أخبار العالم

“الرهانات الاستهلاكية” تستأثر بالنقاشات بين خبراء مغاربة وأجانب في مراكش


تمحورت أبرز النقاشات في الندوة الدولية التي نظمها مجلس المنافسة بمراكش، على امتداد اليوم الأربعاء، حول المجالات والمواضيع المهمة ذات الصلة بالرهانات والتحديات الحالية التي تعانيها الدول النامية في تحقيق وبلوغ أهداف “التنمية المستدامة” كما حددتها الهيئات الأممية.

وبينما توزعت حلقات النقاش في هذه الندوة، التي التأمت تحت عنوان بارز “التنمية المستدامة: تحدٍّ تنافسي ومحفز للنمو”، بين “تأثير التحول نحو الاقتصاد الأخضر على التنافسية”، و”تمويل التنمية المستدامة وتأثيرها على المنافسة وعلى سلاسل الإنتاج العالمي”، استأثرت “رهانات الاستهلاك المسؤول والتحديات التي ينبغي مواجهتها لاستدامة حقوق المستهلك” بحيز وافر من انتباه الحضور وكذا تفاعلاتهم.

وحسب ما تابعته هسبريس، فإن النقاش بين المشاركين في هذه الندوة من بلدان مختلفة سار في اتجاه التركيز على رصد “تأثير التنمية المستدامة على خيارات المستهلك”، وكذا موضوع “المستهلك وأهداف الاستدامة”، فضلاً عن متغير “التضخم الذي قلب الحسابات الاقتصادية العالمية”.

“التلاعب بالمستهلكين”

فانيسا ترنر (Turner Vanessa)، مستشارة أولى لدى “منظمة المستهلكين الأوروبية” (BEUC)، أوردت في كلمة لها بُثت عبر تقنية الفيديو خلال الندوة أن “استدامة المنتجات التي يشتريها المستهلك مع ربح رهان الجودة”، تشكّل محور اهتمام أغلب النصوص القانونية المهتمة بـ”تنظيم المنافسة” و”حماية حقوق المستهلك” على السواء.

ولم تتوان المسؤولة في منظمة المستهلكين بأوروبا في إطلاق تحذيرات جدّية تواترت في الآونة الأخيرة عبر ممارسات من قبيل ما يصطلح عليه “التبييض الإيكولوجي” (Green Washing)، واصفة ذلك بـ”التلاعب الخطير بالمستهلكين واستغلال رهانات البيئية لتحقيق أهداف صِرف تجارية/ربحية”، خاصة بالذكر مجالات الإنتاج الغذائي والطاقي.

وأوصت المتحدثة بـ”نشر قواعد توجيهية من طرف سلطات المنافسة في كل بلد”، مستعرضة أبرز الخطوط العريضة للتجربة الأوروبية في الانتقال المستدام صناعياً وطاقيا وغذائياً.

الأنماط تتغير في المغرب

أفاد بوعزة الخراطي، عضو مستشار بمجلس المنافسة، بأن “لا أحد ينكر أن عادات المستهلكين المغاربة قد تغيرت”، مفسرا ذلك بـ”مرحلة هامة تسبب فيها التموقع الحكومي الرسمي الذي تحوّل من اقتصاد نصف موجَّه إلى نظام تحرير السوق في المغرب”.

الخراطي، المهتم والمختص بقضايا المستهلك في المغرب وحماية حقوقه، سجل ضمن تفاعله مع أسئلة مسيّر النقاش أن “هذا التغيّر الحاصل قد مسَّ ليس فقط متطلبات الجودة كمياً ونوعياً، بل شمل السعر، وأنماط الاستهلاك…”.

وزاد شارحا: “نحن نعيش حالياً مرحلة التوازن؛ فالموارد الطبيعية وغيرها تستجيب لحاجيات الإنتاج لكن الاختلال قد يحصل مع شحّ الموارد، وهو ما يطرح الإشكاليات البيئية ذات الأوجه المتعددة”، معتبرا أن “المغرب منخرط منذ القرن الماضي في الدينامية العالمية ليصل إلى تنمية مستدامة، وما مشاركته في قمم ومؤتمرات عالمية (قمة الأرض 1992، قمم المناخ …) فضلا عن تنظيمه مرتيْن ـمؤتمر COP، سوى دليل حاسم في هذا الصدد”.

