كتاب جديد يقارب عقوبة الإعدام في المغرب
صدر حديثا للباحث هشام الإسماعيلي كتاب تحت عنوان “عقوبة الإعدام بين القانون والثقافة والديمقراطية” حاول من خلاله مقاربة الموضوع من زاوية أكاديمية مختلفة.
ويهدف هذا الإصدار إلى تجاوز المقاربة القانونية والحقوقية الكلاسيكية لموضوع عقوبة الإعدام، التي تقتصر على التحليل القانوني المعياري، الذي ينبني على المنظور المجرد للقانون الدولي لحقوق الإنسان والمعايير الغربية، التي أغفلت أو همشت مقاربة موضوع عقوبة الإعدام بواسطة عدسات علم الاجتماع والأنثروبولوجيا والعلوم السياسية، خاصة في الشق المتعلق بعلاقة عقوبة الإعدام بالثقافة والديمقراطية.
ويرى الباحث أن المقاربة الحقوقية والقانونية بشأن الإبقاء على عقوبة الإعدام أو إلغائها لم تقدم إجابات كافية وشاملة عن هذا الموضوع، كما لم تطرح العديد من الأسئلة الهامة كمسألة التحليل الثقافي للقانون الجنائي، وما مدى تأثير القانون بالثقافة؟ وما علاقة عقوبة الإعدام بالديمقراطية؟ وما مدى نجاعة عقوبة السجن المؤبد كبديل لعقوبة الإعدام؟ وماهي التوجهات الدولية والوطنية فيما يخص هذه العقوبة؟
وأوضح الإسماعيلي، في ورقة تقديمية للإصدار توصلت بها هسبريس، أن “الانغماس في مقاربة العديد من المواضيع والقضايا الهامة كمسألة عقوبة الإعدام عن طريق ضرورة ربطها بالالتزام غير المشروط بالمعايير الدولية وتوصيات الهيئات الدولية والإقليمية والإطار المرجعي الدولي بشكل مجرد يجعلنا نميل إلى النسيان والتخلي عن الذاكرة الثقافية والماضي الذي يمكن أن نتعلم منه دروسا مفيدة قد نطبقها على عصرنا الحالي، على اعتبار أن الموروث الثقافي يشكل كنزا نستمد منه باستمرار لمصلحتنا، خاصة في عالم متغير مدفوع بتوجه ما بعد الحداثة والتكنولوجيا والعولمة”.
وأضاف أن الوعد الذي قدمه النظام الليبرالي الحديث بإنشاء نظام عدالة جنائية، مبني على أيديولوجية غربية مثالية وأكثر نجاعة، أدى في بعض الجوانب إلى نتائج معاكسة (ازدواجية تطبيق معايير حقوق الإنسان ومحاولة إفراغ القانون الجنائي من حمولته الثقافية)، مبرزا أن النظام العالمي الجديد يتبنى المفهوم الجديد للثقافة من خلال احتقار أو تهميش الماضي، وهو ما أطلق عليه باتريك دينين Patrick Deneen “مجتمع فاقد للذاكرة”.
ولفت إلى أن “المعايير الدولية لحقوق الإنسان أصبحت من المنظور الغربي والأنظمة العقابية المقارنة للدول الغربية هي المقياس الوحيد الذي يستخدمه غالبا الخبراء والنخب والبيروقراطيون أثناء مناقشة موضوع العدالة الجنائية في شقها المتعلق بعقوبة الإعدام، واستبعاد أي مقاربة أخرى، مما يحتم علينا أن نتساءل بشأن من يمكنه تحديد تلك المعايير؟ وعلى أي أساس؟”.
وتابع أن “التيار الليبرالي “العقلاني” من خلال تبجيله للمعايير الغربية يعمل على تبخيس الطابع الأخلاقي للقوانين وارتباطها بثقافة كل مجتمع، وهو حريص على وضع الثقافة خارج نطاق التاريخ، والحث على تهجين القوانين الجنائية الوطنية بالمعايير والقيم الغربية وفق أيديولوجيته وفهمه الخاص للكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان”.
وركز الباحث ذاته على التفسيرات الثقافية والتاريخية والسياسية السببية في علاقتها بعقوبة الإعدام رغم صعوبة إثباتها، مؤكدا أن العدالة الجنائية ليست مجرد شكل من أشكال السياسة، التي يجب ملاءمتها مع المعايير الدولية بشكل فعال، مثل أي شكل آخر من أشكال السياسات العمومية، بحكم أن العدالة الجنائية حاملة للثقافة وتعكس عددا من القضايا المرتبطة بالثقافة والمجتمع والنظام السياسي والاجتماعي والعنف والهوية وسلطة الدولة وشروط الحياة الأخلاقية الجماعية.
