدولة التي لا تنتمي لحلف الناتو من بين مجموعة تضم أوكرانيا، بلغاريا، تركيا وإستونيا، بينما تمكن %56 منهم من إدراك أن أوكرانيا هي الدولة المعنية. وأما النتيجة التي لن ترضي وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، فهي أن حوالي نصف الأمريكيين لم يتوفقوا في التعرف عليه من بين أربعة أسماء أخرى، إذ لم يتعرف على اسمه كوزير للخارجية إلا %51 من العينة المستجوبة، بينما خلطت بقية المستجوبين بينه وبين هيلاري كلنتون وغيرها. وفي المقابل، اهتدت نسبة%65 من الأمريكيين إلى التعرف على اسم رئيس وزراء بريطانيا آنذاك “بوريس جونسون”.

هل أظهرت النتائج السابقة أن الأمركيين لا يعرفون الكثير عن الشؤون الخارجية؟ وهل الأمر يختلف عن باقي الدول؟ ماذا لو طرح على مواطني الدول العربية، مثلا، أسئلة من قبيل: ما اسم رئيس كوريا أو الصين مثلا؟ أو سُئلوا عن الديانة الأكثر انتشارا في افريقيا أو آسيا؟ أو طُلب منهم التعرف على رمز عملة الاتحاد الأوروبي؟

في غياب أبحاث ميدانية تَمنح إجابات تقرب من التعرف على حقيقة إلمام المواطن العربي أو الافريقي أو الآسيوي أو غيره بالقضايا الخارجية، لا يمكن إلا اللجوء إلى الافتراض والتوقع بأن نسبة كبيرة من مواطني دول هذه المناطق ستتجه إجاباتها في الاتجاه الخاطئ، وهذا ما يستدعي تنسيب الرأي القائل بأن الشعب الأمريكي غير مهتم بالشؤون الخارجية، لأنه يتضمن التعميم من ناحية، ولا يبين الأساس الذي تستند إليه المقارنة من الناحية أخرى؛ فعندما نقول: لا يهتم المجتمع الأمريكي بالشؤون الدولية، ينبغي على القائل أن يبين في المقابل نسبة اهتمام باقي الشعوب بالموضوع نفسه.

لا يعني أن البحث الميداني الذي سعى من خلاله مركز “بيو للأبحاث” الجواب عن سؤال: ماذا يعرف الأمريكيون عن القضايا الدولية ((What Do Americans Know About International Affairs? لا يشير إلى نتائج سلبية تفيد بأن نسبة متوسطة أو كبيرة من الأمريكيين تجهل ما يدور في بعض مناطق العالم، كأن لم يعرف %52 منهم أن بلادهم نقلت سفارتها إلى القدس سنة 2018، رغم كل ما أثاره ذلك من مشاكل في العالم، أو أن نسبة %48 فقط هي من تمكنت من التعرف على عاصمة أفغانستان على الرغم من أن بلدهم احتل كابول لأكثر من عشرين سنة، أو أن %41 فقط هم الذين توفقوا في تحديد العَلم الهندي من بين مجموعة الدول الأخرى، أو أن قلة من الأمريكيين (%26) هي من تعرف أن نيجيريا هي الدولة التي تُعرف بكثافتها السكانية وبإنتاجها الكبير للنفط. أما أن يتعرف الأمريكيون على كون منطقة “تشينيونغ” الصينية تضم أكبر عدد من السكان المسلمين بنسبة %17، فإن ذلك يعتبر جيدا وليس سلبيا، قياسا إلى طرح السؤال نفسه على شعوب العديد من الدول الإسلامية والعربية.

ربما من الأفضل عندما يفترض المواطنون في الدول العربية والإسلامية أن الشعب الأمريكي لا يهتم بالقضايا الدولية أن يسألوا أنفسهم أولا عن درجة إلمامهم بهذه القضايا، وإلا فإن الأجوبة التي قد تتوصل بها مراكز البحوث عندما تسأل المواطن العربي أو الروسي أو الإفريقي أو الإسلامي لن تكون نسبتها أحسن مما لدى الأمريكيين. ماذا لو طُرحت الأسئلة التالية في مجتمعاتنا: ما هو اسم وزير خارجية بلدك؟ ما هو علم الدولة الجارة إلى بلدك؟ ما المقصود بمسلمي الروهينكا؟ ما هي عاصمة أوزبكستان؟ من هو الوزير الأول في فرنسا؟ ما هي منظمة الاتحاد الإفريقي؟ ما هو حل الدولتين؟ ما معنى القول بأن القدس الشرقية عاصمة فلسطين؟ وغيرها من الأسئلة التي لو طرحت داخل مجتمعاتنا وجاءت نتيجتها إيجابية، آنذاك يمكننا لوم المجتمعات الأخرى بأنها تجهل ما يحدث خارج حدود دولها.

ختاما، إذا كانت نتائج البحث أعلاه تشير إلى موقف الأمريكيين من بعض القضايا الدولية قبل ما يحدث منذ عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة بعد السابع من أكتوبر 2023، فإن استطلاعات أخرى صادرة عن مؤسسة إعلامية أمريكية بعد هذا الحدث الكبير تشير إلى أن نسبة اهتمام الأمريكيين بالقضايا الدولية، ولا سيما ما يحدث في فلسطين، بدأت ترتفع بشكل تدريجي وملموس، وهذا ما عكسته نسبة التأييد المتواصل للشباب الأمريكي للفلسطينيين مقارنة بكبار السن، ويمكن للمتابع للشأن الأمريكي تلمس هذا التحول من خلال العديد من المؤشرات، من قبيل: زخم المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، والعرائض الموقعة من قِبل المثقفين والفنانين التي تندد بما يحدث من عدوان على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، حجم المتابعة لمحتويات البرامج التي تستضيف شخصيات مؤيدة للفلسطينيين، تراجع كبير في نسبة التطوع للتجنيد في الجيش الأمريكي، وغيرها من المؤشرات الدالة على هذا التحول التي نتجت عن مجموعة من الأسباب لا يسمح المجال بالتفصيل فيها لكن حسبنا الإشارة إلى تنويع مصادر المعلومة التي تشكل الرأي العام، لأن المعلومة لم تعد حكرا على وسائل الإعلام المؤيدة للسردية الإسرائيلية، وإنما أصحبت مواقع التواصل الروسية والصينية (تليغرام، تيك توك…) تنافس تلك التي تروج للرواية الإسرائيلية، مما دفع بالأخيرة إلى تعديل سياستها لكي لا تفقد زبائنها كما هو الحال بالنسبة لموقع التواصل “X” (تويتر سابقا) الذي يواجه مالكه إيلون ماسك ضغوطا كبيرة بسبب سماحه بعرض بعض المحتويات المتضامنة مع الفلسطينيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى