انقطاع الإنترنت في غزة: كيف حدث وكيف انتهى؟
بعد انقطاع شبكة الإتصالات والإنترنت عن قطاع غزة لحوالي يومين – منذ مساء الجمعة – قالت وسائل إعلام فلسطينية في وقت مبكر من يوم الأحد إن الشبكة تعود تدريجياً إلى القطاع.
وقال مرصد “نت بلوكس”، المعني برصد الوصول إلى شبكة الإنترنت، إن الاتصال بالإنترنت في قطاع غزة قد تم استعادته.
وكتبت الشركة على موقع إكس -تويتر سابقا -: “تظهر بيانات الشبكة أن الاتصال بالإنترنت يعود إلى قطاع غزة”. وأبلغ نشطاء من القطاع عبر مواقع التواصل الاجتماعي – في الساعات المبكرة من فجر اليوم- أنه أصبح بالإمكان استخدام الإنترنت والاتصال بالناس عبر الهاتف.
لماذا انقطع الاتصال بقطاع غزة؟
منذ بدأ الحرب في غزة ونحن نجد صعوبة في التواصل مع من نتعامل معهم داخل القطاع، فقد تأخذ الرسالة النصية على واتساب ساعات لتصل إلى مستقبِلها. وإذا اتصلنا بالهاتف نحاول مرات ومرات، قبل أن يجيبنا من على الجانب الآخر.
لكن منذ مساء الجمعة، حتى هذه الإمكانية للتواصل، على صعوبتها، لم تعد متاحة.
في غزة شبكتان رئيسيتان للاتصالات وهما “جوال”، والوطنية المعروفة أيضا بـ “أوريدو”.
مساء الجمعة، ودون سابق إنذار، قطعت شبكة الإنترنت والاتصالات الأرضية والخلوية عبر الشبكتين داخل غزة، وانقطعت غزة عن العالم.
“فقدنا الاتصال بشعب كامل”، هذا ما دوّن البعض على مواقع التواصل الاجتماعي. “الصمت يعم ويصم الآذان”.. وهكذا وصفت سندي ماكين، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي ما يحدث حين أعلنت فقدان الاتصال بفرق البرنامج في غزة.
وعند الساعة السادسة والنصف بتوقيت غزة من يوم الجمعة نشرت شبكة الاتصالات “جوال”، بيانا على صفحتها على فيسبوك تعلن فيه انقطاعا كاملا لكافة خدمات الاتصال والإنترنت مع القطاع، وتقول إن القصف الشديد تسبب في تدمير جميع المسارات الدولية المتبقية التي تصل غزة بالعالم الخارجي.
وبعد ساعة من هذا الإعلان، نشرت شبكة “أوريدو”، المشغّل الثاني للاتصالات في غزة، بيانا على صفحتها على فيسبوك تبلغ فيه المشتركين بانقطاع كامل خدماتها عن قطاع غزة بسبب توقف الخطوط الرئيسية المغذية لكافة شبكات الاتصالات في القطاع.
وبعد الساعة السابعة بقليل من مساء الجمعة بتوقيت غزة، نشرت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بيانا تقول فيه إنها فقدت التواصل مع غرفة العمليات في القطاع ومع كافة طواقمها العاملة هناك.
وتحت قصف مكثف، وغير مسبوق في بعض مناطق القطاع، خاصة في الشمال، لم يعد بإمكان سكان غزة التواصل مع فرق الإسعاف والإغاثة لنقل جرحاهم والحصول على الرعاية الطبية، حتى على خدمة الاتصال المركزي 101.
ونقل مراسل بي بي سي في غزة عن مصادر هناك أن القوات الإسرائيلية قصفت المقاسم الرئيسية للاتصالات واستهدفت الهوائيات الخاصة بشبكات المحمول.
لكن بسؤال أحد كبار مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مارك ريجيف، في برنامج على قناة بي بي سي عما إذا كانت إسرائيل وراء قطع الاتصالات عن غزة، قال إن قطع الاتصالات “عن العدو” أمر معمول به في العمليات العسكرية.
