حرب غزة: مخيم جباليا، “شعرت أنه يوم القيامة”
- Author, إيثار شلبي
- Role, بي بي سي – عربي
-
كان الفلسطيني سهيل التلولي في منزله الواقع بمخيم جباليا بصحبة نحو ثلاثين شخصا من عائلته، عندما سمع أصوات ما وصفها “بعشر قنابل ضخمة تقع واحدة تلو الأخرى ” أعقبها انهيار المبنى السكني الذي يقطن فيه.
يقول الرجل السبعيني لبي بي سي بصوت مرتجف: “شعرت كأنه زلزال أو بركان، بل شعرت أنه يوم القيامة”.
فقد التلولي وعيه تماما بعدما “تحول كل شئ أمام عينه إلى سواد تام”. يقول إنه أفاق وهو محمول بين يدي رجال الإسعاف ليرى “مشهدا من الدمار الكامل” للمربع الذي عاش فيه لما يقرب من 60 عاما.
“كل المباني حولي سويت بالأرض. لم أر أمامي سوى جثامين للضحايا في كل مكان وأشلاء متناثرة”.
في الليلة ذاتها، أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان أن الغارة الجوية على مخيم جباليا “قتلت إبراهيم بياري، قائد لواء جباليا التابع لحماس” مشيرا إلى أنه أحد القياديين الذين أداروا هجمات حماس على مدن إسرائيلية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، التي خلفت أكثر من 1400 قتيل. وأضاف الجيش الإسرائيلي أن القصف على جباليا أدى إلى انهيار “البنية التحتية العسكرية لحماس هناك”.
من جانبها، أعلنت حماس أن هذه الغارات أسفرت عن مقتل سبعة من الأسرى، من بينهم ثلاثة يحملون جنسيات أجنبية، وهو ما علق عليه المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية لئور حياة لبي بي سي قائلا: “إن حماس تكذب وتنخرط في حرب نفسية وهي لا تسمح لهيئة الصليب الأحمر بزيارة الأسرى ولا تعطيهم الرعاية الطبية اللازمة” مشيرا إلى أن سلامة الأسرى تقع على عاتق حماس وأنه لا يستطيع تأكيد المعلومات المتعلقة بمقتل هؤلاء الأسرى.
واستمرت غارات جوية أخرى على مناطق مختلفة في المخيم في كل الأيام الأولى من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني.
“حفرة بعمق 10 أمتار”
يقول التلولي الذي فقد 17 فرداً من عائلته في قصف يوم 31 أكتوبر/تشرين أول إن “قطاع غزة لم يشهد قصفا بهذا الحجم أو القوة” من قبل.
تعليقا على ذلك، قال المتحدث باسم الدفاع المدني في قطاع غزة محمود بصل لبي بي سي إن الغارات على جباليا خلفت “حفرة ضخمة بعمق 10 أمتار” مشيرا إلى أن تراكم حطام المباني السكنية حال دون إمكانية وصول فرق الإنقاذ بسهولة. “لم نتمكن من الحفر لإخراج الجثامين من تحت الأنقاض. كنا نتعامل فقط مع الجرحي”.
وقالت وزارة الصحة في غزة مساء 31 أكتوبر/تشرين الثاني، إن القصف الإسرائيلي على مخيم جباليا في هذا اليوم أسفر عن وقوع 400 ضحية بين قتلى وجرحى.
“كانت الأرض تهتز تحت قدمي”
لم يختلف حال التلولي كثيرا عن حال ناجين آخرين في القصف الذي استهدف مخيم جباليا، أحد أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، الذي تقدر مساحته بنحو 1.4 كيلومتر مربع وكان يعيش فيه قبل الحرب ما يقرب من 116 ألف شخص.
يقول الشاب الفلسطيني محمد الأسود الذي يعيش في المخيم منذ طفولته، إنه كان يشتري بعض الأغراض الأساسية من السوق عندما “اهتزت الأرض تحت قدميه” وسمع دويا وصفه بـ “ستة انفجارات ضخمة”. كان محمد على بعد 400 مترا من مكان المربع الذي تم قصفه.
هرع الأسود، الذي يبلغ من العمر 27 عاما، إلى المربع السكني الذي طاله الدمار: “حاولت الدخول إلى المبنى حيث يقطن عمي لكنه قتل وجميع أفراد عائلته كانوا بين الركام”.
يتذكر الأسود كآبة المشهد قائلا إنه شاهد “أطفالا يحملون جثامين أطفال أخرىن وأمهات يصرخن ويبحثن عن أطفالهن الذين كانوا يلعبون في الشارع قبل القصف”. وأضاف أن القصف وقع فجأة حتى أنه رأى بعض الجثامين “لأشخاص كانوا يمارسون أنشطة طبيعية، من بينهم امرأة كانت تحمل أحد أواني المطبخ”.
“مرحلة النهاية في المستشفى الإندونيسي”
على بعد نحو كيلومترين من مخيم جباليا، استقبل الأطباء في المستشفى الإندونيسي في مدينة بيت لاهيا الجرحى والقتلى، جراء القصف.
يقول مدير المستشفى الدكتور عاطف الكحلوت إنهم شاهدوا إصابات ترافقها حروق “غير معتادة” بين الجرحى الذين تدفقوا إلى المستشفى جراء القصف على مخيم جباليا، قائلا إن تلك الإصابات تنم عن “استخدام الجيش الإسرائيلي نوعا مختلفا من الأسلحة”.
يتفق معه في هذه الملاحظات المدير الطبي للمستشفى ذاته الدكتور مروان السلطان الذي قال لبي بي سي إن “نوعية الحروق وطبيعتها كانت مختلفة وغير معتادة” جراء هذا القصف.
لكن متحدثة باسم الجيش الإسرائيلي نفت لبي بي سي هذه الاتهامات وقالت إنه “لا يمكن الإفصاح عن نوع أو عدد الأسلحة المستخدمة” وأنهم على علم بادعاءات الأطباء هذه، ولكنها “تؤكد أن الجيش الإسرائيلي لا يستخدم أي نوع من الأسلحة المنافية للقانون الدولي”.
كما تحدثت بي بي سي مع خبراء في مجال الأسلحة الذين اتفقوا على أن الأسلحة التي استخدمت في قصف مخيم جباليا يوم 31 أكتوبر كانت تحمل ما لا يقل عن 500 رطل من المتفجرات، لكنهم ليسوا متأكدين من نوعها.
وأكد الطبيبان بالمستشفى الإندونيسي أن الوقود قد نفد من المولود الكهربائي الرئيسي للمستشفى في ساعة متأخرة من ليل الأربعاء 1 نوفمبر / تشرين الثاني. وقال الدكتور سلطان إن “الظلام يخيم” على جميع غرف المرضى في المستشفى، وأنه تم وقف جميع العمليات باستثناء جراحات إنقاذ الحياة، مشيرا إلى أن المستشفى قد دخلت في “مرحلة النهاية”.
وكان الجيش الإسرائيلي قد قصف السوق الرئيسي بمنطقة الترانس بمخيم جباليا في التاسع من أكتوبر تشرين الأول. وأعلنت حماس آنذاك أن هذه الغارات خلفت أكثر من خمسين قتيلا.