فعاليات المجتمع المدني تطلب تجويد الشكل العمراني للمقابر الإسلامية بالمغرب
بعدما أكد، منذ أيام، تقرير لوزارة الداخلية برسم منجزات السنة المالية 2023 أن الجماعات الترابية تواجه صعوبات من أجل توفير العقارات اللازمة لإحداث مقابر دفن المسلمين، عاد نقاشُ حاجة “مقابر المسلمين” إلى “سياسة جديدة بمعايير محددة تُطبق بكل مناطق المغرب من حيث آليات العمران وأشكال البناء”، لتأهيل هذه الفضاءات “التي تحتل نوعا من الهيبة داخل الضمير المغربي المسلم”.
وعلى الرغم من أن التقرير، الذي أحيل على البرلمان بمناسبة تقديم الميزانية الفرعية لوزارة الداخلية في مشروع قانون المالية 2024، لم يتعمق في المشاكل البنيوية التي تشهدها المقابر؛ فإن فعاليات مدنية وجدت الفرصة سانحة للتذكير بالحاجة إلى “مقابر إسلامية” قادرة على أن تجيب عن العديد من الأسئلة المطروحة بسبب الإشكالات التي تعانيها هذه الأماكن، الحاضنة لجثامين المغاربة أو غيرهم.
“موضوع راهني”
المهدي ليمنية، فاعل مدني، اعتبر أن “موضوع المقابر نادرا ما يثار في النقاش العمومي، لكون العديد من الفعاليات تعتبره ثانويا. كما أن هناك جهود كبيرة تبذلها الدولة في مجال تأهيل هذه الفضاءات؛ لكن أعيننا لا تخطئ أن العديد من المقابر في المدن تعرف إشكالات كثيرة”، موضحا أن “هذه الإشكالات تمتد للتأهيل العمراني الخاص بالقبور والأسوار، أو جمالية التصاميم أو غياب الفضاءات الظليلة والمساحات الخضراء”.
وأوضح ليمينية، في تصريح لهسبريس، أن “المقابر تشكل جزءا من المجال المديني وأيضا القروي، والجماعات الترابية والسلطات المحلية وأطر الأوقاف والجمعويون يمكنهم التنسيق في إطار ما يسمح به القانون لكي تحافظ مقابر المسلمين على كرامة الإنسان مثلما نرى في مقابر المسيحيين واليهود بالمغرب”، مسجلا أن “هذه الأماكن يجب أن تضفي نوعا من الجمالية على المجال، ليس لمحاولة تغييب حقيقة الموت، بل لتحصين كرامة الموتى”.
وسجل الفاعل المدني أن “منح هذه الأماكن نوعا من الحياة يكمن في وضع سياسة خاصة بها وبرنامج يتعلق بتأهيلها في إطار التنمية المجالية وطنيا؛ لكي نجعل مقابر المسلمين في المدن المغربية، خصوصا السياحية، تقدم صورة أفضل”، مضيفا أن “العديد من مقابر المدن الكبرى كمقبرة الشهداء بالرباط مثلا لها جمالية خاصة، ولها تدبير خاص أيضا. وهكذا، يجب أن تكون مقابر كل المسلمين؛ بمن فيهم من الطبقات الفقيرة في المجتمع”.
وذكر المتحدث ذاته أن “هذه المقابر يجبُ أن يوضع لها تصور وطني لكي تكون موحدة وتكون بمعايير مغربية وإسلامية خالصة، وأن تكون في نقاط معينة في المدن الكبرى تحديدا؛ لكوننا نلاحظ الآن أن معظمها مهمش، إذ جرى تشييدها في الضواحي وهوامش المدينة”، معتبرا أنه “يجب أن تتوفر لها أيضا الحراسة لمنع العديد من التصرفات التي يمكن أن تحدث فيها والتي يُقدم عليها الكثيرون بدون شعور بالمسؤولية ولا بهيبة المكان ولا بقداسة الموت”.
“مرفق عمومي”
عبد الواحد زيات، حقوقي ومدني، قال إن “المقابر تعد من الناحية العملية مرافق عمومية يذهب إليها المغاربة المسلمون، خصوصا في الأوقات التي تناسبهم، وفي الغالب أيام الجمعة. لذلك، فهي تدخل في مجال التدبير الترابي الذي تسهر عليه الجماعات الترابية والسلطات المحلية”، موضحا أنه “من هذا المنطلق تحتاج المقابر الإسلامية إلى النظر إليها كمرافق تشكل بنية المدينة وليست عبئا عليها مثلا”.
وأفاد زيات، في تصريح لجريدة هسبريس، بأن “هناك نصوصا تنظم مجال المقابر؛ لكنها تعاني من الكثير من الآفات من قبيل انتشار الزواحف الخطيرة بالعديد منها، وانعدام شكل مقنع في معظمها”، منبها إلى أن “الحديث عن ضمان نوع من الجمالية للمقابر لا يتعارض مع المشاعر التي ترى الموت حدثا فادحا؛ وبالتالي تعتبر أن إكرام الميت دفنه فقط، لأن إكرامه يجب أن يتم أيضا في إطار أشكال جديدة مثلما هو معمول به في الكثير من الدول الإسلامية”.
ولفت المتحدث عينه إلى أن “المشاكل التي تعرفها المقابر الإسلامية بالمغرب كبيرة، خصوصا مشكلة الوعاء العقاري. لهذا، نجدها في أماكن بعيدة؛ لكن بعد الزحف العمراني صار المنعشون العقاريون يبدون اهتمامهم بالعديد من البقع التي تصلح لكي تكون مقابرا نموذجية، وهو ما يجب أن تعارضه السلطات وبحزم”، مبرزا “ضرورة استحضار أهمية المقابر في مسار التأهيل الحضري، لكونها فضاء ملازم للوجود الإنساني، فحيثما عاش الناس هناك حاجة إلى مقبرة بمعايير تندرج ضمن الفضاء الجغرافي”.
تجدر الإشارة إلى أن وزارة الداخلية، حسب ما نقلته هسبريس سابقا، رصدت، خلال الفترة ما بين شتنبر 2022 وغشت 2023، مبلغا يقدر بـ50.70 مليون درهم (5 مليارات و70 مليون سنتيم) لفائدة الجماعات من أجل اقتناء قطع أرضية لتخصيصها كمقابر جماعية وبناء أسوار وقائية وتجهيز البوابات”. كما شمل هذا المبلغ “رقمنة تدبير وتسيير المقابر من خلال مشروع نموذجي يتعلق بتهيئة مقبرة “الرحمة” بجماعة دار بوعزة بإقليم النواصر”.