حرب غزة: لبنان جبهة إسناد والخيارات مفتوحة
بعد مرور نحو شهر على عملية طوفان الأقصى وأقل من تلك الفترة بقليل على فتح حزب الله لجبهة الجنوب اللبناني ضد إسرائيل ربطاً بأحداث غزة، خرج الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عن صمته بخطاب سبقه تشويق وترقّب، ولكنه في الحقيقة لم يحمل أي إعلان أو مفاجآت جديدة.
“الخطاب لم يكن مفصليا ولا مصيريا “، بحسب د.سامي عطا الله، مدير مركز دراسات الغد. حتى في النبرة، لم يكن الخطاب هو الأعلى بالنسبة لنصر الله وإن ترك كل الخيارات مطروحة بإعلانه أن الحزب دخل المعركة بالفعل وأن “كل الاحتمالات على جبهتنا مفتوحة “، دون الإفصاح عن المزيد ضمن سياسة ما يسمّيه ب “الغموض البناء”.
جبهة إسناد
حدّد نصر الله معالم جبهة جنوبي لبنان- شمالي إسرائيل المفتوحة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع والتي تشهد استهدافات متبادلة بوتيرة يومية. فبالنسبة لجوزيف باحوط، مدير مركز عصام فارس في الجامعة الأمريكية في بيروت، فإن نصر الله يعتبر “جبهة لبنان جبهة مساندة وإشغال واستنزاف-” أي مساندة لحماس والفصائل الفلسطينية من خلال إشغال الجيش الإسرائيلي وتشتيته.
فبحسب نصر الله فإن الجيش الإسرائيلي حرّك ثلث جيشه إلى الجبهة الشمالية وهو ما من شأنه التخفيف من الضغط على غزة. إلا أن نصر الله ترك الخيارات مفتوحة واعتبر أن المعادلة يمكن أن تتغير وفق الوضع في غزة والسلوك الإسرائيلي في لبنان.
ففي وقت كان نصر الله يقول إنه في “حال فكرت إسرائيل بالاعتداء على لبنان أو القيام بعملية استباقية، فإنها سترتكب أكبر حماقة في تاريخها”، كان رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يهدد “أعداء إسرائيل على الجبهة الشمالية” ويقول: “لا تخطئوا تجاهنا لأن ذلك سيكلفكم غاليا”.
توازن الردع
ثمة من يرى أن توازن الردع هو ما حكم العلاقة بين حزب الله وإسرائيل منذ انتهاء حرب تموز عام 2006 وإن كانت المناوشات المستمرة على الحدود منذ أكثر من ثلاثة أسابيع والتي خسر خلالها حزب الله أكثر من خمسة وخمسين مقاتلا، هي التصعيد الأخطر فيها.
في هذا الإطار وإن كان نصر الله قد أبقى على الغموض، إلا أنه “بدا واضحا في تحديد دور واستقلالية المقاومة الفلسطينية بهجوم حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كما حيّد إيران وحزب الله عن الهجوم”، بحسب عطا الله.
فقد قال نصر الله إن عملية “طوفان الأقصى” التي وصفها بـ”العمل العظيم والشجاع” هي عملية “قرارها فلسطيني 100% وتنفيذها فلسطيني 100% وأخفاها أصحابها عن الجميع”.
بالتالي حدّد أن التنسيق الذي يجري بين قيادات ما يُعرف باسم “محور المقاومة” والذي شدّد عليه حزب الله من خلال نشر صورة في الأسابيع الماضية لنصر الله ونائب مدير المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، لا يلغي استقلالية القرار لدى كل فصيل من هذه الفصائل.
هذه نقطة أخرى توقّف عندها باحوط في خطاب نصر الله وهي المتعلقة “بطريقة عمل محور المقاومة وبطريقة التنسيق بين الفصائل مع هوامش الحرية لكل فصيل في ظل وحدة القضية”. بحسب عطا الله
ما بين حرب تموز وحرب غزة
في الخطاب كانت هناك مقارنة بين حرب تموز 2006 بين حزب الله وإسرائيل والتي استمرت 33 يوما وبدأت بعد أسر حزب الله لجنديين إسرائيليين، وبين حرب غزة.
فقد بدا وكأن نصر الله يتوجه لأكثر من طرف في مقاربته هذه. بداية، توجه للرأي العام الإسرائيلي ليذكره بأن إسرائيل لم تتمكن من القضاء على حزب الله كما توعّدت في تلك الحرب، وبالتالي هي لن تتمكن من القضاء على حماس، بحسب كلامه.
كما أن إسرائيل في عام 2006 لم تستعد أسراها من دون مقابل، وهو ما تعد الحكومة الإسرائيلية بإنجازه الآن لاستعادة الأسرى والرهائن لدى الفصائل الفلسطينية في غزة، وعلى رأسها حماس.
انتهت حرب تموز بإعلان وقف لإطلاق النار أو “للأعمال العدائية”، هنا أيضا نقطة أساسية في خطاب نصر الله بحسب باحوط، حيث توجه للأمريكيين، ليقول لهم: “إذا كنتم لا تريدون التصعيد، تحدثوا مع الإسرائيليين واطرحوا موضوع وقف إطلاق النار”.
في هذا الموضوع وفي إطار ذكر البوارج الأمريكية التي تحركت إلى المتوسط لدعم إسرائيل، هدّد نصرالله “أننا أعددنا لها العدة أيضا”، مشيرا إلى أن “الذين هزموكم في بداية الثمانينات ما زالوا على قيد الحياة ومعهم اليوم أولادهم وأحفادهم”.
والمقصود هنا هو هجوم عام 1983 على قوات المارينز في بيروت والذي أدى إلى مقتل 241 أمريكيا في ما يُعتبر أكبر حادث من حيث عدد القتلى في يوم واحد في الجيش الأمريكي منذ الحرب العالمية الثانية.
كل من كان يخشى أن يِعلن نصر الله توسيع الجبهة، لا بدّ أنه تنفّس الصعداء بعد الخطاب. فالوضع القائم عبر الحدود حاليا والذي يبقى رغم خطورته، محدودا ومحصورا، هو المرشح أن يستمر طالما لم تنته الحرب في غزة.
التشويق الهائل الذي سبق الكلمة خفّ كثيرا ولكنه لم يختف. فنصر الله قال إن ما يقوم به الحزب في الجنوب اللبناني هو “مهم ومؤثر ولكن لن يتم الاكتفاء به”. فالجبهة مفتوحة والتطورات متحركة ومتغيرة والخيارات مفتوحة.
أما بالنسبة لمن كان يتوقع من نصر الله وضوحا أكبر أو إجابات أوفى، فيقول باحوط، بالنسبة لنصر الله “المطلوب منه أن يربح المعركة، لا أن يقدّم أجوبة”.