حرب غزة: “شقى عمرنا ضاع”، إسرائيل تهدم أبراجا سكنية في الزهراء
بين ليلة وضحاها، تحولت أبراج الزهراء وسط قطاع غزة من منطقة سكنية إلى كومة من الركام.
ما لا يقل عن خمسة وعشرين برجاً سكنياً سوي بالأرض في قصف إسرائيلي استهدف المنطقة التي كانت تعتبر من الأحياء الراقية في غزة وتتسم عادة بالهدوء.
تبكي أم سليم التي فقدت منزلها بحرقة وتخبر مراسل بي بي سي في القطاع عدنان البرش أن الجيش الإسرائيلي طلب منهم إخلاء منازلهم عند الساعة الثامنة والنصف مساءا ليبدأ بقصف المنطقة من التاسعة مساءً حتى السابعة من صباح اليوم التالي على حد تعبيرها.
كان البرج الذي تقيم فيه أم سليم يحتوي على عشرين شقة سكنية تقطن في كل شقة عائلة ليس لدى أي أحد منهم مكانا يذهبون إليه. “نحن مدنيون نعيش بأمان في منازلنا، لماذا يقصفوننا؟ ماذا فعلنا؟” تقول أم محمد التي خسرت منزلها أيضا.
نحو خمسة آلاف شخص تقريبا فقدوا منازلهم وشرّدوا بسبب هذا القصف لينضموا إلى مئات الآلاف من سكان غزة الذين باتوا دون مأوى. “هذه إبادة جماعية” يقول أبو رامي، أحد السكان الذين فقدوا منازلهم، ويخبر فريقنا في غزة أن بعض العائلات لم تغادر وباتت الآن تحت الأنقاض. لكن من غير الممكن انتشال الجثث أو حتى البحث عن ناجين، وسيارات الإسعاف وفرق الدفاع المدني لا تستطيع الوصول إلى المنطقة ولا تمتلك المعدات اللازمة.
“شقى عمرنا ضاع” يردد السكان الذين عادوا لتفقد الدمار الذي حل بمنازلهم وللبحث عما إذا تبقى أي شيء من أغراضهم بين الركام. في ملاءات يجمعون بعض الملابس والمقتنيات التي بإمكانهم الوصول إليها ويغادرون حاملين بعض الوسائد والبطانيات.
لم يستطع السكان استكمال البحث عن مقتنياتهم، خلال وجود فريقنا في المنطقة أخبر أحد السكان مراسلنا أنه تلقى اتصالا من الجيش الإسرائيلي بأنه سيقوم بتدمير أحد الأبراج المتبقية، فسارع الجميع لإخلاء المنطقة مجددا.
بي بي سي طلبت من الجيش الإسرائيلي التعليق على ما تم استهدافه في منطقة الزهراء تحديدا وتلقينا الرد التالي:
“الجيش الإسرائيلي يرد على هجمات حماس الوحشية بقوة لتفكيك قدرات حماس العسكرية والإدارية. وفي تناقض صارخ مع هجمات حماس المتعمدة على الرجال والنساء والأطفال الإسرائيليين، يتبع الجيش الإسرائيلي القانون الدولي ويتخذ الاحتياطات الممكنة للتخفيف من الأضرار التي تلحق بالمدنيين”.
مدينة الزهراء من ملاذٍ آمن إلى كومة ركام
الأبراج المستهدفة تقع في مدينة الزهراء التي بنيت في أواخر تسعينات القرن الماضي على أرض خالية تماما. الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات وجّه ببناء المدينة لمنع توسع ما كان يعرف بمستوطنة “نتساريم” التي كانت محاذية تماما للمدينة من جهة الشمال.
أبنية وشوارع المدينة كانت تعتبر حديثة نسبيا، وتضم نحو ستين برجا سكنيا يقطنها ما يصل إلى عشرة آلاف نسمة، كما تضم مؤسسات عامة وجامعات ومدارس.
يخبرنا حمزة، أحد سكان الزهراء، أن المدينة كانت بعيدة عن العمليات العسكرية ولم تستهدف في الحروب السابقة. الطابع الآمن جعلها ملاذا للسكان الذين هجّروا من منازلهم في مناطق أخرى.
عندما بدأت الحرب، فتح سكان الزهراء منازلهم لأقاربهم فأصبحت كل شقة تأوي أسرتين أو أكثر. مع تدمير الأبراج أصبح السكان وضيوفهم من غير مأوى.
حتى أولئك الذين لم تستهدف منازلهم لا يستطيعون العودة إليها خوفا من قصفها في أي لحظة، “فالإنذار يأتي قبل الاستهداف بخمس دقائق”، وفقا لحمزة الذي يقيم مع أقاربه الآن ويصف الوضع “بالكارثة الإنسانية”.
حمزة الذي يقيم في الزهراء منذ عام الفين وخمسة عشر يقول إن غزة لم تشهد دماراً على هذا المستوى سابقا “ولم يعد هناك أي مكان آمن”.