شهرزات ترحل إلى الغرب .. الترجمة تسقط فقرات من كتاب الراحلة المرنيسي
وقف الكاتب المغربي محمد نبيل* على تباين واضح بين مضامين مؤلف “شهرزاد ترحل إلى الغرب”، لصاحبته الباحثة في علم الاجتماع الراحلة فاطمة المرنيسي.
وأشار الكاتب والمخرج المقيم في برلين، ضمن مقال توصلت به هسبريس، إلى سقوط فقرات مهمة من نص الترجمة العربية للكتاب، وذلك بمقارنته مع مختلف ترجماته.
هذا نص المقال:
ما سقط من “المتعة كطقس مقدس” لفاطمة المرنيسي
أثناء إعدادنا للقراءة الأدبية والفكرية في نص الكاتبة والباحثة في علم الاجتماع الراحلة فاطمة المرنيسي: “شهرزاد ترحل إلى الغرب”، لفت نظري التباين الواضح بين مضامين هذا المؤلف في ترجماته المختلفة، وسقوط فقرات مهمة من نص الترجمة العربية التي وردت في النص الأصلي للكتاب.
أثناء المقارنة بين نصوص الترجمات العربية والألمانية والنص الأصلي الذي كتب باللغة الإنجليزية، تبين لي أن النسخة العربية لكتاب المرنيسي تمثل ترجمة وسيطة قامت بها ذ. فاطمة الزهراء أزرويل، التي نقلت النص الفرنسي إلى لغة الضاد، أما النص الألماني فقد ترجم الكتاب من لغته الأصلية مباشرة.
الترجمة العربية/الوسيطة جعلت النص مبتورا وخائنا لمعان أرادت المرنيسي قولها. أركز في هذا المقال فقط على قضية واحدة وردت في الفصل التاسع من الكتاب الأصلي الذي جاء بعنوان: “شهرزاد تذهب إلى الغرب”.
ما سقط من النص
في هذا الفصل التاسع، الذي جاء بعنوان: “المجلس: المتعة كطقس مقدس”، نعثر على النص المبتور والمعاني الغائبة. يضم الفصل في فقرته الرابعة كلاما عن الخمر والخمريات في الثقافة العربية الإسلامية سقطت من النص العربي لأسباب لا أعلم كل تفاصيلها.
تقول فاطمة المرنيسي في بداية النص: “لا يمكنك أن تجرب الانخراط الحسي الشديد إذا كنت تنظر إلى ساعتك كل عشر دقائق، هذا هو الدرس الذي تعلمته من قراءة كتب التاريخ الوسيط حول هارون الرشيد. واجب الخليفة المسلم هو السعي نحو الوسط، الوسطية المثلى بين طرفين متطرفين، بين الإغراءات الدنيوية والطموحات السماوية، بين الحياة والموت، بين اللذة والحرب”.
أما في موضوع الخمر الغائب عن النص العربي، الحاضر في النص الإنجليزي الأصلي المنقول بأمانة نسبية إلى اللغة الألمانية، نجد المرنيسي تقول: “النبيذ والاختلاط بين الجنسين يزيد من شهوانية المجلس، وعندما كانت الجلسات ناجحة بشكل خاص، فإنها تستمر طوال النهار والليل. عندما يتعلق الأمر بشرب الخمر، فهو ممنوع في الإسلام (سورة المائدة الآية 90-91). ومع ذلك، فإن المسلمين، مثل المسيحيين واليهود والبوذيين، يعرفون ما هو محظور على أنه خطيئة، لكنهم لا يطيعون بالضرورة دائما الوصفات المقدسة، وإلا سيصبحون ملائكة. ولأن الخمر ممنوع على وجه التحديد، فهو مرتبط في النفس الإسلامية بالمتعة كانتقام من الانحلال والساعات العابرة التي تدفعنا بشكل لا رجعة فيه نحو الموت.
منذ العصور القديمة، اشتهرت الدول الإسلامية مثل الجزائر والمغرب وتونس بإنتاجها للنبيذ اللذيذ، الذي كان أحد أسباب احتلال الرومان لهذا الجزء من العالم لعدة قرون. غالبا ما تعثر البعثات الأثرية العاملة في البحر الأبيض المتوسط اليوم على حطام السفن الرومانية التي غرقت أثناء نقل النبيذ وزيت الزيتون في شمال إفريقيا. أيضا، تشير العديد من السجلات التاريخية بشكل متكرر إلى شرب النبيذ في المغرب الأمازيغي الذي يميل إلى المتعة، وخاصة في باديس ومدن البحر الأبيض المتوسط الأخرى في الشمال.
وذكر محمد الوزان، المعروف أيضًا باسم ليو أفريكانوس، في مذكراته في القرن السادس عشر ما يلي: “باديس مدينة صغيرة على البحر الأبيض المتوسط. سكانها هم مقسمون إلى مجموعتين، صيادون وقراصنة يذهبون في قواربهم لنهب السواحل المسيحية. هناك شارع هام في المدينة مأهول باليهود حيث يمكن للشخص شراء نبيذ يُعد لذيذًا من قبل معظم السكان. كلما كان الطقس جيدًا، يذهب أهل هذه المدينة تقريبًا يوميًا على متن قواربهم ويستمتعون بشرب النبيذ والغناء في وسط البحر”.
ما سقط من كتاب فاطمة المرنيسي يطرح مرة أخرى أسئلة إشكالية عميقة تتعلق بدور الترجمة وأبعادها الثقافية والفكرية واللغوية وعلاقات النص المترجم بطبيعة وخصوصية القارئ والمجتمعات التي تطلع على هذا النوع من النصوص. كما لا بد من الإشارة إلى سؤال إشكالي آخر يعد مهما للغاية: ما هو دور الترجمة الوسيطة في نقل المعاني والأفكار في مجال البحث العلمي وما مدى ضرورتها المعرفية والفكرية؟
وإلى جانب هذه الإشكالات التي ذكرت، تطرح النصوص العلمية والتقنية المنقولة إلى اللغة العربية العديد من القضايا اللسانية. ومن أهم القضايا نجد واحدة من أكثرها إشكالية، وهي المصطلحات والترجمة. فسايني يذكر نقلا عن كرولمان “أن المصطلحات تمثل حوالي 40 إلى 60 في المئة من أخطاء المترجم الفنية، وأن العثور على المصطلح المناسب يستغرق حوالي 50 في المئة من الوقت المتاح للمترجم” (Sieny, 1985).
فاطمة المرنيسي.. مسار علمي ونقد فريد
نشير إلى أن الكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي ولدت عام 1940 في مدينة فاس. درست الكاتبة علم الاجتماع والعلوم السياسية في جامعة السوربون في باريس والولايات المتحدة الأمريكية، وحصلت على الدكتوراه، وحين عودتها إلى المغرب، أصبحت أستاذة لعلم الاجتماع في الرباط. اهتمت المرنيسي أساسا بدور المرأة في الإسلام، وعرفت كباحثة في مجال علم الاجتماع من خلال كتابها “الجنس والأيديولوجية والإسلام” الذي نشر لأول مرة باللغة الفرنسية في عام 1975 وترجم إلى العديد من اللغات. في 30 نوفمبر 2015، توفيت فاطمة المرنيسي عن عمر يناهز 75 عاما.
تهتم المرنيسي بسؤال المرأة وقضيتها الإنسانية في جل مؤلفاتها ودراساتها العلمية. وفي هذا السياق طرحت في هذا الكتاب-الذي تناولنا ما سقط منه-سؤال شهرزاد التي تربط عوالم الشرق بالغرب. حكاية شهرزاد هي أداة فكرية توظفها الكاتبة في نقد المجتمعات الغربية التي تحصر الحريم في مجال الثقافة العربية الإسلامية، وتختزل معانيه في تاريخ المشرق فقط.
فاطمة المرنيسي تركب صهوة المغامرة في رحلة شهرزاد إلى الغرب، وتطرح السؤال عن إمكانية تجاوزها للحدود والتحدث بصوت مرتفع حتى تكشف عن المسكوت عنه وربما اللامفكر فيه. حكاية شهرزاد بلغة المرنيسي التحليلية تسقط أقنعة الفكر الغربي، فهي التي أبهرت العالم الشرقي رجالا ونساء وعرت حقيقة الحريم الغربي.