حرب غزة: لماذا اصطف أكبر حزبين بريطانيين وراء إسرائيل؟
- Author, محمد العشيري
- Role, بي بي سي نيوز عربي- لندن
ما زال القصف الإسرائيلي على غزة يتواصل لفترة كادت تتجاوز الثلاثة أسابيع، دون أي بادرة على احتمال توقفه. وأدى اشتداد الغارات والارتفاع اليومي في أعداد الضحايا إلى دعوات دولية إلى وقف إطلاق النار، وإن كان ذلك لفترة وجيزة للسماح بدخول المعونات التي يحتاجها أهل القطاع.
لكن، كيف كانت مواقف الأحزاب البريطانية الكبرى من الحرب في غزة؟
قد لا يكون هناك تباين بارز في موقفي الحزبين الأساسيين: المحافظين والعمال، لكن موقف الحزب الوطني الاسكتلندي كان فريدا.
دفع مقتل عشرات المدنيين كل يوم بسبب تكثيف الغارات عددا من أعضاء مجلس العموم في بريطانيا إلى حث رئيس الوزراء، ريشي سوناك، الأربعاء على الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة لأسباب إنسانية.
ماذا قال زعيم حزب المحافظين؟
وردا على ذلك قال سوناك إن على الناس أن يتذكروا أن إسرائيل عانت من “هجوم” وصفه بالـ”إرهابي والوحشي الصادم”.
وأضاف أن: “حماس مسؤولة عن هذا الصراع ولإسرائيل الحق في حماية نفسها بما يتماشى مع القانون الدولي كما ينص ميثاق الأمم المتحدة”.
ثم قال: “من الواضح أيضا أنه يجب علينا دعم الشعب الفلسطيني، فهو ضحية حماس أيضا. وتستخدم حماس الأبرياء دروعا بشرية”.
وأضاف: “إننا نحزن على فقد كل حياة بريئة، وأي شخص من أي دين، أو جنسية، ونعمل بأقصى ما في وسعنا لتوصيل أكبر قدر ممكن من المساعدات الإنسانية إلى غزة في أسرع وقت ممكن عمليا”.
ماذا قال زعيم حزب العمال؟
وقبل أيام ألقى زعيم حزب العمال كير ستارمر أمام المجلس بيانا قال فيه إن اليوم الذي وقع فيه هجوم حماس، الذي وصفه بـ” الوحشي” هو “أحلك يوم في التاريخ اليهودي منذ المحرقة”.
وأضاف أن حماس: “تريد فوضى الحرب.. تريد أن يعاني اليهود. تريد أن يشارك الشعب الفلسطيني الألم كذلك .. لأن الشعب الفلسطيني ليس قضيتها، والسلام ليس هدفها ..”
وقال “إننا نقف مع إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها في مواجهة إرهابيي حماس. نحن نؤيد القانون الدولي، وحماية أرواح الأبرياء، والدعم الإنساني للفلسطينيين. ونحن نفعل ذلك، لأننا نؤيد المسار السياسي لحل الدولتين”.
اتحاد الموقفين
ولا تظهر تصريحات رئيس الوزراء البريطاني، زعيم حزب المحافظين، وما أدلى به زعيم حزب العمال اختلافا واضحا بين موقفي الحزبين.
ويكاد يكون هناك إجماع بين زعيمي الحزبين الكبيرين على:
- وصف هجوم حماس بالوحشي أو الإرهابي.
- الوقوف إلى جانب إسرائيل.
- حق إسرئيل في الدفاع عن نفسها ومهاجمة حماس.
- التنبيه إلى الالتزام بالقانون الدولي.
واتفق زعيما الحزبين في أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، ولم يستخدما تعبير “وقف إطلاق النار”، كما قال كريس ماسون، المحرر السياسي في بي بي سي.
ولا يجد المتابع لتصريحات الزعيمين دعوة صريحة إلى وقف إطلاق النار، لكنها إن صدرت فهي مشروطة، أي وقف “إنساني” حتى يتسنى للدول المجاورة إدخال المعونات التي يحتاجها أهل غزة.