المغاربة والمنتجات المستدامة

تابع الخراطي متحدثاً عن رهانات الاستدامة والاستهلاك بالمغرب ليقول: “عند تحليل سلوك المستهلكين، لا سيما عند الشراء، فالأمر يبدو مهمة معقدة؛ لأن هناك عوامل داخلية تنبع من المستهلك وحاجياته الفيزيولوجية والبيولوجية تتحكم فيه، إضافة إلى العوامل الخارجية، أبرزها التأثر بالإشهارات وحاجيات الجماعة وثقافة اتباعها…”.

وحذّر المتحدث مما وصفه “الجهل أو الأمّية” الذي يرنو على الناس في مجال التنمية المستدامة والبيئة، مسجلا أن “المقاولات المنتجة قد تصنع وعي المستهلكين وتُوجّهه دون معرفة من هذا الأخير في الغالب”.

ولفت الخراطي الانتباه إلى أن دراسات عديدة للسوق المغربية أثبتت أن “عدم التجانس بين الفئات العمرية والاجتماعية… هو ما يسِم اتخاذ قرار باستهلاك منتوج مستدام بالمغرب”، موصيا بـ”تبسيط التعامل مع المستهلك “العادي” لتحسيسه بأهمية التنمية المستدامة في أنماط الشراء.

ولحماية المستهلك، أكد الخراطي أن العمل يجب أن ينكبّ على تقوية المنظومة التي تتكون من أربع دعامات (المستهلك، المقاولة المنتجة، المؤسسات الحكومية للمراقبة وتنظيم المنافسة، ووسائل الإعلام الجماهيرية)، مشددا على أن “الأمر يشبه طاولة بأربع ركائز إذا اختلّ أحدُها فلن تقوم لها قائمة”.

ودعا الخراطي ختاماً إلى التركيز على التحسيس برهانات الانتقال المستدام على الأسَر وليس الأفراد؛ لأن “29% من مستهلكي الطاقة هم أُسَر”، موردا أن “استخدام شبكة الإنترنت يخلّف البصمة الكربونية من بين الأعلى إضراراً”، قبل أن يوصي بـ”وضع نسبة البصمة الكربونية على عُلب المنتجات والسلع حتى يتسنى للمستهلك الاختيار قبل شرائها”.

يشار إلى أن هذه الندوة، التي تم تنظيمها في إطار برنامج التوأمة المؤسساتية بين مجلس المنافسة المغربي وائتلاف مكون من ثلاث سلطات للمنافسة بالدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، يضم هيئات المنافسة باليونان وبولندا وإيطاليا، شهدت-وفق المنظمين-حضور أزيد من 200 مشاركة ومشارك من ممثلي القطاعات الحكومية المعنية، وهيئات الحكامة، والمؤسسات الوطنية، والمنظمات الدولية والإقليمية، وكذا الفاعلين الاقتصاديين والجهات المعنية بالإشكاليات التي تطرحها مسألة الاستدامة، وخبراء ومتخصصين في قانون واقتصاد المنافسة.

أبرز الخلاصات

خلال جلسة الاختتام، أعلن مجلس المنافسة بالمغرب أنه بصدد “إعداد خطوط توجيهية كمساهمة منه في الجهود الرامية إلى تمكين الفاعلين الاقتصاديين من ممارسة أنشطتهم بشكل يسمح بتحقيق أهداف التنمية المستدامة مع ضمان احترام قواعد المنافسة الحرة والنزيهة”، وجاء هذا التأكيد على لسان رئيس المجلس أحمد رحو، بحضور رئيس “اتحاد مقاولات المغرب” شكيب لعلج.

ومن المرتقب أن تُسهم النقاشات المتنوعة في تدارس وتعزيز “فهم العلاقة بين متطلبات الاستدامة لما توفره من آفاق جديدة للنمو من جهة، مع تأثيرها على السير التنافسي للأسواق ورهانات تحقيق شروط منافسة حرة ونزيهة من جهة ثانية”، وهي أساسياتٌ “تتطلب التفكير المتجدد من أجل نظام يضمن التوازن المستمر لتحقيق التنمية، في ظل نمو اقتصادي مستدام تؤطره حكامة اقتصادية تتوافق مع مصالح المستهلكين والمقاولات والدول”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى