موريتانيا .. الغموض الثابت

كثير من المغاربة كانوا يعتبرون إقليم شنقيط تابعا للمغرب منذ امتداد الدولة المغربية إلى الجنوب، في عهد المرابطين والموحدين والمرينيين والسعديين، وحتى في فترات مختلفة من حكم الملوك العلويين. وكانت هذه القناعة محرِّكة لمطالب الوطنيين، الذين طالبوا باسترجاع موريتانيا قبل استقلالها عن الاستعمار الفرنسي. ولا أزال أذكر خرائط المغرب في الدراسة الابتدائية والإعدادية، التي كانت تُدخل إقليم شنقيط في التراب الوطني.
حين قرر الحسن الثاني، رحمه الله، استرجاع الصحراء بمباركة أعضاء من الكتلة الوطنية، خاصة حزب الاستقلال الذي رهن انخراطه في أي حكومة بهذا المطلب، اعترفت محكمة العدل الدولية بوجود روابط قانونية وتاريخية قوية بين الصحراء والمغرب وموريتانيا، فكان الاتفاق الثلاثي الذي مكن المغرب من الثلثين وموريتانيا من الثلث الجنوبي من الصحراء. ثم تنازلت هذه الأخيرة عن حقها للبوليساريو بعد هزيمة مذلة سنة 1979، فتبين للجميع أن موريتانيا بلد ضعيف اقتصاديا وعسكريا، ولا قدرة له على حماية مليون كيلومتر من أراضيه الأصلية، فبالأحرى حماية جنوب الصحراء، التي أصبحت مغربية في التفاف ذكي من الحسن الثاني.
اعترفت موريتانيا بجمهورية السراب مقابل السلام، وضيعت على نفسها فرصة لا تتكرر للتعاون مع جارها الشمالي، وانخرطت في لعبة غامضة لا تزال قائمة حتى اليوم: علاقات دبلوماسية جيدة مع جمهورية الوهم، موريتانيون يمثلون دور الصحراويين في تندوف، صحراويون مخترِقون للنسيج السكاني الموريتاني، أرض موريتانية حلال على البوليساريو طولا وعرضا، علاقات متغيرة مع الرباط بين الليل والنهار ومع كل انقلاب عسكري أو انتقال شبه ديموقراطي.
حين تُراجع العلاقات المغربية الموريتانية بعد 1979 لا تجد رئيسا موريتانيا واضح المعالم في سياسته تجاه المغرب، وقد اعتقدنا أن محمد عبد العزيز، الضابط المتخرج من الأكاديمية العسكرية بمكناس والمتزوج من مغربية، سيكون أكثر وضوحا من سابقيه، لكن أُسقِط في يدنا حين أكد على غموض السياسة الموريتانية تجاه المغرب.
بعد الحسم المغربي في معبر الكركرات وعودة البوليساريو إلى الحرب بشكل مسرحي باهت، أصبحت الأراضي العازلة حراما على البوليساريو بتدخل حازم من القوات المسلحة الملكية، التي أرغمت عملاء الجزائر على التسلل من التراب الموريتاني لتجنب المراقبة العسكرية المغربية. وقد كانوا من قبل يتجولون كما شاؤوا في هذه المنطقة، من الحدود الجزائرية إلى الحدود الموريتانية، وبلغت بهم الوقاحة حد أنهم كانوا يقيمون قريبا من لكويرة وشواطئها في تحدٍّ سافر للمغرب، الذي كان مقيدا بوقف إطلاق النار.
اليوم تغير كل شيء. لا يستطيع إبراهيم الغالي أن يأخذ صورا أمام المحيط الأطلسي، ولا يقدر أي عسكري من أذنابه الابتعاد عن الحدود الجزائرية إذا أراد الهجوم على المغرب، ولم يتبق للرسوم المتحركة سوى التراب الموريتاني ينطلقون منه لتنفيذ هجومهم، ثم العودة إليه والصعود نحو الحدود الجزائرية.
لكن الأخطر هو محاولة البوليساريو الهجوم بالصواريخ والمسيرات من داخل الحدود الشمالية لموريتانيا، وهنا يجب إرغام هذا البلد على الخروج من الغموض وحماية أرضه أو ترك المغرب يقوم بحماية صحرائه بالطريقة المناسبة. وقد سمعنا عن المرتزقة الذين يهاجمون الجيش المغربي بغطاء المنقبين عن الذهب، يركبون عربات مدنية ويلبسون زيا مدنيا قبل أن تنزل عليهم صواعق من الأرض والسماء فتحولهم إلى رماد (بعض الصحراويين مزدوجي الجنسية يُعتَبرون موريتانيين منقبين عن الذهب من طرف نواكشوط).
لا يزال الهجوم على السمارة غير واضح المعالم، لكن ليس من المستبعد استغلال البوليساريو للأراضي الموريتانية للاعتداء على بلادنا، وهو أمر سيولّد ردود فعل مغربية صارمة تجاه بلد عاجز عن حماية ترابه، ورغم ذلك يستمر في الغموض الأبدي.