أول زعيم غربي يدعو إلى وقف إطلاق النار
لكن هذه الدعوة أطلقها الوزير الأول في اسكتلندا، حمزة يوسف، زعيم الحزب الوطني الاسكتلندي. وهو بذلك يعد- كما تقول وسائل إعلام بريطانية – “أول زعيم غربي يدعو إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس وإنشاء ممرات إنسانية لغزة”.
وعبّر يوسف في الوقت ذاته عن “تفهمه تماما” لرغبة إسرائيل في “حماية نفسها من الإرهاب”، لكنه أضاف أنه “لا يمكن تبرير العقاب الجماعي للرجال والنساء والأطفال.. فالأغلبية الساحقة ليس لها علاقة بالإرهاب”.
ودعا المملكة المتحدة إلى استقبال اللاجئين الفلسطينيين، مقترحا أن تكون اسكتلندا أول من يتطوع بذلك.
وجاءت تصريحات يوسف في وقت لا يزال فيه والد زوجته الفلسطينية الأصل ووالدتها محاصرين في غزة.
وقد يكون دافع يوسف الأكبر وراء الموقف الذي اتخذه حزبه هو مناصرة الحزب، الذي يسعى إلى الانفصال عن المملكة المتحدة، كما يقول بعض المحللين، لحركات الاستقلال وتقرير المصير.
حزب المحافظين والقضية الفلسطينية
في الذكرى الـ 75 لحرب عام 1948 أعلنت البارونة سعيدة وارسي، عضوة حزب المحافظين في مجلس اللوردات، رسميا إنشاء جمعية “أصدقاء فلسطين المحافظين”، التي طال انتظارها، بحسب ما قالته.
وأسست في الحزب قبل نحو 50 عاما جمعية “أصدقاء إسرائيل المحافظين”. وتضم الجمعية- كما تقول يارا هواري الباحثة الفلسطينية في مقالة نشرتها في موقع الجزيرة الإنجليزي- نحو ثلثي أعضاء حزب المحافظين في مجلسي العموم واللوردات، بينما لم ينضم إلى جمعية أصدقاء فلسطين الجديدة سوى 35 عضوا حتى الآن.
ويشير هذا الحدث الذي أعلنته البارونة وارسي، عضوة الحزب المؤيدة للفلسطينيين، وأول مسلمة تعين وزيرة في الحزب في عام 2010، إلى اتجاهات الحزب نحو إسرائيل والقضية الفلسطينية.
وهي نفسها كانت قد استقالت من حكومة ديفيد كاميرون في عام 2014، احتجاجا على موقف الحكومة من القصف الإسرائيلي على غزة وقتها، الذي أدى إلى قتل أكثر من 2000 فلسطيني.
وقالت وارسي في استقالتها التي نشرتها على تويتر، إن “نهج الحكومة ولغتها خلال الأزمة.. في غزة لا يمكن أخلاقيا الدفاع عنهما”.
وتقول يارا هواري إن إنشاء جمعية أصدقاء فلسطين “لا يعني أن المحافظين البريطانيين أصبحوا أكثر دعما لفلسطين”.
إذ لا تزال القيم والسياسات الأساسية لحزب المحافظين، بحسب ما تقول، تتعارض مع أهداف النضال الفلسطيني ودوافعه، مضيفة أن من يدعمون نضال الفلسطينيين يميلون عموما إلى أن يكونوا من أصحاب الاتجاهات السياسية اليسارية.
ولذلك فليس من الغريب أن يكون من بين المتضامنين مع الفلسطينيين في بريطانيا نقابات العمال والاشتراكيون والمنظمات الشعبية. إذ إن معظم هؤلاء يعدون تضامنهم مع الفلسطينيين نضالا للإمبريالية، بحسب ما تقوله يارا هواري.
حزب العمال عاد أدراجه
ولهذه القيم اليسارية كان حزب العمال البريطاني ينحاز في الماضي إلى إسرائيل وإلى حزب العمل الإسرائيلي الذي كان يسير على النهج نفسه، حتى كسر جيرمي كوربن هذا التقليد عند توليه زعامة الحزب.
فقد أعاد كوربن الاعتبار، كما تقول يارا، إلى السياسات الاشتراكية، ودعم الفلسطينيين، وأدى دعمه لهم وانتقاده للسياسات الإسرائيلية إلى الإطاحة به.