لكن ريجيف رفض الإجابة عن سؤال مباشر عما إذا كانت إسرائيل قد تعمدت قطع الاتصالات عن غزة، وقال إنه في انتظار تقرير من الجيش الإسرائيلي عن سبب انقطاع الاتصالات عن القطاع.
كيف استطاع بعض الأفراد داخل غزة التواصل مع داخل وخارج القطاع؟
تمكن بعض النشطاء والصحفيين هناك من التواصل عبر الانترنت والهواتف، وما أسعفهم في ذلك هو أن شبكات الاتصال التي يستخدمونها لا تعتمد على مسارات شركتي الاتصال الرسميتين في غزة.
البعض لديه خطوط اتصال دولية، مثل سيرين بسيسو التي بعثت لنا رسائل صوتية صباح السبت تحكي لنا ما حصل حيث هي في خان يونس.
سيرين عائدة من أمريكا ولديها خط اتصالات أمريكي، فتحته وفعلت خدمة التجوال (roaming) حتى تمكنت من معرفة ما يجري في غزة. إذ كما قالت لنا سيرين، العالم الخارجي قد يعلم أكثر عما يجري في غزة من بعض الغزيين أنفسهم مع تشردهم من بيوتهم وانقطاع الكهرباء فهم لا يشاهدون الأخبار. فشبكة الإنترنت فقط، إن توفرت، تبقيهم على علم بما يحدث في مناطق أخرى من القطاع.
إذاعة محلية واحدة بقيت تبث على موجة الإف-إم داخل القطاع ليلة أمس، كما قال مراسل بي بي سي هناك.
وظلت حسابات عدد قليل من النشطاء والصحفيين تنشر ما حدث ليلة الجمعة في غزة، بعضهم يعتمد على الشرائح الرقيمة (E-sim) التابعة لخطوط دولية، وبعضهم لديه شرائح خطوط تركية، كذلك بعض الموجودين في منطقة رفح تمكنوا من التقاط إشارات من الشبكات المصرية لقرب المنطقة من الحدود مع مصر.
لدى بعض الغزيين أيضا شرائح اتصالات لشبكات إسرائيلية وكانوا أوفر حظا في التواصل، لكن الاتصال لم يكن مستمرا ولا سهلا.
تمكنت بي بي سي من التواصل مع صحفي في مدينة غزة لأنه يستخدم شريحة إسرائيلية وكان يتواصل معنا وهو في الطابق الحادي عشر لبناية، لأنه المكان الوحيد الذي استطاع فيه التقاط الإشارة.
مراسل قناة العربي في غزة، باسم خلف، نشر مساء الجمعة تغريدة يقول فيها إنه يتمسك بجدار مرتفع حتى يبقى على اتصال بالإنترنت ويراسل قناته صوتيا لعدم توفر أي وسيلة أخرى.
الإمكانية الأخرى للتواصل متاحة لمن يملكون هواتف خاصة موصولة بالأقمار الصناعية مباشرة وهم عدد قليل من الصحفيين.
البث عبر القنوات الفضائية ممكن بشكل محدود بالاعتماد على البث التقليدي عبر الأقمار الصناعية، كما شرح لبي بي سي مهندس بث، بحيث تنتقل الإشارة، صوتا وصورة من غزة عبر قناة بث محددة لكن في اتجاه واحد. يصل صوت المراسل وصورته، لكنه لا يستطيع استقبال صوت أو صورة من القناة التي يراسلها إلا عن طريق هاتف بالتوازي مع البث يكون موصولا بالأقمار الصناعية مباشرة ولا يعتمد على شبكات الاتصال العادية في حال انقطاع الاتصالات.
ما هو نظام ستارلينك؟
منذ الساعات الأولى لمساء الجمعة انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وسم #StarlinkforGaza وتجاوز عدد التغريدات عبر الوسم في الساعات الثلاثة الأولى عبر منصة إكس (تويتر سابقا) فقط، مليوني تغريدة.
