دلالات ومآلات “أحداث سابع أكتوبر” بفلسطين .. “الفرصة الأخيرة لحل عادل”
مع دخول الحرب في قطاع غزة (المحاصَر منذ 2007) شهرها الثاني بدأت التفاعلات الأكاديمية والبحثية المتأنّية تحاول النبش في الموضوع، مقاربة إياه من زوايا النظر والمعالجة الممكنة، لعل أبرزها الزاوية التاريخية- الاستشرافية لفهم ما يعتمل منذ السابع من أكتوبر وما قد يستَتْبِعه. إنه التاريخ الذي قد “يقلب” موازين الشرق الأوسط ومعه العالم.
هذا ما حاول موجز بحثي للسياسات (POLICY BRIEF) النبش فيه. وقد نُشر حديثاً تحت عنوان “الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.. الفرصة الأخيرة للتوصل إلى حل عادل”، وهو من تأليف عبد الحق باسو، باحث رئيسي في “مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد” (PCNS)، الذي يوجد مقره بالرباط. وقد أصدره المركز بعد شهر ونيّف من اندلاع النزاع المسلح الأخير.
“سابع أكتوبر” يذكّر العالم بفلسطين
“جاء الهجوم الذي نفذته “كتائب القسام” (الذراع العسكرية لحركة المقاومة “حماس”) في 7 أكتوبر 2023 على الأراضي الإسرائيلية المجاورة لقطاع غزة (مستوطنات غلاف غزة) ليُذكِّر المجتمع الدولي بأن ظهور صراعات جديدة في العالم لا يُمكن أن يجعلنا ننسى الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني المستمر منذ أكثر من سبعين عاما، دون إيجاد حل عادل يجعل من الممكن تلبية حاجة الطرفين المعنييْن للعيش في سلام”، كانت هذه أبرز خلاصات الباحث في ورقته التي طالعتها جريدة هسبريس ونُشرت باللغة الفرنسية.
وسجل كاتب الموجز البحثي أن “هذا الصراع، الذي نشأ في أعقاب الحرب العالمية الأولى، نجا من العديد من الصراعات الأخرى التي تلت ذلك”، مشيرا إلى أنه “نجا من حرب الفيتنام، وحرب أفغانستان (الروسية والأمريكية)، وحربي العراق (الأولى والثانية)، كما نجا من الحروب التي شنّها المجتمع الدولي ضد تنظيمَي داعش والقاعدة”.
وأضاف “في فجر العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين كان هذا الصراع لحظة منسية لصالح الحرب في أوكرانيا وتوترات منطقة المحيطين الهندي والهادئ ، قبل أن يظهر مرة أخرى شهر أكتوبر 2023”.
وحاول الباحث إقامة مقارنة بين حربيْ “أكتوبر 1973″ و”أكتوبر 2023” قائلا: “في 6 أكتوبر 1973 تم تحذير السلطات الإسرائيلية من اندلاع حرب وشيكة على حدودها مع الدول العربية”. وأضاف أن “هذا التحذير أكدته المعلومات التي وردت قبل أيام قليلة، لكن صناع القرار السياسي والمخابرات الإسرائيليين لم يأخذوها على محمَل الجِدّ. لقد فوجئت إسرائيل، وبدا جيشُها في حالة ذعر. إنها الكارثة. بعد خمسين عاما- تقريبا حتى اليوم- تُفاجأ الدولة العبرية مرة أخرى”.
وفيما يشبه “فلاش باك” بنكهة أكاديمية تحليلية، أعادت الوثيقة تركيب “قصة الأحداث” التي طرأت “صباح يوم 7 أكتوبر 2023” حين “عبَرَ مئات المسلحين الجدار الفاصل بين إسرائيل وغزة، وانتشروا في أكثر من 20 منطقة، وقتلوا أكثر من ألف إسرائيلي، وجرَحوا حوالي 3 آلاف آخرين، وأخذوا عددا معينا من الرهائن (وهو رقم ربما لن يكون معروفا بدقة حتى نهاية الحرب) إلى داخل قطاع غزة”.
واستشهد الكاتب بما “ذكرته عدة مصادر بأن السياسيين الإسرائيليين قلّلوا من شأن المعلومات التي تشير إلى اقتراب وقوع هجوم من غزة”.
