قصة فجر تكشف مآسي “عرب 48”.. هكذا تلاحقهم إسرائيل
“بابا، ما بدهم إياني صح؟”، منذ أسبوعين يردد فجر هذا السؤال على مسامع والده، السيد فادي الجمل، الذي تحدث لـموقع “سكاي نيوز عربية” عن معاناة طفله.
“ابني هو الطالب العربي الوحيد في صفه، ويدرس في مدرسة يهودية نظراً لوضعه الخاص، إذ لم نجد في المنطقة مدرسة أخرى تراعي احتياجاته (..) اتصلوا بي من المدرسة فجأة وقالوا لي إنهم طردوه لأنه تحدث عن حركة حماس أمام الطلاب (..) لكن اتصالا هاتفيا وصلنا أكّد أنه طُرد لأنه عربي بضغط من أهالي بقية الطلاب وأن التهمة لفّقت لإيجاد تبرير للقرار”.
القرار أعلاه ضد الطفل لم يوثّق برسالة رسمية ولا بريد إلكتروني، والمدرسة لا تجيب على اتصالات محامي العائلة، لكن في اجتماع للأب مع مفتش وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، أكّد المفتّش الإسرائيلي للأب أن “لا مكان لفجر في المدرسة” وأن لا حلول ستقدّم لهم.
منذ أسبوعين يبحث والد فجر على إطار تعليمي مناسب لاحتياجات ابنه الذي يشهد تراجعا على الصعيد النفسي والسلوكي ويعبر عن إحساسه بالنبذ والرفض بشكل ملحوظ، لكن ما من مدرسة قبلت بانتساب فجر لها حتى الآن، والأسباب؟ غير معروفة.
قصّة فجر ليست الوحيدة التي تمثل الهجمة الشرسة التي تمارسها كافة مؤسسات إسرائيل ضد المواطنين العرب من فلسطينيي الداخل، أو عرب 48 كما يشاع تسميتهم، وهم فلسطينيون يحملون المواطنة الإسرائيلية بموجب الولادة لكنهم، عربٌ-فلسطينيون في الهوية والانتماء.
فلسطينيو الداخل
يشكّل “عرب 48” حوالي 20 بالمئة من المجتمع في إسرائيل ويخضعون للنظام الإسرائيلي رسميا في جميع مناحي الحياة.
يواجه المجتمع الفلسطيني في إسرائيل ، منذ 7 أكتوبر الماضي، واحدة من أشرس موجات الملاحقات والاضطهاد ضده، التي لم تبدأ مع بداية الحرب لكنها اشتدت واتخذت أشكالاً أكثر قمعاً بشكل صريح. تتنوع أشكال الملاحقة الحالية بين اعتقالات واستدعاءات للتحقيق وحرمان من التعليم وفصل من العمل بشكل تعسفي، وكله استنادا لأدلة واهية ومضللة، إن وُجدت.
لتوضيح الصورة تحدثنا إلى ناريمان شحادة-زعبي، محامية من وحدة الحقوق السياسية والمدنية لمركز “عدالة” المتخصص بحماية حقوق الأقلية العربية في إسرائيل، وصفت ناريمان لموقع “سكاي نيوز عربية” الوضع الراهن لفلسطينيي الداخل بأنه “غير مسبوق من حيث الملاحقة والانتهاكات بالحقوق، كل فرد في مجتمعنا الآن يشعر بأنه ملاحَق بشكل شخصي بسبب هويته ويشعر أن هناك خطر على حياته لمجرد تجوّله في الشارع، وما يجعل هذا الخطر واقعي هو تشجيع وزارة الأمن الداخلي الإسرائيليين المدنيين على حمل السلاح! وهذا طبعا يقتصر على الإسرائيليين اليهود فقط والمتطرفين منهم بالأخص”.
وفق ناريمان تتجسد الملاحقة بعدة أشكال منها الاعتقالات والمحاكمات والفصل التعسفي من العمل بشكل مخالف للقانون أو الحرمان من التعليم بسبب الموقف السياسي الحالي أو السابق.
حتى الآن رصد مركز عدالة أكثر من 180 إجراء قانوني اتُخذته الشرطة أو المخابرات العامة الإسرائيلية ضد فلسطينيين في الداخل لأسباب تتعلق بالتعبير عن الرأي والانتماء.
الأدلة المستخدمة ضد المعتقلين، والتي قد تنتهي بإدانتهم بـ “دعم الإرهاب” أو “التماهي مع أعمال إرهابية” أو “الإخلال بالنظام العام”، هي في الغالب منشورات أو صور أو أغاني على منصات التواصل تعبّر عن رفض الحرب أو التعاطف مع الضحايا في غزة أو تضم رمزا من رموز الهوية الفلسطينية المعروفة. إضافة لاعتقال 26 شخص حتى الآن بسبب المشاركة في احتجاجات تطالب بوقف الحرب الجارية حاليا في غزة.
الجامعات الإسرائيلية.. “عسكر” في الحروب
منذ 7 أكتوبر دأبت الجامعات ومعاهد التعليم الإسرائيلية نشر بيانات على مواقع التواصل الاجتماعي مفادها بأنها “لن تتهاون مع التحريض”، موجهة الرسائل للطلاب العرب، ومطالبة الطلاب المشاركة بالإبلاغ عن زملائهم ممن يشاركون منشورات التعاطف مع غزة أو أي منشور يمكن أن يفسّر على أنه “تحريض”.
لتصبح الصورة كالآتي: آلاف الطلاب الإسرائيليين يمطِرون إدارة الجامعات بروابط لمنشورات أو صور شاركها أو كتبها زملاؤهم العرب على صفحاتهم الشخصية في منصات التواصل، سواء خلال أيام الحرب أو من سنوات سابقة. ودور إدارة الجامعة هو اتخاذ إجراء “تأديبي” بحقهم، ينتهي بالطرد والحرمان من التعليم أو بالإيقاف المؤقت أو بالتوبيخ والإنذار عبر “لجان الطاعة” التابعة للمؤسسة التعليمية.
يقول يوسف طه، مركّز الهيئة العربية للرابطة الطلابية، لموقع “سكاي نيوز عربية” أن “الجامعات الإسرائيلية أصبحت تلعب دور الحاكم والشرطي بدلاً من دورها كمؤسسة أكاديمية، وحوّلت الطلاب الإسرائيليين إلى مُخبرين لديها للإبلاغ عن زملائهم الفلسطينيين الذين يتشاركون معهم مقاعد الدراسة”، مضيفاً أن أكثر من 150 طالب فلسطيني من الداخل تضرروا بشكل مباشر من هذه الملاحقات منذ بداية الحرب، يضاف إليهم عدد من الأساتذة العرب الذين عبّروا عن موقفهم ضد الحرب على غزة ولاقوا هجوما مشابها من زملائهم وإدارة الجامعة، وفق يوسف طه.
إضافة لرسائل التحذير الرسمية التي تنطوي على “تهديدات” بالعقاب لمن “يعبّر عن رأيه ويظهر تعاطفه مع غزة”، يضيف طه لموقع “سكاي نيوز عربية” أن إحدى الأدوات “الخطيرة” المستعملة للملاحقة هي إنشاء الطلاب الإسرائيليين لقوائم تضم أسماء طلاب فلسطينيين وصورهم وأماكن عملهم ومنشوراتهم وتفاصيل شخصية أخرى وتعميمها على مجموعات في وسائل التواصل، فيما يشبه “قوائم الاستهداف”، الأمر الذي قد يشكل خطرا حقيقيا على سلامتهم.
وفي هذا السياق يوضح مركز عدالة القانوني، في أحدث التقارير حول اضطهاد الفلسطينيين في الداخل أن الإجراءات التأديبية المتخذة ضد الطلاب أتت في معظم الحالات “بسبب تعبير الطلاب عن تضامنهم مع الأهل في غزة عبر اقتباس آيات قرآنية، وهي أفعال تقع ضمن نطاق حرية التعبير والدين”. ويوضح التقرير أن “هذه الإجراءات تأتي التعسّفيّة استجابة للشكاوى الواردة من مجموعات طلابية سياسية يمينية متطرفة استهدفت الطلاب الفلسطينيين في مؤسساتهم الأكاديمية وراقبت حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي”.
قوانين عنصرية غير مسبوقة
تستغل الحكومة الإسرائيلية فترات التوتر السياسي لتمرير قوانين جديدة أو تعديل أخرى لتشديد الخناق على الفلسطينيين في الداخل، في الوقت الذي يمكن أن تظل فيه هذه القوانين “محل نقاش” في الأيام العادية الأقل توتراً.
في هذا السياق رصدنا عدة مقترحات قوانين أو تعديلات قانونية تهدف لتضييق الخناق على الفلسطينيين في الداخل وحظيت بانتقاد ورفض حقوقي جذري.
وافق الكنيست الإسرائيلي في 25 أكتوبر الماضي، في القراءة الأولى على تعديل قانون “مكافحة الإرهاب” لعام 2016. التعديل ينص على تجريم “استهلاك (الاطلّاع على) مواد إرهابية”، ليواجه من “يستهلك” هذه المواد عقوبة قد تصل إلى عام واحد من السجن. ما يعني أن التجريم لا ينطبق على مشاركة المواد “الداعمة للإرهاب” وفق التعريف الإسرائيلي ولكن أيضا مشاهدتها أو الاستماع لها قد يعرض المستخدم للسجن.
تعقيبا على هذا المقترح أصدرت منظمة عدالة بيانا جاء فيه: “يمثل هذا التعديل واحدة من أكثر محاولات الكنيست فظاعةً، ليس فقط لتقييد حرية التعبير، ولكن أيضًا للرقابة بوضوح على الأفكار الداخلية للمواطنين.
منذ دخوله حيّز التنفيذ في عام 2016، تم استخدام قانون “مكافحة الإرهاب” لاضطهاد وقمع المواطنين الفلسطينيين في الداخل ومع كل تعديل، يتم تقديم سياسات أكثر قمعًا، مما يشير بوضوح إلى أن النية هي استهداف المواطنين الفلسطينيين بشكل خاص وحصريّ.”
وفي هذا السياق تعلّق ناريمان شحادة لموقع “سكاي نيوز عربية” قائلة إن الهدف من هذا القانون هو تضييق مساحات العيش لفلسطينيي الداخل بالإضافة للترصّد والملاحقة. “هذا المقترح هو ترجمة للممارسات القمعية الإسرائيلية التي تطبق في الميدان منذ عشرات السنين، لكنه سيجعل من السهل تجريم أي سلوك يومي عادي مثل مشاهدة الفيديوهات والمشاركة في مظاهرة وقراءة مقال”.
أضافت ناريمان شحادة أنه يجري العمل على توسيع مشروع قانون سحب المواطنة والجنسية، بحيث يصبح من الممكن تطبيقه على من يُدان بتهمة “تحريض على الإرهاب” أو تهم شبيهة في وقت الحرب. وتوضح شحادة أن التعديل يمثل خطورة شديدة نظراً لأن غالبية من يعتقلون بسبب منشورات تندرج في إطار التعبير عن الرأي تُوجّه لهم تهمة “التحريض على الإرهاب”، بالإضافة إلى أن التعديل يعطي وزير الأمن الداخلي الصلاحية الكاملة لسحب الجنسية دون استصدار أمر قضائي، بالتالي فإن مصير الناس كاملا سيكون في يد وزير الأمن الداخلي وغير خاضع لرقابة القضاء.