وابتعد الحزب عن القيم اليسارية في عهد زعيمه الجديد، ستارمر، ومن هنا تغيرت سياسة الحزب تجاه الفلسطينيين، ومالت أكثر إلى الجانب الآخر.
حزب المحافظين وحركة المقاطعة
يواجه حزب المحافظين منذ أيام انتقادات، ليس بسبب الحرب في غزة كما قد يتوقع، وإنما بسبب مسودة قانون يتعلق بالفلسطينيين وإسرائيل، وهو مشروع قانون يحظر مقاطعة إسرائيل.
ويهدف مشروع القانون الذي قدمته الحكومة إلى منع الهيئات العامة في بريطانيا من مقاطعة إسرائيل.
وأثار المشروع قلق عدد من أعضاء الحزب في البرلمان، لأنهم رأوا فيه “انتهاكا لحرية التعبير”، و”قسوة” في الصياغة.
ويفرض مشروع القانون حظرا على شن الهيئات العامة حملات مقاطعة، أو سحب بعض الاستثمارات أو فرض عقوبات مباشرة أو غير مباشرة على دول أخرى.
لكن وزير المجتمعات في حكومة المحافظين، مايكل غوف، يقول إن القانون سيساعد في مكافحة معاداة السامية.
وتقول الحكومة إن مشروع القانون سيضمن بقاء السياسة الخارجية شأنا من شؤون الحكومة وحدها، بحيث لا تستطيع أي هيئة أو مجلس محلي بدء حملات على منطقة دولية معينة أو مقاطعتها أو فرض عقوبات عليها، بدون موافقة الحكومة.
وقد يكون الهدف الأبعد للمشروع هو تقليص نفوذ حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، التي تدعو إلى مقاطعة اقتصادية وثقافية واسعة النطاق لإسرائيل وللمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتحظى هذه الحركة بدعم واسع النطاق من الفلسطينيين والجماعات المناهضة للاحتلال في بريطانيا. أما إسرائيل فترى أنها معادية للسامية، وهذا ما توافقها فيه الولايات المتحدة وألمانيا.
وتقول حركة المقاطعة نفسها إنها تعارض العنصرية، بما في ذلك معاداة الإسلام ومعاداة السامية.
وأعربت نائبة بارزة في حزب العمال عن مخاوفها من أن يؤدي مشروع القانون إلى تعزيز الانقسام في وقت أدت فيه الحرب بين إسرائيل وغزة إلى تفاقم التوتر المجتمعي بالفعل.
لكن نائبا محافظا آخر، انتقد هذا الاتجاه متسائلا “هل ننتظر حتى تعطينا حماس الإذن؟”.
تأييد إسرائيل “للغاية” يهدد حزب العمال
أدى موقف زعيم حزب العمال من الحرب في غزة إلى حدوث انشقاق داخل الحزب، بسبب معارضة عدد من أعضائه لسياسات ستارمر.
إذ لم يطالب ستارمر حتى الآن بوقف إطلاق النار، بالرغم من تكثيف القصف الإسرائيلي على غزة، وبدلا من ذلك دعا زعيم الحزب إلى “وقفات إنسانية” للسماح بدخول المساعدات إلى غزة وخروج الناس.
وأدى هذا إلى تزايد الانزعاج، وأحيانا الغضب، داخل الحزب بسبب موقف ستارمر.
ويرى بعض أعضاء الحزب أن هذا موقف مؤيد لإسرائيل للغاية، دون تعبير كاف عن القلق بشأن الفلسطينيين.
وكتب 150 من أعضاء مجلس العمال المسلمين إلى زعيم الحزب، بحسب ما قاله مايسون، قائلين إنه يجب أن يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار.
ومن الجدير بالذكر هنا أن نشير إلى أن 37 نائبا من الحزب كشفوا عن رغبتهم في وقف إطلاق النار علانية.
وقالت وسائل إعلام بريطانية إن نحو 19 عضوا في مجلس حزب العمال استقالوا من الحزب بسبب هذا الأمر.
ويحاول ستارمر تهدئة الأزمة حتى لا تتفاقم وتهدد تماسك الحزب. ولذلك التقى بحوالي عشرة من نواب حزب العمال المسلمين للاستماع إلى مخاوفهم.