وجهت هذه التغريدات إلى مالك إكس، ومالك شركة سبياس إكس، إيلون ماسك، مؤسس نظام ستارلينك، لمطالبته بتوفير خدمة الانترنت لقطاع غزة.
وستارلينك عبارة عن شبكة من آلاف الأقمار الصناعية الصغيرة توفر خدمة الإنترنت وتدور حول الأرض على ارتفاع منخفض نسبيا مقارنة بباقي الأقمار الصناعية حتى يكون اتصالها بالأرض أسرع.
ميزة خدمة ستارلينك هي أنها لا تحتاج إلى بنية تحتية كبيرة مثل الأبراج والأسلاك حتى تستقبل الإنترنت. لذلك فإن الخدمة موجهة بالتحديد للمناطق النائية والتي تغطيها شبكة الإنترنت التقليدية بصعوبة.
لكن حتى تتمكن من الحصول على الخدمة يجب أن يكون لديك طبق خاص وجهاز توجيه توفرهما الشركة بسعر مرتفع نسبيا يتجاوز الخمسمئة دولار. هذا بالإضافة إلى اشتراك شهري في الخدمة تفوق تكلفته المئة دولار.
إذاً حتى يتمكن إيلون ماسك من توفير خدمة ستارلينك في غزة يجب إدخال المعدات اللازمة للقطاع.
في واحدة من التغريدات حول الأمر قال مستخدم إن غزة تعاني في إدخال مياه للشرب داخل القطاع، فما بالك بمعدات استقبال ستارلينك، ليرد ماسك على التغريدة بالقول: صحيح.
ما يعني أن ربط قطاع غزة بالإنترنت عبر الأقمار الصناعية عبر نظام ستارلينك ممكن، لكنه سيكون بشكل محدود جدا مخصص لبعض منظمات الإغاثة وسيحتاج خطوات ووقتا لتفعيله. كما أنه مكلف جدا، فمن سيتحمل هذه التكلفة؟
ما الذي دفع الناس إلى التفكير في ستارلينك حلا بديلا لغزة؟
بعد مدة وجيزة من الغزو الروسي لأوكرانيا عندما انقطعت خدمة الإنترنت والاتصالات عن الأوكرانيين، تدخل إيلون ماسك وأرسل نحو عشرين ألف مجموعة من أطباق الاستقبال وأجهزة التوجيه إلى أوكرانيا استخدمتها بالأساس القوات الأوكرانية.
قال ماسك وقتها إن تكلفة توفير الخدمة ومكافحة القوات الروسية لتشويشها كلفه شخصيا ثمانين مليون دولار.
الحملة التي انطلقت مساء الجمعة للمطالبة بتوفير خدمة ستارلينك في غزة بنت طلبها على أساس ما حصل في أوكرانيا. لكن أوكرانيا لم تكن قطاعا محاصرا كما هو الحال في غزة.
ماذا عن شبكات الاتصال المصرية المجاورة؟
الإمكانية التقنية المطروحة حسب الخبراء هي أن تركز شبكات الاتصال أبراجا داخل رفح المصرية في أقرب نقطة ممكنة للحدود مع غزة مع تقوية الإشارة.
لكن هذا الخيار ليس أقل تعقيداً. فلو نُفذ سيغطي نطاقا محدودا جدا قد لا يتعدى بضعة كيلومترات داخل القطاع على الحدود مع مصر.
ويحتاج ذلك أيضا موافقة من الاتحاد الدولي للاتصالات على استثناء يسمح لشبكة اتصالات في دولة ما بمد تغطيتها داخل حدود دولة أخرى.
الاتحاد الدولي للاتصالات نشر على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي الجمعة إدانة لقطع الاتصالات عن غزة وقال إنه يجب حماية المدنيين والبنى التحتية الضرورية لحياتهم.