“نهاية عهد نتنياهو”؟
“يقين سياسي في ضباب الحرب.. نهاية “عهد” بنيامين نتنياهو والجناح الديني المتطرف الذي يدعمه”، تحت هذا العنوان الفرعي سجل عبد الحق باسو، في تحليله، أنه “خلال أحداث 7 أكتوبر كانت إسرائيل تعاني من عدم استقرار غير مسبوق يتضح من الشقوق الاجتماعية والسياسية التي لا تُهدد سمعة الديمقراطية الإسرائيلية فحسب، بل تهدد أيضًا تنظيمها وتماسكها الاجتماعي”.
وإلى جانب كل الخسائر السابقة لعملية “طوفان الأقصى”، تُحاجج الورقة بأن “الإسرائيليين يَنظُرون إلى نجاح عملية حماس، التي حطمت أسطورة جيش واستخبارات إسرائيلييْن معصومَين من الخطأ، على أنه كارثة وطنية يتحمل بنيامين نتنياهو مسؤوليتها”، لافتة إلى أن هناك “العديد من المظالم السياسية والأمنية ضده”.
“حدث فريد”
“ربما يكون من السابق لأوانه التنبؤ بالتطورات المستقبلية للقضية (الفلسطينية)”، يؤكد الباحث ضمن أبرز استنتاجاته، معتبرا أن “تفرّد الحدث” (عملية حماس) يجد تفسيره في كون “طبيعة الحرب بين الجانبين تغيَّرَت”.
وتابع موضحا “من ناحية، لم تعُد الحرب بين الدول كما كان الحال في السبعينيات، ولكن بين إسرائيل والمنظمات المسلحة أكثر ميلا لممارسة حرب المتمردين”. من ناحية أخرى، “لم تتعرض إسرائيل أبدًا للهجوم على أراضيها أو سجلت العديد من الخسائر مثل تلك التي تكبَّدتْها خلال هجوم 7 أكتوبر”.
والنتيجة الوحيدة التي لوحظت، بعد مرور شهر على الأحداث، يخلص باسو، هي “حملة/ سلسلة إسرائيلية من الأعمال الانتقامية ضد “حماس” في غزة تميزت بالعنف غير المسبوق، مصحوبة بدعم عسكري أمريكي غير مسبوق وتصريحات تهديد شبيهة بالحرب ضد إسرائيل من جانب إيران ووكلائها في المنطقة. كل ذلك مصحوب بحرب إعلامية على كِلا الجانبين في محاولة للتأثير على الرأي العام الدولي”.
خلاصة
من أبرز خلاصات موجز هذا البحث، يسجل الكاتب، أن عملية السابع من أكتوبر “تعود- بالتأكيد- لتذكير الأمم المتحدة بأن الوقت وحده لا يُمكّن، على حساب التسويف اللّانهائي، من حل النزاعات أو حل الأزمات، خاصة عندما تكون هذه الأزمات أو النزاعات وجودية”، معتبرا أن “الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وجودي ومتبادل بين إسرائيل والفلسطينيين”.
وفي الواقع “طالما أن الصراع يمكن أن يستمر فلا يمكن أن تكون هناك حياة في السيادة والاستقلال والسلام والأمن لأحد الطرفين، دون أن يتمكن الآخر من العيش في الظروف نفسها، وإلاّ فإن الحرب والخوف وعدم الاستقرار ستستمر في الهيمنة في مناخ لا يكون فيه أي هدوء سوى نذير عاصفة.
وأكد ضمن الخلاصة نفسها أنه “لا يوجد سوى حلين لكل من الطرفين: 1/ “القضاء على الآخر وإبادته في مثل هذه الطريقة لقطع جميع جذوره وجميع إمكانيات عودته، أو 2/ “قبول الآخر والاعتراف بحقه في حياة كريمة، في السيادة والسلام والاستقلال والأمن”.
“وبما أن أيّاً من الطرفين لا يستطيع، مهما كانت القوى التي تدعمه، القضاء على الآخر”، يستنتج الباحث “يبقى الحل الثاني فقط. لا يمكن أن يكون هذا نتيجة مرور الوقت وحده أو التسويف اللانهائي للقضية”.
“تَمِيل الأحزاب المتطرفة، التي تسعى إلى القضاء على بعضها البعض إلى الخروج من هذه الحرب ضعيفة لتفتح النافذة لرؤى أكثر منطقية من أجل العمل على حل النزاع”، يختم الباحث الرئيسي بـ”مركز سياسات الجنوب الجديد”.