وأضاف أن القانون الجنائي إذا كان يحمل الثقافة بهذا المعنى، ويترتب عن ذلك الاختلاف نزاع ثقافي بين اثنين من حاملي الشعلة في العالم الغربي الحديث، فإن العدالتين الجنائيتين الأوروبية والأمريكية تقدمان إلى جانب الأنظمة المحافظة حاليا رؤيتين ثقافيتين مختلفتين، والسؤال الذي تطرحانه إلى جانب الرؤية السببية التاريخية هو: ما هما هاتان الرؤيتان الثقافيتان؟.
وأبرز أن النظام العقابي، مثلا، في الدول المحافظة والولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها ما زالت تطبق عقوبة الإعدام، ليس فقط أشد من النظام العقابي الأوروبي، ولكن أشد بطرق توحي بمجموعة من الأفكار المتميزة والمختلفة حول مفهوم الجريمة والعقاب والجاني، مشيرا إلى أن النظام العقابي الأوروبي ليس فقط أكثر اعتدالًا مقارنة بالأنظمة العقابية الأخرى، ولكنه أكثر اعتدالًا بطرق توحي بتكونه من مجموعة متميزة من الأفكار حول الجريمة والعقاب والمجرمين.
وبالتالي، يضيف الإسماعيلي، تعبر العقوبة الجنائية من خلال الثقافات المحافظة والثقافات الغربية عن تضارب في الرؤى الأخلاقية، متسائلا عن المعنى من الجريمة والمشاركة في الحياة الاجتماعية، وعن ماهية الفعل الجرمي في علاقته بالإنسانية الأخلاقية التي تنبثق منها فكرة حقوق الإنسان.
كما يتضمن النظام العقابي لمعظم الدول التي ما زالت لم تلغ عقوبة الإعدام، يتابع المصدر ذاته، فكرة أن الجرائم الخطيرة أو المتكررة تصنف الجناة بكونهم أشخاص “مشوهون أخلاقياً Morally deformed “بدلاً من اعتبارهم أشخاصا عاديين ارتكبوا جرائم خطيرة. وبالتالي، فإن إجرام الجناة بالنسبة لتلك الأنظمة العقابية غير قابل للتغيير، فهو سمة من سمات الفاعل، وليس مجرد فعل، وعلى هذا النحو، فإنه يقلل من ادعاء الجناة بالعضوية في المجتمع ويجعل الجناة عرضة لعدم التمتع ببعض الحقوق الأساسية.
أما النظام العقابي الأوروبي فهو يؤكد ضمنيًا عدم تصنيف الجاني على أنه شخص “مشوه أخلاقياً”، واعتبار الفعل الجرمي دائمًا متغيرا ولا ينقص من قيمة الجاني أبدًا، من خلال إبعاد الجاني عن فعله الإجرامي، واعتبار أنه حتى أسوأ الجناة يتمتعون بالعضوية الاجتماعية والحقوق بدون انتقاص.
وأوضح الإسماعيلي أن العقوبة لا تتعلق فقط بالمعاملة القاسية أو السيطرة، ولكن تتعلق أيضًا بالعضوية الاجتماعية، مشيرا إلى أن العقوبة هي من بين أشياء أخرى أداة لتعريف الذات الجماعية والإقصاء الاجتماعي، وهي عنصر مهم في محادثة مجتمعية مستمرة حول شروط الحياة الاجتماعية المشتركة.
وختم المصدر ذاته بالتأكيد على أن “الحوار واسع النطاق بشأن مسألة عقوبة الإعدام يعد قضية ملحة وضرورية، فمؤسساتنا الاجتماعية والسياسية بحاجة إلى أن تتوفر على هامش أوسع للسماح بأكبر مساحة لتبادل وجهات النظر المتعددة، تكريسا للديمقراطية التشاركية كأسلوب للحوار العام بدل تخصيص النقاش داخل السلطة الحكومية والاعتراف بأن السياسة والقانون هما مجالان للمشاركة بين عدة وجهات نظر ثقافية وإيديولوجية متنافسة”، مبرزا أن تبسيط الظواهر الاجتماعية المعقدة من خلال الحد من المفاوضات الديمقراطية بشأنها سيوسع الفجوة بين القانون والمجتمع.